أوّل الكلام آخره:
- أثار بعض كبار المسؤولين المرتبطين بحزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي توترات مع شركاء الهند التجاريين الرئيسيين بعد سلسلة من التعليقات المهينة حول الإسلام.
- تعزز التعليقات التصورات القائلة بأن حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يتزعمه مودي معاد للمسلمين ويعمل على زيادة التوترات القائمة بين الطوائف الدينية.
- قد تؤدي ردود فعل عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى انتكاسة في جهود الهند لتوسيع علاقاتها بالخليج العربي والمنطقة.
- قد يؤدي ذلك كله إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الهند، بما في ذلك تلك الناتجة عن اعتمادها على واردات الطاقة والتحويلات المالية.
في 25 أيار (مايو)، أدلت نوبور شارما، المتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتعليقات أثارت غضب المسلمين في الهند والمنطقة. وقد شعر كثير من المسلمين في الهند وخارجها بإهانة شديدة، وقام حزب بهاراتيا جاناتا بإيقاف شارما من الحزب. كما أوقف رئيس الوحدة الإعلامية في دلهي التابعة للحزب، نافين كومار جندال، لمشاركته في تغريدة لقطة شاشة لتعليقها المسيء، مما أدى إلى انتشاره أكثر. وقد احتج المسلمون محليا على التعليقات، مشيرين إلى أن تأكيدات قادة حزب بهاراتيا جاناتا بأن التعليقات لا تمثل سوى وجهات نظر «هامشية» داخل الحزب لا تقنعهم، ولا سيما في ضوء التوترات الطائفية المتزايدة في البلاد. ويرى العديد من المراقبين والقادة السياسيين بأن التعليقات تعكس بالفعل الأيديولوجية القومية الهندوسية المعادية للمسلمين بطبيعتها، والتي انعكست في التصورات السائدة بأن حكومة رئيس الوزراء مودي تسعى إلى تهميش الأقلية المسلمة في الهند.
وعلى الرغم من احتواء الاضطرابات داخل الهند إلى حد كبير، إلا أن ردود الفعل على التعليقات من العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة تحمل في طياتها عواقب وخيمة وطويلة الأمد على سياسة الهند الخارجية واقتصادها. كما أن المنظمات المتطرفة بادرت بدورها إلى الرد؛ ففي 8 حزيران (يونيو)، أصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بيانًا يدين التصريحات – محذرا من أن مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا المطرودين «لن يجدا ملاذًا آمنا لهما». ومع ذلك، لم تحدث أي هجمات إرهابية أو اغتيالات مرتبطة بهذا التوتر الجديد في الهند حتى الآن، مما يشير إلى أن تنظيم القاعدة ربما كان يسعى لتوظيف الحادث لاستقطاب أتباع جدد وأنه غير مهتم بالضرورة بالرد المباشر على التعليقات المسيئة.
وتمثل الردود الدولية على الملاحظات انتكاسة مادية – وإن كانت مؤقتة على الأرجح – لجهود الهند لتوسيع حضورها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي في المنطقة. وقد طالبت العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة – بما في ذلك جميع دول مجلس التعاون الخليجي (قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان والبحرين) وإندونيسيا وماليزيا وليبيا والعراق وباكستان وإيران وأفغانستان – نيودلهي باعتذار رسمي واستدعت كثير من الدول دبلوماسيين هنودا للاحتجاج على التصريحات التي أطلقت في سياق المناظرة التلفزيونية. وقالت منظمة التعاون الإسلامي المؤلفة من 57 دولة – والتي تضم جميع جيران الهند من ذوي الأغلبية المسلمة – في بيان إن الإهانات جاءت في سياق جو متزايد من الكراهية تجاه الإسلام في الهند والمضايقات المنهجية للمسلمين. وقد هددت كل هذه التوبيخات بنبذ مودي، الذي كان زائرًا منتظمًا لمنطقة الخليج العربي منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، وقد عمل على توسيع علاقات الهند مع الخليج، جزئيًا لمواجهة الصين الصاعدة، وكذلك لموازنة العلاقات الطويلة الأمد بين دول الخليج وإسلام أباد – التي تعد المنافس التاريخي لنيودلهي. وكان توبيخ الإمارات العربية المتحدة مهمًا بشكل خاص، ولا سيما في ضوء حضور رئيس الوزراء مودي حفل وضع حجر الأساس لأول معبد هندوسي في أبو ظبي في عام 2018، والذي نُظر إليه في ذلك الوقت على أنه مثال صارخ على العلاقات المتنامية بين الهند والمنطقة. وقد تحسنت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية؛ وكل من الإمارات العربية المتحدة والهند عضوان حاليًا في مجلس الأمن وقد طورتا علاقة عمل قوية.
ويهدد الخلاف أيضًا بإلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد الهندي المترنح بالفعل من الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء الناتج عن غزو روسيا لأوكرانيا. وتعد الهند ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وهي تحصل على 65 % من نفطها الخام من دول الشرق الأوسط. كما أنها عميل رئيسي لصادرات الغاز الطبيعي في الخليج. وقد سعت نيودلهي، إلى جانب الولايات المتحدة، إلى إقناع مصدري الطاقة الخليجيين – وعلى وجه الخصوص، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – بزيادة الإنتاج لمواجهة ارتفاع الأسعار. وفي الوقت نفسه، استغلت الهند العقوبات المفروضة ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، لشراء النفط الروسي بخصم كبير. وفضلا عن ذلك، يعمل ملايين الهنود في منطقة الخليج، ويرسلون إلى أوطانهم مليارات الدولارات في شكل تحويلات مالية كل عام. وتمثل الإمارات العربية المتحدة وحدها، حيث يعيش حوالي 3.5 مليون هندي، 33 % من التحويلات إلى الهند، بأكثر من 20 مليار دولار في السنة. إن تحرك أي دولة خليجية لطرد العمال الهنود المغتربين بسبب إهانات قيادة حزب بهاراتيا جاناتا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من تدفق الإيرادات هذا.
كما أن التجارة أيضا في خطر. وقد بلغت تجارة الهند مع جميع دول الخليج في مجلس التعاون الخليجي 87 مليار دولار في 2020-2021، وتأمل الهند في توسيع هذا الحجم بشكل كبير. وقد وقعت الهند بالفعل اتفاقية للتجارة الحرة مع الإمارات العربية المتحدة وتجري محادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل صفقة أوسع. وقد اختارت الإمارات العربية المتحدة الهند من بين سبع دول أخرى شريكا اقتصاديا لها في المستقبل. وقد يكون كل التقدم الذي حققته الهند في التجارة مع دول الخليج في خطر الآن بسبب تعليقات مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا: فقد قامت بعض المتاجر في الكويت وبعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بإزالة المنتجات الهندية من أرففها بعد دعوات مماثلة للمقاطعة. على أن تشكك دول الخليج ودول الشرق الأوسط الأخرى بالتزام الولايات المتحدة بالمنطقة، وتعرضها لضغوط لمعاقبة روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، سيحتم أن تظل الهند شريكًا استراتيجيًا ضروريًا للمنطقة. ولذلك فإن المسوغ الاستراتيجي لتوسيع العلاقات مع الهند يزيد من احتمالية تلاشي الخلاف حول تعليقات حزب بهاراتيا جاناتا خلال الأسابيع المقبلة، على الرغم من أنه قد يستمر في تلوين التوترات المتصاعدة بالفعل بين الطوائف الدينية داخل الهند.