أوّل الكلام آخره:
- في أواخر نيسان / أبريل، أعلن الانفصاليون المدعومون من الإمارات الإدارة الذاتية لجنوب اليمن، وهذا بلا شكّ سيؤدي إلى مزيد من التصدّعات في التحالف السعودي ويكشف عن تباين المصالح بين الرياض وأبو ظبي.
- تنبع إجراءات المجلس الانتقالي الجنوبي جزئيا من التأجيل المستمر لتنفيذ وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في أوائل نيسان / أبريل.
- حتى لو لم تشر التطورات الأخيرة إلى تفكّك رسمي لعرى التحالف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنها توحي برفض أبو ظبي تسليم جميع أوراقها للرياض، ولا سيّما إذا تعلّق الأمر بالسياسة الخارجية والأمنية.
- كان التوقيت مثيرا نظرا إلى تزامنه مع إعلان زعيم الحرب الليبيّ خليفة حفتر المدعوم من الإمارات نفسه حاكما لليبيا، وقيامه بحل البرلمان، منهيا بذلك مفاعيل اتفاق الصخيرات عام 2015.
قبل نهاية نيسان / أبريل، أعلن الانفصاليون في جنوب اليمن حالة الطوارئ ومرسوم الإدارة الذاتية، في انتهاك صارخ لاتفاق السلام الذي توصلوا إليه في تشرين الثاني / نوفمبر 2019 في العاصمة السعودية الرياض. وكان هذا الاتفاق قد صاغ خارطة طريق لتقاسم السلطة بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير أنّه بقي في أغلبه خارج حيّز التنفيذ. ومنذ تشرين الثاني / نوفمبر، دخل الحلفاء السابقون مرة أخرى في خلافات دائمة، وأدت الصراعات الأخيرة في عدن إلى تبادل الاتّهامات، فكلّ طرف عمد إلى الإلقاء باللوم على الطرف الآخر. وقد اندلعت اشتباكات عنيفة الأسبوع الماضي في جزيرة سقطرى بين قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وأخرى موالية لحكومة هادي. وقد قام المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتخذ من مدينة عدن الساحلية مقرا له والمدعوم من الإمارات العربية المتحدة، بالإعلان عن الحكم الذاتيّ بعد إظهاره فشل حكومة هادي.
وأصدرت الحكومة اليمنية، المدعومة من المملكة العربية السعودية، بيانا أعلنت فيه أن تداعيات إعلان الإدارة الذاتية «خطيرة وكارثية»، كما أبدت الإمارات العربية المتحدة معارضتها الإعلان، على الأقل شفهيا، وحثت الانفصاليين على احترام اتفاق تقاسم السلطة. ولكن قلة من المحللين يعتقدون أنه من الممكن أن يتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي مثل هذه الخطوة الاستفزازية من دون موافقة أبو ظبي الضمنية على الأقل. ففي نهاية الأمر، يتّخذ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، الذي وقّع البيان، أبو ظبي مقرّا له، وقد ألقى بعض خطاباته من العاصمة الإماراتية في الماضي. وكان الإماراتيون قد انتابهم شعور بالقلق إزاء السماح للعناصر الإسلامية، بما في ذلك محازبو حزب الإصلاح، باكتساب بعض النفوذ في الحكومة اليمنية. ويشير الانقسام إلى تصدّع أوسع نطاقا في العلاقة السعودية الإماراتية. وكانت الإمارات قد سحبت جزءا كبيرا من قواتها العام الماضي، مما يشير إلى فقدها الثقة في قدرة الرياض على تحقيق الاستقرار في اليمن. أمّا قرار المجلس الانتقالي الحالي فقد كان توقيته مثيرا نظرا إلى تزامنه مع إعلان زعيم الحرب الليبيّ خليفة حفتر المدعوم من الإمارات نفسه حاكما لليبيا، وقيامه بحل البرلمان، منهيا بذلك مفاعيل اتفاق الصخيرات عام 2015.
وتنبع إجراءات المجلس الانتقالي الجنوبي جزئيا من التأجيل المستمر لتنفيذ وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في أوائل نيسان / أبريل. ومع ذلك، لم تمنح الهدنة البلاد راحة تذكر، ويعتقد بعض المراقبين أن قرار السعوديين لم يكن إلا حيلة نظرا إلى أن المملكة العربية السعودية تعيش فترة قلقة نتيجة المخاوف الاقتصادية الداخلية الناجمة عن حرب أسعار النفط مع روسيا، فضلا عن حاجتها للتعامل مع جائحة كورونا المنتشرة في المملكة. ومن المتوقع أن يدمر هذا الوباء اليمن أيضا، وهو أفقر بلد في الشرق الأوسط. فمنذ البداية، صنّفت الحرب التي أساء السعوديون إدارتها في اليمن كارثية. وعلينا أن نتذكّر أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد تباهى سنة 2015 بأن حربه ستضع أوزارها في غضون أسابيع. وقد دمّر النزاع البنية التحتية في اليمن وأسهم في انتشار الفقر والمجاعة والمرض وزاد من ضعف الدولة. ولهذا التاريخ، بلغت حصيلة القتلى في الصراع أكثر من مئة ألف شخص، معظمهم من المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال. وقد عجزت الرياض، على الرغم من هيمنة قواتها الجوية والميزانية العسكرية الضخمة، عن الخروج من المأزق في اليمن، وما زالت تقاتل من أجل مواجهة الجهد العسكري لأنصار الله (الحوثيين) في جميع أنحاء البلاد.
وحتى لو لم تشر التطورات الأخيرة إلى تفكّك رسمي لعرى التحالف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنها توحي برفض أبو ظبي تسليم جميع أوراقها للرياض، ولا سيّما إذا تعلّق الأمر بالسياسة الخارجية والأمنية. وهذا يشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى المزيد من الاستقلاليّة في اتّخاذ قراراتها وإلى تحقيق أهدافها الخاصّة المحددة، حتى لو كان ذلك على حساب زيادة الاحتكاك مع المملكة، في الوقت الذي يسعى فيه البلدان إلى تجاوز النزاعات في اليمن وليبيا للخروج بصورة لجبهة موحدة ضد النفوذ الإقليمي الإيراني المتنامي. وفي ظل إدارتي الرئيس أوباما والرئيس الحالي ترامب، اكتفت الولايات المتحدة بإحالة المسائل لحلفائها في الشرق الأوسط، مما شجع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على الاستمرار في النموذج الزبائني الريعي في الحكم، وتوسيع نطاقه بكسب الولاءات خارج الحدود وخوض الحروب بالواسطة. وقد أسهم ذلك كله بإطالة أمد الحروب الأهلية في المنطقة وزعزعة جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.