أوّل الكلام آخره:
- في 10 أيلول / سبتمبر 2020، أصدرت المفوضية الأوروبية تقريرين حول جهود شركات التواصل الاجتماعي لمحاربة انتشار المعلومات المضللة في أوروبا.
- رسمت التقارير صورة غير متسقة للتقدم المحقّق مع اعتماد شركات التكنولوجيا إجراءات للالتزام بمدونة الممارسات الخاصة بانتشار المعلومات المضللة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي عام 2018.
- تسلط الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الضوء على غياب الاتساق في التدابير التي تتخذها شركات وسائل التواصل الاجتماعي لمكافحة انتشار المعلومات المضللة.
- تتقدم أوروبا بأشواط كبيرة عن الولايات المتحدة في مجال تشجيع الإجراءات العملية لشركات وسائل التواصل الاجتماعي الرامية لمكافحة انتشار المعلومات المضللة.
في 10 أيلول / سبتمبر 2020، أصدرت المفوضية الأوروبية تقريرين حول فعالية قطاع التكنولوجيا في مكافحة انتشار المعلومات المضللة في أوروبا. ويسهم التقريران في التحليلات الجارية لتنفيذ شركات التكنولوجيا العملاقة للإجراءات المضمّنة في مدونة الممارسات الخاصة بانتشار المعلومات المضللة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي عام 2018. ويقدم التقرير الأول، الصادر في 10 أيلول / سبتمبر، وهو وثيقة العمل 180 لموظفي المفوضية، تقويما عاما لتنفيذ مدونة الممارسات. ويتناول التقرير الثاني على وجه التحديد جهود قطاع التكنولوجيا لمكافحة انتشار المعلومات المضللة خلال جائحة كورونا. وفي تقويم تنفيذ المدونة، يتمحور التحليل حول التقدم الذي أحرزه وادي السيليكون، أو غيابه، في عدة محاور أساسية. أولا، في الحد من انتشار المعلومات الكاذبة عبر الإعلانات على الإنترنت. ثانيا، في تعزيز شفافية الإعلانات السياسية ووسم الرسائل السياسية المليئة بالأكاذيب. ثالثا، في اتخاذ الإجراءات اللازمة للإفصاح عن البيانات المتعلقة بالجهات الفاعلة الخبيثة التي تعتمد تكتيكات لتعزيز انتشار المعلومات المضللة. رابعا، في إنشاء آليات موازية لتزويد المستخدمين بالبدائل عن موارد المعلومات المعروفة بعدم الدقة. خامسا وأخيرا، في التعامل مع مدققي الحقائق والباحثين المستقلين لتحديد صحة المحتوى وتحسين التثقيف الإعلامي للمستخدمين.
وعند تقويم التقدم المحرز فيما يتعلق بهذه المجالات الخمسة، تظهر الوثيقة 180 تفاوتا بيّنا، فهي تشير من جهة إلى أن المدونة قد دفعت إلى اتخاذ إجراءات ملموسة وتغييرات في السياسات من جانب أصحاب المصلحة المعنيين بهدف التصدي للمعلومات المضللة. وعلى العكس من ذلك، يقدم التقرير تفاصيل عن الخطوات الضرورية التي يتعين اتخاذها لتحقيق مزيد من التقدم. فعلى سبيل المثال، تلاحظ الوثيقة أن غياب المبادئ التشغيلية والإجراءات المشتركة، وغياب المقاييس الشفافة لتحديد التداعيات، وغياب التعريفات المشتركة، وعدم العمل بشكل استباقي مع قطاع الإعلان، أدى إلى غياب الاتساق في اعتماد مبادئ المدونة الرئيسة. كما أعرب تقرير المفوضية الأوروبية عن أسفه لعجزه عن الوصول إلى بيانات أساسية مما جعل التقويم الشامل لأثر المدونة شبه مستحيل.
وعلى الرغم من هذه التحديات الهيكلية، فقد كان تقويم المفوضية الأوروبية في 10 أيلول / سبتمبر لجهود قطاع التكنولوجيا لمكافحة التضليل الإعلامي المتعلق بكورونا إيجابيا. وعلى وجه التحديد، أكدت المفوضية الأوروبية على أن منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة قد أدخلت تحسينات هامة، فقد جعلت المعلومات المقدمة من منظمة الصحة العالمية أو غيرها من المنظمات الصحية الحكومية التي لا تروج لمعلومات كاذبة في الصدارة. كما فصّل الاتحاد الأوروبي الجهود الاستباقية لإزالة المعلومات الخاطئة والمضللة المتعلقة بـكورونا والتي كانت ضارة بشكل خاص خلال الفترات الأولى من الوباء. وقد أشير إلى نجاح جهود شركة غوغل المبذولة لضمان أن نتائج عمليات البحث عن كورونا ستخرج على نحو تتقدم فيه المعلومات الصادرة عن مصادر ذات سمعة طيبة تحققت منها المنظمات المعتمدة من الاتحاد الأوروبي. وتجدر الإشارة أيضا إلى حماس المفوضية الأوروبية تجاه ما قامت به فيسبوك وإنستغرام من إنشاء مراكز معلومات عن وباء كورونا توجّه نحوا من ملياري شخص على مستوى العالم إلى الهيئات الصحية ذات المصداقية والتي تقدم توجيهات غير متحيزة تتعلق بفيروس كورونا المستجد.
إن التقويم المنهجي الذي تقوم به المفوضية الأوروبية لمجال التضليل من خلال دراسة تفاعل شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع قانون 2018 هو تقويم جدير بالثناء. وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الولايات المتحدة بشدة إلى تقويم أداء الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. وفي حين أن الولايات المتحدة تستطيع الاستفادة كما حصل بالفعل بشكل غير مباشر من نهج الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة، فإن نفوذ أوروبا على الكيانات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها لا يزال محدودا. وفي حين أن الكونغرس والسلطة التنفيذية سيحسنان الصنع إذا ما طالبا بالتحليل الموضوعي لتأثير انتشار المعلومات المضللة داخل المجتمعات الأمريكية كما فعل الاتحاد الأوروبي، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك إذا كان القادة السياسيون الرئيسيون أنفسهم يستخدمون الأخبار المزيفة أداة ضغط ضد الأعداء السياسيين. وهكذا، ستظل الشركات المفتاح الرئيس لتولي زمام هذه التحديات من خلال تنفيذ مبادئها التوجيهية أو معايير الثقة أو السلامة الخاصة بها. إن قرارات الأسبوع الماضي التي اتخذتها منصتا تويتر وفيسبوك بشكل شبه تزامني حول الإجراءات الرامية إلى إقصاء الجماعة المتطرفة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والمعروفة باسم المحافظين على الميثاق من منصاتها بسبب التحريض على العنف ونشر المعلومات المضللة حول وباء كورونا تجسد قدرة وادي السيليكون على العمل، وإن لم يكن ذلك في كثير من الأحيان بالحيطة اللازمة. ويبرز تحد آخر يواجه شركات التواصل الاجتماعي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها وهو انتشار المعلومات المضللة المتعلقة بحرائق الغابات في شمال غرب المحيط الهادئ. فقد انتشرت معلومات كاذبة عبر منصات متعددة تفيد بأن محتجي حركة أنتيفا وحركة «حياة السود معتبرة» يشعلون الحرائق عمدا مما دفع عددا من المسلحين إلى النزول إلى الشوارع لمكافحة مفتعلي الحرائق المتوهّمين. وفي حين أن مدققي الحقائق المستقلين قد حددوا المعلومات المضللة المتعلقة بحرائق الغابات، فشلت منصتا فيسبوك وتويتر في إزالة المحتوى الزائف قبل أن ينتشر إلى مئات الآلاف من المستخدمين. وفي حين أن اعتماد مدونة موحدة للممارسات المتعلقة بالمعلومات المضللة على نحو ما فعلت أوروبا قد لا يوفر حلا سحريا لانتشار المعلومات الكاذبة، إلا أنه قد يساعد في إبطاء الانتشار. ويمكن أيضا، وعلى نحو بديل، أن توسّع شركات التواصل الاجتماعي آليات التحقق المحلي من الحقائق. وفي الحالات التي تتناول مواجهة تحدي حرائق الغابات في الساحل الغربي مثلا، فقد يعد توكيل الخبراء المحليين الحل الأنسب لتقديم المشورة على أرض الواقع. ففي نهاية الأمر، تعجز وثائق المفوضية الأوروبية التي تعالج التضليل ويعجز مدققو الحقائق الذين يتخذون من أوروبا مقرا لهم عن مواجهة التضليل الإعلامي إذا اتّسم بالطابع المحلي بدرجة عالية.