أوّل الكلام آخره:
- يبدو أن العملية التي تدعمها الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال الانتخابات الرئاسية على وشك الانهيار.
- أدى استيلاء زعماء مرتبطين برجل شرق ليبيا القوي خليفة حفتر على السلطة في شباط (فبراير) إلى زيادة الانقسامات السياسية التي ابتليت بها خارطة الطريق الانتخابية التي تقودها الأمم المتحدة.
- تواصل القوى الإقليمية والدولية الضغط لتحقيق مصالحها في ليبيا على حساب الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يعود بالفائدة على الشعب الليبي.
- تضرر دور ليبيا في تصدير النفط والغاز بشكل كبير من الصراع الداخلي، مما قلل من قدرتها على المساعدة في تعويض أي نقص في الطاقة ناتج عن الحرب الروسية في أوكرانيا.
في عام 2020، في أعقاب وقف إطلاق النار بين الفصائل الليبية المتصارعة، وضع ممثلو الأمم المتحدة والقادة الليبيون خارطة طريق لمحاولة إنهاء عقد من الصراع الداخلي بعد الإطاحة بمعمر القذافي. وشملت خارطة الطريق إجراء انتخابات رئاسية ونيابية في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021، بموجب قوانين انتخابية يُتّفق عليها. وكان الهدف من الانتخابات الوصول إلى حكومة موحدة مدعومة من الأمم المتحدة مقرها طرابلس، على أن تشمل شرق البلاد حيث يسيطر الجنرال خليفة حفتر، وهو رجل قوي مناهض للإسلاميين تدعمه مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة. وقد تقدم إلى الانتخابات العديد من اللاعبين السياسيين الرئيسيين في ليبيا من كل من الشرق والغرب، بما في ذلك حفتر وكذلك بعض القادة في غرب ليبيا، وسيف الإسلام القذافي. ومع ذلك، فإن الطعون القضائية حول أهلية عدد من المرشحين، وكذلك الخلافات حول قوانين الانتخابات التي ستحكم التصويت الذي كان مقررا في 24 كانون الأول (ديسمبر)، تسببت في تأجيل الانتخابات. وتؤكد ستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا، أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة للمصالحة السياسية الليبية ستكون عبر إجراء انتخابات بحلول صيف 2022.
ومع عدم تحديد موعد جديد للانتخابات، اندلعت الخلافات بين الفصائل الرئيسية في 10 شباط (فبراير) إثر قرار البرلمان ومقره طبرق تعيين فتحي باشاغا رئيسا جديدا للوزراء. وأكد مجلس النواب أن ولاية رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة قد انتهت في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021 الموعد الذي كان محددا للانتخابات الرئاسية. ووصف الخبراء تعيين باشاغا وزير الداخلية السابق بأنه «استيلاء ثلاثي على السلطة»: باشاغا من ناحية، وداعمه الرئيسي عقيلة صالح رئيس مجلس النواب من ناحية، وحفتر من ناحية ثالثة. وكان حفتر وحلفاؤه قد فشلوا في إخضاع غرب ليبيا بالقوة في عام 2019، لكنهم سعوا منذ ذلك الحين إلى البحث عن فرص لتوحيد ليبيا تحت سيطرتهم من خلال الوسائل السياسية. ومن خلال تعيين باشاغا رئيسا للوزراء، كان قادة شرق ليبيا يأملون في حشد المؤيدين في غرب ليبيا – فباشاغا نفسه ينحدر من مصراتة بغرب ليبيا – وبالتالي تقويض حكومة دبيبة.
ولكن التعيين، وبدلًا من توحيد الفصائل المتصارعة في ليبيا، أثار رد فعل عنيفا في غرب ليبيا، وزاد من حدة الانقسامات الليبية، وزاد من احتمال تجدد الصراع المسلح. وتعهد دبيبة بالبقاء في منصبه حتى إجراء الانتخابات الوطنية، واحتشد المؤيدون إلى جانبه. واحتج المتظاهرون على استبدال الدبيبة وهرعت الميليشيات الموالية للدبيبة إلى طرابلس للدفاع عن حكومته. أما مسؤولو الأمم المتحدة فحاولوا التأكيد على أهمية المصالحة السياسية وحث مختلف الفصائل على تحديد موعد جديد للانتخابات. وفي اليوم التالي للتصويت على استبدال دبيبة، صرح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «أحاط علما» بالتصويت يوم الخميس في مجلس النواب في طبرق لتعيين رئيس وزراء جديد و«هو يدعو جميع الأطراف لمواصلة للحفاظ على الاستقرار في ليبيا بوصفه الأولوية القصوى». وفي حين أن الإطاحة بالدبيبة قد تنجح في نهاية المطاف، ومن غير اندلاع نزاع مسلح رئيسي جديد، فإن التعيين لا يمكن عدّه خطوة في الطريق الصحيح لتحقيق المصالحة أو لتحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية.
ويقدر العديد من الخبراء أن نفس القوى الإقليمية والعالمية التي كانت تدعم القادة الليبيين المتنازعين كانت وراء الجهود المبذولة للإطاحة بالدبيبة. وقد عبرت مصر عن دعمها لتعيين باشاغا – وهي لا تزال تأمل في رؤية أحد التابعين لها في السلطة – وكذلك فعلت روسيا. كما دعمت الإمارات العربية المتحدة حفتر عسكريا وسياسيا. ودعمت تركيا، وبدرجة أقل قطر، الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. ومع ذلك، فقد أشارت تركيا، التي سعت مؤخرًا إلى المصالحة مع خصومها الإقليميين، إلى أنها لن تخاطر بإثارة العودة إلى الصراع المسلح داخل ليبيا من خلال دعم إصرار حليفها على البقاء في السلطة. وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة نادرة للإمارات، عن حياده في النزاع الليبي، مؤكدا أن حكومته تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من الدبيبة وباشاغا.
وسيؤدي الفشل في التوفيق بين الفصائل المتصارعة إلى زيادة تعقيد جهود ليبيا للتعافي الاقتصادي الذي يمكنها من تثمير الإمكانات المتوفرة في قطاع النفط والغاز الضخم. ويتشاور المسؤولون الأمريكيون مع مصدري الطاقة العالميين لزيادة إنتاج النفط العالمي – في محاولة لخفض الأسعار – والنظر في توفير إمدادات غاز طبيعي إضافية إلى أوروبا تحسبًا لنقص الغاز الذي قد ينجم عن الحرب في أوكرانيا. فمعظم الغاز الطبيعي في أوروبا يأتي من روسيا، التي قد تقلص الإمدادات في ظل العقوبات المفروضة عليها أمريكيا وأوروبيا ردًا على غزوها لأوكرانيا. ويرى بعض الخبراء أن ليبيا قادرة على المساعدة في تخفيف النقص، بالنظر إلى إنتاجها القوي من الغاز وقربها من القارة. ومع ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا يجعلها شريكًا مزعجًا في مجال الطاقة، ويحد قدرتها على زيادة صادرات الغاز. وفي عدة مناسبات سابقة، أقدمت القوات شبه العسكرية والجهات الفاعلة المستقلة الأخرى على إغلاق حقول النفط الليبية وتسببت في إعلان شركة النفط الليبية المملوكة للدولة عن وقوعها تحت عامل القوة القاهرة – بما يسمح لها قانونيا بتحرير نفسها من التزامات التوريد التعاقدية بسبب عوامل خارجة عن سيطرتها. ويمكن لروسيا أيضًا الاستفادة من وجودها في شرق ليبيا وحقول النفط في البلاد لتعطيل تدفقات الطاقة إلى أوروبا. ومن المرجح أن يتطلع المسؤولون الأمريكيون إلى موردي الغاز الأكثر استقرارًا وموثوقية، مثل قطر، للوصول إلى حلول لنقص إمدادات الغاز الناجم عن أزمة أوكرانيا، وسيواصلون تركيز سياستهم في ليبيا على تأمين الاستقرار السياسي هناك.