أوّل الكلام آخره:
- تحتاج القوات المسلحة اللبنانية إلى مساعدة ملحة وطارئة للحفاظ على استمراريتها ومنع انهيارها الكلي.
- يبلغ متوسط الراتب الشهري للجندي 80 دولارا فقط، مما دفع بعض الجنود إلى التخلي عن وظائفهم وسط تدهور الروح المعنوية داخل الجيش.
- في بلد يعاني من انقسامات شديدة، غالبا ما ينظر إلى الجيش اللبناني على أنه قوة استقرار وعنصر أساسي للحد من قوة حزب الله.
- إن الخلل السياسي، والضيق الاقتصادي، والقيود المفروضة جراء كورونا، وحركات الاحتجاج، كلها عناصر تجعل الحياة اليومية حبلى بالمفاجآت.
تحتاج القوات المسلحة اللبنانية إلى مساعدة ملحة وطارئة للحفاظ على استمراريتها، مع تحذير بعض المحللين من الانهيار في ظل استمرار صراع البلاد مع الأزمات السياسية والاقتصادية المتصاعدة. وتشمل الضروريات المطلوبة الغذاء والدواء والوقود وقطع الغيار للمركبات التي يستخدمها الجيش. وقد قامت فرنسا بدور فعال في تنظيم المساعدات الخارجية من عدد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين والعديد من الدول الأوروبية ودول الخليج الفارسي. وقد استهدف مؤتمر عقد مؤخرا بالتنسيق مع منسق الأمم المتحدة الخاص لشؤون لبنان المساعدة في تخفيف الضغوط المالية المتعلقة بميزانية الدفاع الوطني في لبنان. وأشار بيان صادر عن وزارة الدفاع الفرنسية إلى أهمية «زيادة الالتزام والتنسيق» بين أطراف المجتمع الدولي لمنع وقوع الكارثة. وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 120 مليون دولار من المساعدات العسكرية للجيش، أي بما يزيد عن 15 مليون دولار عن السنوات السابقة، مع تخصيص أموال للحصول على المركبات والمعدات وصيانتها.
ومن الناحية الاقتصادية، يعاني لبنان من كساد كبير، وهو أحد أعمق حالات الكساد المسجلة في العصر الحديث. ففي عام 2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 20%، وهو ما أعقب انكماشا يقارب 7% العام السابق. أما خلال العام الحالي، فلا تزال التوقعات سيئة للغاية، إذ من المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي من 9 إلى 10 % إضافية. والجدير بالذكر أن الليرة اللبنانية قد فقدت ما يقارب 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. وقد ارتفع التضخم ارتفاعا شديدا مما جعل أكثر من نصف سكان لبنان البالغ عددهم 7ملايين شخص يعيشون اليوم تحت خط الفقر مع انخفاض القوة الشرائية والأجور. وقد كان الحد الأدنى للأجور الشهرية في لبنان 450 دولارا، ولكنه انخفض مع هذه الأزمة إلى 72 دولارا. وقبل الأزمة، كان متوسط الراتب الشهري للجندي حوالي 800 دولار، لكنه انخفض اليوم إلى ما يعادل 80 دولارا فقط، مما دفع بعض الجنود إلى التخلي عن الجيش، واضطر آخرون إلى تولي وظائف إضافية لدعم أسرهم. إن سوء الحكم والفساد المتوطن ونقص الاحتياطيات الأجنبية كلها مؤشرات مثيرة للقلق في بلد وصف بأنه «على حافة الهاوية» خلال العام الماضي. كما أصبح الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب / أغسطس 2020، والذي أطلق عليه البعض اسم «بيروت شيما»، وتداعياته الكارثية على المدنيين في الأحياء المجاورة، رمزا للإهمال الحكومي واليأس الشعبي. وعلى الرغم من أن الأنظار كانت مسلطة على الحكومة بعد زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون، فإن الحكومة لم تبذل سوى القليل من الجهد لمعالجة هذه التداعيات.
وفي بلد يعاني من انقسامات شديدة، كثيرا ما ينظر إلى القوات المسلحة اللبنانية على أنها قوة استقرار وقوة ضرورية لدرء الاضطرابات الواسعة النطاق. وتحتفظ القوات المسلحة اللبنانية بالمسؤولية عن الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب وتأمين الحدود، وهي مهام حاسمة لمنع زعزعة الاستقرار في جميع أنحاء البلاد. ويعد الجيش اللبناني كيانا محايدا شرعيا في نظر العديد من الأحزاب في لبنان، وثقلا موازنا لحزب الله، الميليشيا الشيعية والحزب السياسي، الذي يحافظ على وجود له في جميع أنحاء البلاد بدعم من إيران. وعندما يكون الجيش عاجزا عن توفير الأمن، فإنه بذلك يخلق فرصا لحزب الله، وهي مجموعة صنفتها الولايات المتحدة ودول أخرى منظمة إرهابية، لملء الفراغ الناجم عنه. إن تأدية حزب الله لهذا الدور بنجاح يساعده على كسب الشرعية السياسية والموارد والدعم الشعبي. وتؤدي الثغرات في القدرات إلى إضعاف صورة الحكومة المركزية بما يسهم في إضعاف سيادة القانون بصورة أكبر. ومؤخرا، أظهرت أشرطة فيديو من لبنان اشتباكات مسلحة في محطات الوقود بسبب أزمة الوقود. إن لبنان على حافة الهاوية، وذلك سيؤثر حتما في دول المنطقة المجاورة، فقد ينتشر التوتر خارج حدوده. كما أن الدول الأخرى في المنطقة التي تمتلك مؤشرات اقتصادية مماثلة تراقب الوضع الاقتصادي في لبنان بقلق متزايد.
على أن الجيش اللبناني ليس إلا مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة الحيوية الواقعة في خطر نتيجة عجز الحكومة عن دفع رواتب العسكريين وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية. وكان قائد الجيش اللبناني الجنرال جوزيف عون صريحا بشأن الوضع غير المستقر للجيش اللبناني، مشيرا إلى أن جنوده كانوا «جائعين مثل بقية الناس» في لبنان. ونمت معدلات الاستنزاف في صفوف الجيش بشكل ملحوظ على مدى السنوات الثلاث الماضية. وقد يكون لخروج ضباط من أصحاب الكفاءات العالية وضباط رتب الصف تداعيات سلبية كبيرة على التدريب والتجهيز. ومنذ الانفجار المميت في مرفأ بيروت، والاستقالة اللاحقة لرئيس الوزراء حسان دياب (الذي يرأس حاليا حكومة تصريف الاعمال)، لم يتمكن لبنان من تشكيل حكومة جديدة. إن الخلل السياسي، فضلا عن الإحباط الاقتصادي المستمر، وتأثير قيود الوباء، وحركات الاحتجاج، كلها عوامل قد تضافرت لجعل الحياة اليومية اللبنانية حبلى بالمفاجآت.