أوّل الكلام آخره:
- خاطر الغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأمريكي بإلحاق ضرر دائم بالنفوذ الأمريكي، وقد علّق كثير من القادة العالميين على مشاهد الاقتحام.
- تفاعل حلفاء الولايات المتحدة وأعداؤها على حد سواء مع الأحداث الحاصلة، وارتباطها بالمؤسسات والأنظمة الديمقراطية الأمريكية.
- يحتاج الشركاء الدوليون إلى النظر فيما إذا كان هذا حدثا منعزلا، أو مؤشرا على اتجاه أو نزعة ستستمر في المستقبل.
- أعاد الحلفاء تأكيد ثقتهم في الديمقراطية الأمريكية بينما سيتمكن الخصوم من الاستفادة من هذه الأحداث لإلحاق الضرر بالأمن الأمريكي على المدى الطويل.
راقب الحلفاء والأعداء على حد سواء مشاهد التمرد والإرهاب في واشنطن العاصمة في 6 كانون الثاني / يناير 2021 بخوف كبير. وقد خاطر الغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأمريكي بإلحاق ضرر كبير بالنفوذ الأمريكي والقوة الناعمة فيما سارع القادة العالميون من حلفاء وأعداء للرد والتفاعل مع ما يحدث. وأعاد الحلفاء تأكيد ثقتهم في الديمقراطية الأمريكية وفي مرونة مؤسساتها. وكان الكثيرون يتوقّعون الأسوأ من الدبلوماسية المضطربة لإدارة ترامب والتي يصعب توقع ما يمكن أن تقدم عليه. ومع ذلك، فلم يتوقع غير القليل أن يحرض الرئيس أنصاره على اقتحام المبنى وتهديد المشرعين على نحو ما فعل. أما خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا وإيران، فقد أعربت عن شماتتها ورأت في الفوضى لائحة اتهام للنظام السياسي الأمريكي. وقد اسودت صورة القيم الأمريكية في الخارج نتيجة الفشل الكارثي في السيطرة على تداعيات جائحة كورونا من جهة ونتيجة سياسات الإدارة التي أدت إلى بروز أكثر الخطابات تعصبا منذ الحرب العالمية الثانية لجماعات العنصريين البيض والجماعات المناهضة للدولة فضلا عن الخطابات المعادية للمرأة. وفي خضم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي نجح بفعل العلاقة القوية مع إدارة ترامب، أدان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون «المشاهد المشينة» وشدد على أهمية «النقل المنظم للسلطة». وقد شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على التقاليد الديمقراطية المشتركة بين الدول، مؤكدا في حديثه على «أننا نؤمن بقوة الديمقراطية الأمريكية». وقد أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أسفها لأن الرئيس ترامب لم يتقبل الهزيمة بعد. أما في سنغافورة، فقد أعرب القادة عن الصدمة والفزع. وفي كينيا، انتقدت الصحافة الوضع من خلال طرح سؤال «من هي جمهورية الموز اليوم؟». ومع ذلك، فقد أشارت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لين في اليوم نفسه (أو بالأحرى في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي) إلى أن ما حدث يبشر أيضا بأن إدارة بايدن وهاريس ستبدأ العمل في 20 كانون الثاني / يناير على ما هو مقرّر.
وكما هو متوقع، لم يفوت الخصوم المتعارف عليهم الفرصة لاستغلال ما يحصل. فقد صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية واصفة النظام الانتخابي الأمريكي بـ«المتقادم»، وقالت إنه «لا يفي بالمعايير الديمقراطية الحديثة» ويخلق «فرصا للعديد من الانتهاكات». أما في الصين، فلم تفوّت القيادة التي تدعمها اليوم اتفاقية تجارية حديثة مع الاتحاد الأوروبي، على الرغم من انتهاكاتها الشنيعة في شينجيانغ وهونغ كونغ، الفرصة لتقارن بين التعامل الأمريكي مع الأزمات ونهج الصين في ذلك. وقد ألقت وكالات الأنباء التابعة للدولة باللوم على «الحملات الانتخابية التي لا تنتهي أبدا» والتي أثرت في تركيز السياسيين في الولايات المتحدة وحدّت من قدرتهم على القيام بعملهم. ومن المؤكد أن الجماعات الإرهابية مثل داعش تلذذت وهي تراقب الفوضى التي تعم البلاد، مدركة الرمزية المهمة لاقتحام مبنى الكابيتول «خلال اجتماع الطغاة».
وبعيدا عن ردود الفعل الفورية، سيتعين على الجهات الفاعلة الدولية النظر فيما إذا كانت هذه الأحداث التي يتدنى احتمال وقوعها قد تفضي إلى تأثيرات هائلة وما إذا كانت جماعات العنصريين البيض المتطرفة ستؤثر تأثيرا كبيرا في اتجاه السياسة الخارجية والداخلية للولايات المتحدة مع اقتراب نهاية إدارة ترامب. ونظرا لأن الكثيرين يفكرون مليا في تحدياتهم المحلية وحركاتهم الشعبوية التي يزداد صداها، فسوف يفكرون في كيفية تأثير الأحداث في الولايات المتحدة داخل أوطانهم. وبالنسبة للقادة الدوليين مثل بوريس جونسون وبنيامين نتنياهو اللذين تحالفا تحالفا وثيقا مع إدارة ترامب، فإن تأثير انتقال السلطة سيكون مصدر قلق. أما بالنسبة لدول أخرى، فقد خفت ثقتها في الولايات المتحدة التي كانت شريكا دوليا موثوقا به بسبب انسحابها من العديد من الاتفاقات الدولية بشأن تغير المناخ والحد من الأسلحة وكذلك انسحابها من مناطق الصراع. وعلاوة على ذلك، فإن العجز عن التنبؤ بالسياسة الخارجية في عهد ترامب، والتي بدت في كثير من الأحيان أكثر ارتياحا في صحبة القادة الاستبداديين مثل كيم جونغ أون منها في صحبة الشركاء الديمقراطيين، قد ترك تأثيرا ضارا في الحلفاء المقربين الذين يتساءلون اليوم عما إذا كانت إدارة بايدن وهاريس القادمة ستكمل في هذا الاتجاه، أو أنهم قد يتمكنون من الاعتماد عليها من جديد.
إن عواقب الشروخ الأمنية لا تعد ولا تحصى على المدى الطويل. فإن واشنطن تعاني بالفعل من الاختراقات الالكترونية من دول عدّة ولا تزال التداعيات حتى اليوم مجهولة. وعلى الصعيد العالمي، سيواجه المواطنون الذين يناضلون من أجل تعزيز الديمقراطية في الداخل والدفاع عن حقوق الإنسان في الخارج تهديدات أكبر من القادة الاستبداديين، الذين يحاربون الديمقراطية الأمريكية، ويمارسون ضغوطات كبيرة على الحريات المدنية وحرية التعبير. كما أن الأهداف التي كان يعتقد أنها منيعة ستكون عرضة للهجمات كافة، أي ليس الأهداف «الناعمة» مثل المطاعم والأسواق والشوارع المزدحمة التي كانت محور الهجمات في الآونة الأخيرة. ولم تحدد الآثار الأمنية للهجوم على مبنى الكابيتول بشكل كامل، إذ من الممكن أن تستنجد الجهات الفاعلة بالفوضى للوصول إلى الأغراض البالغة الأهمية. علاوة على ذلك، فإن هجمات إدارة ترامب المستمرة على «الأخبار المزيفة»، وحملات التضليل الإعلامي الخارجية والمحلية، والفشل الأمني في مبنى الكابيتول ألحقت أضرارا لا توصف بالثقة في الدولة، التي كانت منخفضة أساسا، ومن المرجح أن تتدهور أكثر مع ازدياد تداعيات وباء كورونا. ومن الممكن أن لا تصدق شرائح واسعة من الجمهور التقارير عن النشاطات الأجنبية وألّا تدعم أي رد فعل حاسم. وقد أعطى التسلم القريب لإدارة بايدن وهاريس بعض الشركاء الدوليين شعورا بالأمل وهم يخططون لشراكة أكثر تقليدية مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، سيحتاجون إلى التفكير في وضع خطة طوارئ غير تقليدية في حالة تكرار مشاهد السادس من كانون الثاني / يناير، مع استمرار تهديد المتطرفين للسياسة في المستقبل المنظور، حتّى وإن هدأت حركتهم مؤقّتا.