أوّل الكلام آخره:
- تتصاعد حدة مواقف الدول الغربية من روسيا، وتتزايد شحنات الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، في ظل الدعوات العلنية لإضعاف الجيش الروسي.
- يبدو أن تغييرا كبيرا قد حدث في أجواء العواصم الغربية مؤخرا، فالدول الغربية ربما تكون مدركة بشكل متزايد للنافذة المحدودة التي يتعين على أوكرانيا فتحها لنقل القتال إلى روسيا، حتى لو كان ذلك يعني شن هجمات على الأراضي الروسية.
- حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من المزيد من الاستفزازات التي قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، مؤكدا أن احتمال نشوب صراع نووي أمر «لا ينبغي التقليل من شأنه».
- على المستوى الاستراتيجي، يرى حلفاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المرحلة التالية من الحرب فرصة لإضعاف الجيش الروسي وإعادته إلى الوراء بشكل كبير.
تتصاعد حدة مواقف الدول الغربية من روسيا، وتتزايد شحنات الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، في ظل الدعوات العلنية لإضعاف الجيش الروسي. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، سافر وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى أوكرانيا للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. كان الوزير أوستن صريحًا في قوله إن هدف واشنطن – وهو في الواقع هدف تشترك فيه معظم الدول الغربية – هو رؤية موسكو ضعيفة إلى الحد الذي يصبح فيه جيشها غير قادر على تشكيل تهديد خطير لجيرانها المباشرين والدول الأوروبية بشكل عام. وقد أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي في حديثه على شبكة CNN، «إذا أفلتت روسيا من هذا الأمر دون عواقب، فحينئذٍ يذهب ما يسمى بالنظام الدولي، وإذا حدث ذلك، فإننا ندخل في حقبة من تزعزع الاستقرار المتزايد بشكل خطير». وترى الولايات المتحدة أن دعم أوكرانيا في الصراع ضد روسيا يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية، وتراه كذلك الموقف الأخلاقي المناسب الذي يجب اتخاذه.
وفي أعقاب رحلة أوستن وبلينكين، اجتمع وزراء دفاع الناتو في برلين لمناقشة الأسلحة التي يحتاجها الجيش الأوكراني لمواصلة مقاومة الغزو الروسي. ولعل أحد أبرز التطورات كان قرار ألمانيا بالموافقة على إرسال ما يقرب من 50 دبابة مدفع مضاد للطائرات من طراز Flakpanzer Gepard، والتي تُعرف أيضًا باسم Cheetahs، إلى أوكرانيا. وعلق وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي بأن «من المشروع تمامًا»، من وجهة نظر لندن، أن تستخدم أوكرانيا الأسلحة الغربية لمهاجمة أهداف عسكرية على الأراضي الروسية، ولعل هذا التصريح كان الأصرح والأقوى حتى الآن. وتقدم الولايات المتحدة كميات هائلة من المساعدات العسكرية والأسلحة، بما في ذلك المدفعية الثقيلة والتقنيات المتطورة مثل الطائرات بدون طيار. ويبدو أن تغييرا كبيرا قد حدث في أجواء العواصم الغربية في الأسبوع الماضي، فالدول الغربية باتت مدركة بشكل متزايد للنافذة المحدودة التي يتعين على أوكرانيا فتحها لنقل القتال إلى روسيا، حتى لو كان ذلك يعني شن هجمات على الأراضي الروسية. وقد تشكلت مؤخرا مجموعة الاتصال الأوكرانية وهي منتدى يضم أكثر من 40 دولة اجتمعت لتزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والإنسانية. وأشار الوزير أوستن إلى أن المنتدى سيجتمع شهريًا لإعادة تقييم احتياجات كييف والتحرك لتلبية هذه المتطلبات.
وفي مقابل ذلك، صعد الكرملين لهجته كما كان متوقعًا، متهمًا الغرب بشن حرب بالوكالة ضد موسكو. واستمرت قعقعة السيوف الروسية أيضًا، حيث حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من أن مزيدا من الاستفزازات قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، مؤكدا أن احتمال نشوب صراع نووي أمر «لا ينبغي التقليل من شأنه». وفي مواجهة نقص عديد القوات الروسية، قد تسعى روسيا أيضًا إلى الاعتماد بشكل أكبر على المرتزقة، بما في ذلك قوات مجموعة فاغنر. ومع استمرار الصراع إلى أبعد مما تصورته موسكو، تعتمد روسيا أكثر فأكثر على الخطاب الخطير. ويرجع ذلك على الأرجح إلى النقص في كفاءة قواتها العسكرية التقليدية في ساحة المعركة، والتي عانت من سوء الخدمات اللوجستية، وانخفاض الروح المعنوية، وعدم القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وستزيد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا من صعوبة استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تمويل آلته الحربية. ومن المتوقع أن يكون للعقوبات المتعلقة بالتكنولوجيا المتطورة ذات الأهمية البالغة لصناعة الدفاع الروسية تأثير كبير على قدرة موسكو على إنتاج أسلحة جديدة، وهي معضلة يمكن أن تقيد خطوة بوتين التالية.
وقد اضطر الجيش الروسي بالفعل إلى تعديل أهدافه في أوكرانيا، مع التركيز الآن على جنوب البلاد وشرقها، بما في ذلك دونباس والمناطق المحيطة بها. وعلى المستوى الاستراتيجي، يرى حلفاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المرحلة التالية من الحرب فرصة لإضعاف الجيش الروسي وإعادته إلى الوراء بشكل كبير. وقد أدت الضربات الأوكرانية على القوافل والدبابات وناقلات الجند المدرعة الروسية إلى تدمير كثير من المعدات الروسية. ووفقًا لبعض التقديرات، فقد خسرت روسيا ما يعادل إنتاج عامين على الأقل من الدبابات، وإنتاج عام واحد من الطائرات، وهو أمر خطير بالنظر إلى أن الصراع ما زال في شهره الثالث. وتشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 15000 جندي روسي في القتال خلال نفس الفترة الزمنية. غير أن بوتين في لحظة اليأس قد يسعى إلى تصعيد الصراع إلى النقطة التي تخرج فيها الأحداث بشكل خطير عن السيطرة. وقد حذر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بارنز قائلا: «بالنظر إلى النكسات التي واجهها [بوتين] حتى الآن، عسكريًا، لا يمكن لأي منا أن يتعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى الأسلحة النووية التكتيكية أو الأسلحة النووية المنخفضة القوة». وقد يكون الخيار الآخر لروسيا هو تكثيف الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية الأمريكية والأوروبية.