أوّل الكلام آخره:
- في الفترة التي سبقت الأزمة الحالية مع أوكرانيا، واصلت روسيا التلاعب بالمعلومات وبث الحملات الإعلامية المضللة، وجعلت من ذلك جزءا أساسيا من نهجها للتأثير في الرأي العام والتلاعب به، على الصعيدين المحلي والخارجي.
- لقد غمرت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بروسيا الإنترنت بالنقاط التي هي مدار حديث الكرملين والمتعلقة بعضوية الناتو، والذرائع الملفقة لغزو أوكرانيا و«الإبادة الجماعية» في منطقة دونباس، والموضوعات والرسائل المماثلة.
- تردد الروبوتات الروسية والحسابات الوهمية روايات المعلومات المضللة، مما يزيد من انتشار تلك الموضوعات التي من المرجح أن تلقى صدى لدى مجموعة من الجماهير المستهدفة.
- يجب أن يكون الغرب مستعدًا لموجة جديدة من التضليل الإعلامي في الأسابيع والأشهر القادمة، خاصة وأن دول الناتو تستعد لفرض عقوبات على روسيا.
في الفترة التي سبقت الأزمة الحالية مع أوكرانيا، واصلت روسيا التلاعب بالمعلومات وبث الحملات الإعلامية المضللة، وجعلت من ذلك جزءا أساسيا من نهجها للتأثير في الرأي العام والتلاعب به، على الصعيدين المحلي والخارجي. ويتضمن كل جانب من جوانب نهج روسيا في الحرب عنصرا يرتبط بالتضليل الإعلامي، ولا سيما خلال «المرحلة صفر»، والتي يشار إليها أحيانًا باسم «عمليات التشكيل». تُستخدم الهجمات الإلكترونية والدعاية وحرب المعلومات لزرع الفتنة والارتباك بين خصوم روسيا بينما تعمل موسكو للتحضير للعمليات العسكرية والأعمال الحركية الأخرى. وقد فبركت روسيا أيضًا العديد من الوقائع التي يمكن استخدامها ذرائع للغزو خلال الأسابيع القليلة الماضية، على الرغم من أن العديد من المعلقين قد لاحظوا أن تصميم هذه الفبركات كان رديئا للغاية. ومع ذلك، فإن مثل هذه الجهود تربك الجمهور المقصود – فهي قد لا تؤثر على رجال المخابرات الغربيين المزودين بذكاء تكنولوجي مفتوح المصدر، ولكنها بلا شك تثير الخوف والقلق بين المواطنين الروس الذين يشعرون أن مواطنيهم محاصرون من القوات المسلحة الأوكرانية.
وتستهدف روسيا جماهير متعددة في وقت واحد. وفي مقطع فيديو نشره الكرملين لاجتماع قيادة الأمن القومي، شوهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يرهب سيرجي ناريشكين، رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي. يُظهر نشر هذا الفيديو لواحد من أكثر الاجتماعات حساسية رغبة واضحة في التأثير على الشعب الروسي. وقد كان تحالف الناتو أكثر توحدًا مما كان بوتين يتوقعه، وقد يكون الزعيم الروسي قد أخطأ في الحسابات من خلال حشد مثل هذا الحجم الكبير من القوات على حدود أوكرانيا. ولتعزيز صورة القوة والثبات، أصدر الكرملين مقاطع فيديو معدّة لهذه الغاية. وفضلا عن ذلك، أغرقت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الإنترنت بالنقاط التي يدور حولها الحديث الروسي والمتعلقة بعضوية الناتو، والوقائع أو الذرائع المفبركة للغزو، ومحاولات وسائل الإعلام الأمريكية التلاعب المزعوم بالرأي العام وتشويه صورة روسيا، و«الإبادة الجماعية» المزعومة في منطقة دونباس. تُستخدم هذه الرواية الأخيرة على وجه الخصوص لتقديم مسوغات للتوغل الروسي في دونيتسك ولوهانسك، فضلًا عن اعتراف بوتين بهذه الأراضي كيانات مستقلة.
ويصور بوتين نفسه على أنه مدافع عن الأرثوذكسية الروسية ومهتم بالثقافة الروسية الدينية والقومية التقليدية وسردياتها. وفي المقابل، تلتقط العديد من هذه السرديات وسائل الإعلام البارزة والشخصيات السياسية في الغرب. وفي أفضل السيناريوهات بالنسبة لروسيا، تقوم الشخصيات المؤثرة للغاية في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى، إما عن قصد أو عن غير قصد، بتبني المعلومات المضللة الروسية وترويجها. هذا النهج في عمليات المنطقة الرمادية يكلف موسكو القليل، مع توفير فوائد كبيرة في كثير من الأحيان وتعزيز أجندة الكرملين، حيث يعمل مكملا لاستراتيجية حرب مختلطة قوية. كما تردد الروبوتات الروسية والحسابات الوهمية هذه السرديات، مما يزيد من انتشار تلك الموضوعات التي من المرجح أن تلقى صدى لدى مجموعة من الجماهير المستهدفة. ومن المثير للاهتمام، أن العديد من السرديات الدينية والثقافية المذكورة في خطاب بوتين هذا الأسبوع تطرحها أيضًا مجموعات مثل الحركة الإمبراطورية الروسية. وقد يؤدي هذا إلى تقريب المتطرفين اليمينيين من عناصر داخل الحكومة الروسية.
في الأسبوع الماضي فقط، كشفت وكالة أسوشيتد برس أن مسؤولي المخابرات الأمريكية اتهموا موقعًا إخباريًا ماليًا محافظًا، Zero Hedge، بالترويج للدعاية الروسية والمعلومات المضللة. كما فُضحت أيضا العديد من وسائل الإعلام الأخرى التي أنشأتها روسيا ولها صلات قوية بالاستخبارات الروسية. ويجب أن يكون الغرب، والدول الأوروبية على وجه الخصوص، على استعداد لموجة جديدة من المعلومات الخاطئة والتضليل الإعلامي في الأسابيع والأشهر المقبلة، خاصة مع تحرك دول الناتو لفرض عقوبات على روسيا. وقد استهدفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة العديد من البنوك الروسية بالعقوبات، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتز تعليق التصديق على خط أنابيب نورد ستريم (التيار الشمالي) 2. إن وزراء الحكومة وصناع السياسات والمسؤولين العسكريين أكثر وعيًا بعمليات التضليل الروسية اليوم مما كان عليه الحال في عام 2014، عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم واحتلتها. ومع ذلك، فلا يزال التحدي الرئيسي للبلدان هو تلقيح مواطنيها ضد سيل لا هوادة فيه من الأكاذيب والدعاية والمعلومات المضللة أو المتلاعب بها.