أوّل الكلام آخره:
- وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل لتنال رضى الولايات المتحدة، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني / نوفمبر 2020.
- لا قيمة تذكر لموافقة إسرائيل على تعليق ضم مناطق من الضفة الغربية، لأن القرار توقف بسبب المعارضة الأمريكية.
- تقوي هذه الخطوة نفوذ إسرائيل والإمارات ضد إيران، وتظن الإمارات أن من شأن هذه الخطوة أن توفر لها نفوذا إضافيا ضد قطر المجاورة.
- تعكس قدرة القيادة الإماراتية على قبول الاتفاق الغياب النسبي للمعارضة الداخلية.
يعكس البيان المشترك الصادر في 13 آب / أغسطس عن إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، والذي يعلن عن تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، تتويجا لتاريخ من العلاقات الإماراتية الإسرائيلية المتنامية وتقاربا في التصورات حول التهديد الإقليمي المتنامي الذي تشكله إيران. وتعد مواجهة إيران الدافع الظاهر للاتفاقية، ولكن القيادة الإماراتية كانت قد طالبت تنازلا إسرائيليا للشعب الفلسطيني يتمثّل بالتزام علني بالامتناع عن المضي قدما في عملية ضم 30 % من الضفة الغربية والتي كان قد خطط لها مسبقا. ومع ذلك، لم يكن لهذا التنازل قيمة فعلية تذكر لأن إسرائيل قد أوقفت خطة الضم نتيجة معارضة إدارة ترامب. وفي حين أكد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان أن هذا الاتفاق يوقف عملية الضم، إلا أن البيان المشترك الثلاثي لم يُلزم إسرائيل إلا بـ «تعليق» هذه الخطوة. ولم ينظر الشعب الفلسطيني إلى الخطوة الإماراتية على أنها دفاع عن الأهداف السياسية الفلسطينية التاريخية، بل على أنها إلغاء للإجماع الذي قادته السعودية منذ عقدين من الزمن والقائم على أن التطبيع العربي مع إسرائيل يتوقف على التسوية الإسرائيلية الفلسطينية.
يكمن الهدف الرئيس لموافقة القيادة الإماراتية على التطبيع مع إسرائيل الاستفادة من علاقاتها مع الولايات المتحدة. ففي حال إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، تأمل الإمارات العربية المتحدة أن يُنظر إليها على أنها حليف رئيس ساعد ترامب على إكمال مسيرته لولاية ثانية. أما في حال خسارته، فتحاول الإمارات تقديم أوراق اعتمادها لدى إدارة بايدن من خلال مساهمتها في تعزيز أمن إسرائيل ومساعدة الولايات المتحدة على احتواء إيران. وتهدف هذه الخطوة إلى كسب الرضى الأمريكي لتستطيع الإمارات من خلاله طلب شراء الطائرات المقاتلة الأمريكية المتطورة من طراز F-35 والطائرات المسلحة المسيرة التي كانت تستوردها من الصين وموردين آخرين. وفضلا عن ذلك، يؤمن قادة الإمارات أن هذه الخطوة ستساعدهم على الحصول على دعم الولايات المتحدة لإجبار قطر على تقديم تنازلات دراماتيكية مقابل رفع الحصار الذي تفرضه على الأجواء والمعابر البرية القطرية منذ ثلاث سنوات. وورد أن إدارة ترامب شعرت بالإحباط من تعنت الإمارات العربية المتحدة في الموافقة على المقترحات الأمريكية لإنهاء هذا الخلاف داخل الخليج.
من المفترض أن يمثل التطبيع الإماراتي الإسرائيلي رسالة قوية ضد إيران و«محور المقاومة» الإقليمي. ولا يقتصر هذا المحور على إيران وترسانتها الكبيرة من الصواريخ والأسلحة غير التقليدية، بل يشمل مجموعة واسعة من الحلفاء في المنطقة تزودهم إيران بصواريخ على اختلاف أنواعها، كما أن إمكانية أن تطور إيران سلاحا نوويا هي فكرة متداولة. وتضرب إسرائيل الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، وعلى نحو أقل في لبنان والعراق، لمنع إيران من تهديد الأراضي الإسرائيلية. وفي عام 2019، هاجمت القوات الإيرانية ناقلات نفط إماراتية في الخليج الفارسي، وشاركت الإمارات في التحالف الذي تقوده السعودية والذي يهدف إلى محاربة حركة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن. وفي أيلول / سبتمبر 2019، نظرت الإمارات إلى الهجوم الصاروخي الإيراني على البنى التحتية النفطية السعودية على أنه يشكل تهديدا محتملا لأراضيها. وتزامن إعلان التطبيع مع رفض مجلس الأمن مشروع قرار أمريكي لتمديد حظر السلاح المفروض على إيران، مما يسمح لها بإعادة التسلح بأسلحة تقليدية تزيد من شأن تهديدها لكل من إسرائيل والإمارات. وإدراكا من المتشددين في طهران بأن التطبيع بين إسرائيل والإمارات كان موجها ضدها، حتى لو بصورة اسمية، فقد هددوا بأن الإمارات العربية المتحدة، ببيعها للشعب الفلسطيني، أصبحت عرضة لهجمات إيران وحلفائها.
وتحظى القيادة الإماراتية بدعم شعبي كاف يسمح لها باتخاذ هذه الخطوة، على الرغم من أنها عمدت إلى إرغام أي مواطن معارض على الصمت، فجميع وسائل التواصل الاجتماعي تحت مراقبة الحكومة التي ترفض أي شكل من أشكال المعارضة مهما كانت بسيطة. وفي عام 2015، افتتحت إسرائيل مكتبا في أبوظبي لتسهيل المشاركة في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا). ومنذ ذلك الحين، بدأت شخصيات إسرائيلية من وزراء، ومنهم وزير الخارجية، ومسؤولين أمنيين ورياضيين وأخصائيين طبيين وغيرهم بزيارة الإمارات بصورة منتظمة. كما قمعت الدولة أي تمظهر لأي عداء شعبي مترسخ تجاه إسرائيل من شأنه أن يعقد التطبيع، فالإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ليس بينهما نزاعات إقليمية ولم تشارك القوات الإماراتية في أي حرب ضد إسرائيل. وهذا يتناقض بشكل حاد مع مصر والأردن، الدولتين العربيتين اللتين كانتا الوحيدتين اللتين وقعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل. ولكن في النهاية، قد تكون الصفقة أخذت حيزا أكبر من قيمتها الحقيقية، فهي ليست إلا تصديقا رسميا على شراكة كانت «تحت الطاولة»، مما يترك تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت هذه دبلوماسية فاعلة أم مجرد حملة علاقات عامة.