أوّل الكلام آخره:
- خلال الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الأمن الوطني في أمريكا تقريرها الافتتاحي لتقويم التهديدات الداخلية.
- يؤكد التقرير على أن روسيا والصين تستغلان شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للإضرار بالأمن القومي الأمريكي.
- تشكل جماعات العنصريّين البيض والنازيّين الجدد التهديد الأكبر القادم من الجهات غير الحكومية على أرض الولايات المتحدة، إلى جانب المتطرفين اليمينيين الآخرين.
- تقدر وزارة الأمن الوطني أن تنظيمي داعش والقاعدة يطمحان إلى شن هجمات على البلاد، لكن قدرتهما على ذلك قد تضاءلت على نحو ملحوظ.
خلال الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الأمن الوطني في أمريكا أول تقويم للتهديدات الداخلية شمل التهديدات التي تتعرض لها البلاد على صعيد المجالات السبعة وهي الإنترنت، والنفوذ الأجنبي، والأمن الاقتصادي، والإرهاب، والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، والهجرة غير الشرعية، والكوارث الطبيعية. ويعد تقويم التهديدات الداخلية في الأعم الأغلب دراسة موضوعية وغير متحزبة لنطاق التهديدات القائمة والمحتملة وقد بني اعتمادا على جميع مصادر المعلومات المتاحة. ولعل الجزء الأكثر تسييسا في التقرير هو القسم المتعلق بالهجرة غير الشرعية، فالتقرير لا يوضح كيف تستغل الجهات المهدّدة للأمن الداخلي هجرات المهاجرين. كما أن التقرير لا يقدم أي تفاصيل عن التهديد الذي تشكله الهجرة غير الشرعية على الأمريكيين. وقد ظهر مصدر آخر للتوتر السياسي في الفترة التي سبقت تقرير تقويم التهديدات الوطنية، عندما سرب أحد كبار المسؤولين في وزارة الأمن الوطني أن رؤساءه يمنعون نشر التقرير لأن الإشارة إلى جماعات العنصريين البيض قد تغضب الرئيس ترامب. ومع ذلك، يوضح تقويم التهديدات الداخلية أن المتطرفين من هذه الجماعات يشكلون تهديدا دائما للأمن القومي. ويشير التقويم إلى «التطرف العنيف المناهض للدولة والسلطة»، ولكنه لا يشير إلى الميليشيات المسلحة بالاسم، وهي خطر واضح وقائم وتشكل تهديدا قد يتحول إلى عمليات إرهابية، ولا أدل على ذلك من المؤامرة الأخيرة لخطف حاكمة ميشيغان، غريتشن ويتمر.
ويسلط التقرير الضوء على النشاطات الخطيرة التي تعزى إلى روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية. ووفقا لتقويم التهديدات الوطنية، فإن القدرات الإلكترونية المتطورة في روسيا والصين تشكل تهديدا للبنية التحتية الحيوية الأمريكية. وسوف تستمر العمليات الإلكترونية في الصين في التركيز على المصالح التجارية الأمريكية، وخاصة تلك التي لها علاقة بالدفاع والتصنيع. كما يقدر التقرير أن الصين وروسيا ستواصلان المشاركة في حملات النفوذ الأجنبي الرامية إلى إضعاف الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، تقدر وزارة الأمن الوطني أن «روسيا هي الفاعل الرئيس المحتمل للتأثير السري ونشر المعلومات المضللة داخل الوطن». ولا يزال نظام بوتين يعمل على إحداث الفوضى في سعيه لتقويض الثقة الأمريكية في المؤسسات، وقد وفر وباء كورونا للاتحاد الروسي الفرصة لتضخيم شعور الارتياب تجاه المؤسسات الحكومية. كما يلقي التقرير باللوم على الصين لتسخيرها وسائل التواصل الاجتماعي لخلق روايات كاذبة حول نشأة وباء كورونا. ومن ناحية أخرى، حاولت جهات إيرانية نشر معلومات مضللة بشأن وباء كورونا على الإنترنت ملقية باللوم تحديدا على الولايات المتحدة في ابتكار الفيروس وجعله سلاحا. وقد ذكرت كوريا الشمالية في التقرير ثلاث مرات فقط، ويدور تهديدها للولايات المتحدة حول نشاطها الإجرامي المرتبط بالفضاء الإلكتروني. وأخيرا، يؤكد التقرير أن كلا من روسيا والصين لا تزالان منخرطتين في استخدام أدوات سرية وعلنية للتأثير في الناخبين الأمريكيين في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني / نوفمبر. وفي حين أن التقويم لم يصرح بوضوح بدعم روسيا للرئيس ترامب، إلا أنه ذكر أن «روسيا تستخدم تدابير تقسيمية لتعطيل العملية الانتخابية، بما في ذلك تشويه سمعة نائب الرئيس السابق بايدن».
ويوضح التقرير أن أهم تهديد فاعل غير حكومي للولايات المتحدة مصدره جماعات العنصريين البيض، التي تواصل استهداف الأقليات العرقية والدينية وكذلك المثليين والمختلفين جنسيا، وأنصار التعددية الثقافية، والسياسيين أصحاب الميول اليسارية. كما يحتوي التقويم على جدول بالهجمات الإرهابية التي شكلت تهديدا للأرواح في الولايات المتحدة بين عامي 2018 و2019. ووفقا لهذه الإحصاءات، فقد نفذت جماعات العنصريين البيض هجمات وقتلت أشخاصا أكثر مما فعله سائر المتطرفين العنيفين المحليين من كافة الأطياف. ويوضح التقويم أن جماعات العنصريين البيض والجماعات اليمينية المناهضة للدولة قد انتهزت فرصة وباء كورونا والمظاهرات السلمية واستخدموها غطاء للتآمر أو تنفيذ الهجمات المميتة. ومع ذلك، فإن افتقار التقرير إلى تحديد أسماء الجماعات والحركات المعادية للدولة وجماعات العنصريين البيض التي تشكل خطرا أمر إشكالي بلا شك.
وأخيرا، يقدر التقرير أنه في حين تطمح المنظمات الإرهابية الأجنبية إلى مهاجمة الولايات المتحدة، فإن قدرتها على القيام بذلك لا تزال مقيدة. وبدلا من ذلك، ستسعى جماعات مثل تنظيم داعش إلى نشر دعايتها بين المواطنين الأمريكيين وزراعة المتطرفين العنيفين المحليين بينهم. ولا تزال قدرة هذه الجماعات على الوصول إلى الناس عبر الإنترنت، ولا سيما تنظيم داعش، مصدر قلق لأن حملته الدعائية لا تزال قادرة على الوصول إلى المواطنين الأمريكيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من المنصات. ومن المثير للاهتمام أن التقويم قد سلط الضوء على حزب الله اللبناني، المصنف ثالث منظمة إرهابية أجنبية، بوصفه المجموعة التي قد تشن إيران من خلالها هجوما على الولايات المتحدة في حال تدهورت العلاقات الأمريكية الإيرانية أكثر. وبالمجمل، يوضح التقويم أن المنظمات الإرهابية الأجنبية تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في الخارج أكثر من كونها تهديدا داخليا. وفي حين أن التقويم يتضمن أسماء المنظمات الإرهابية الأجنبية مثل داعش والقاعدة، فضلا عن العديد من المنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، إلا أنها لا تذكر فرقة أتوموافين، و«بوغالو بويز» و«براود بويز» أو تنظيم كيو رغم أن الأفراد المرتبطين بهذه الجماعات والحركات قد قتلوا أمريكيين بالفعل. ومن الجيد أن يكون الإصدار القادم للتقويم أكثر وضوحا فيما يتعلق بأنشطة هذه الجماعات، وينبغي أن يطلب الكونغرس من وزارة الأمن الوطني أن تقوّم علنا التهديد الذي تشكله هذه الجماعات.