أوّل الكلام آخره:
- خفُتَ إلى حد بعيد صوت النقاش الدولي حول حقوق الإنسان، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى غياب القيادة الأمريكية الملحوظ على الساحة العالمية.
- تتعرض حقوق الإنسان لانتهاكات متكررة وجسيمة على الصعيد العالمي، في ظل ازدهار النزعات الاستبدادية، وتصاعد النزعات القومية، وتلك المرتبطة بكره الأجانب ومعاداة السامية.
- تعد الصين فعالة بشكل خاص في لجم منتقدي سجلها في مجال حقوق الإنسان، وذلك بالاعتماد على الضغط الاقتصادي لإسكات البلدان والشركات على حد سواء.
- لا يزال بإمكان الولايات المتحدة أن تكون نصيرة لحقوق الإنسان العالمية، ولكنها ستحتاج أولا إلى معالجة الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعرقي على المستوى المحلي.
خفُتَ إلى حد بعيد صوت النقاش الدولي حول حقوق الإنسان. ورغم أن انتهاكات حقوق الإنسان تحصل بشكل يومي، من شينجيانغ إلى اليمن، فقد باتت أغلب الحكومات التي كانت ثابتة في الدعوة إلى تصحيح هذه الأخطاء تؤثر التزام الصمت. واليوم، يتضح فشل واشنطن في ممارسة القيادة الأخلاقية محليا وعالميا. إن غياب القيادة الأمريكية عن مسائل الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية يبعث رسالة إلى الطغاة والحكام المستبدين مفادها أنهم لن يتلقوا أي رد فعل من إدارة ترامب. وقد شهدنا مؤخرا تسميما للسياسيين المعارضين واغتيالا للصحفيين وتقطيعا لأجسادهم؛ قام بذلك بعض الحكام المستبدين، بتغطية من الزعماء العالميين جعلتهم يتصرفون بلا تحسب للعواقب. وتماشيا مع نهج إدارة ترامب في التعامل مع العلاقات الدولية، أثنت واشنطن على زعماء كثير من الدول الاستبدادية، بمن فيهم فلاديمير بوتين الروسي وشي جين بينغ الصيني ورجب طيب أردوغان التركي ومحمد بن سلمان السعودي.
وحتى في الوقت الذي تواصل فيه الصين تقويض الديمقراطية في هونج كونج وتضطهد مسلمي الأويغور وتسيء معاملتهم وتزجهم في السجون، فقد أعيد انتخاب الصين في عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 13 أكتوبر / تشرين الأول 2020. كما انتخبت أيضا روسيا لعضوية المفوضية، رغم أن مصداقيتها كانت على المحك بسبب اتهامها باستخدام غاز الأعصاب نوفيتشوك مرة أخرى فى محاولة قتل الكسي نافالني أحد منتقدي بوتين. ومما يزيد من هذه المفارقة، أن كوبا انتخبت لشغل مقعد في المجلس لمدة عامين. ومن الصعب فهم كيف أن مجلس حقوق الإنسان، وهي « هيئة حكوميَّة دوليَّة تابعة لمنظومة الأمم المتحدة… مسؤولة عن تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في كافة أنحاء العالم »، سترحب بهذه الدول رغم سجلاتها في مجال حقوق الإنسان. وفي حين أن الولايات المتحدة نفسها تتمتع بماض متقلب مع حقوق الإنسان وكانت داعمة للديكتاتوريات التي تناسبت ومصالحها الخاصّة، إلا أنها مثلت تاريخيا صوتا قويا ورمزا للحركات الديمقراطية في الخارج.
وقد كان المجتمع الدولي لا يفتأ يحاول التأثير من أجل إحداث تغييرات إيجابية في النظم الاستبدادية. ولكن مجلس الأمن الدولي مشلول أساسا فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، ويكتفي في الغالب بتوجيه الانتقادات العلنية و«التسمية والتشهير» والإدانات «الشديدة اللهجة». ولكن الاعتماد على التشهير العالمي قلّما ينجح في تغيير سلوك القادة المستبدّين. وتعد الصين فعالة بشكل خاص في إسكات انتقادات الحكومات الأخرى، باستخدام شكل من أشكال دبلوماسية الرهائن عبر احتجاز الأكاديميين الزائرين أو غيرهم من المسافرين لتستخدمهم وسيلة ضغط. كما أن الضغوط الاقتصادية، التي كانت يُنظر إليها في وقت من الأوقات على أنها نهج فعال في «القوة الناعمة»، باتت اليوم أخشن فأخشن، مع العواقب المالية التي تسحق أي منظمة أو بلد يجرؤ على الجهر بمعارضة انتهاكات حقوق الإنسان داخل الصين.
وبلغت المشاعر المعادية للأمم المتحدة والمزدرية للتعددية ذروتها في ظل الإدارة الأمريكية الحالية التي ساهمت في إحداث فراغ على مستوى القيادة العالمية لحماية حقوق الإنسان. وقد انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان عام 2018، مشيرة جزئيا إلى نفاق المجلس في الارتقاء بدول مثل الصين إلى موقع مؤثّر فيه. وفي حين لا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تتحدث أحيانا عن بعض قضايا حقوق الإنسان، فإن هذه الجهود يقوّضها عشق الرئيس ترامب العلني لحكم «الرجال الأقوياء» ودبلوماسية الصفقات. ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة أن تكون رائدة في النضال من أجل حقوق الإنسان العالمية، ولكن سيتطلب منها الأمر أولا النظر داخليا لمعالجة قضايا الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعنصري محليا. ومن خلال العمل على استعادة المؤسسات الأمريكية ومعالجة مظالم المواطنين الأمريكيين، يمكن للولايات المتحدة أن تكون قدوة يحتذى بها. ولا تتمحور الديمقراطية حول التصويت في الانتخابات فحسب، إنما تشمل أيضا الاهتمام بتحرير المؤسسات من التحزّبات السياسية، وبحماية حقوق الأقليات. ومع ازدهار النزعات الاستبدادية، وتصاعد النزعات القومية، وتلك المرتبطة بكره الأجانب ومعاداة السامية، فلا يمكن إيجاد وقت أفضل للمدافعين العالميين عن حقوق الإنسان ليكونوا أكثر نشاطا. ولدى الولايات المتحدة القدرة، إذا ما أرادت، على استعادة صورتها في جميع أنحاء العالم بوصفها المدافع القوي عن حقوق الإنسان، شريطة أن تبدأ بنفسها أوّلا.