أوّل الكلام آخره:
- تعكس جولات الحوار القائمة بين المملكة العربية السعودية وإيران شكوك المملكة بشأن التزام الولايات المتحدة بضمان أمن الخليج العربي.
- أحرزت المحادثات بين الخصمين التقليديين تقدمًا في قضايا يمكن التحكم فيها نسبيًا، بما في ذلك موسم الحج المقبل.
- يأمل المسؤولون الأمريكيون أن تؤدي المحادثات إلى حل سياسي للصراع الوحشي في اليمن.
- يمكن للمحادثات السعودية الإيرانية أن تساعد في كسر الجمود في المفاوضات المتعددة الأطراف لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني الذي عقد عام 2015.
في أواخر نيسان (أبريل)، كشفت إيران أنها أجرت جولة محادثات خامسة مع السعودية في بغداد بالعراق، حيث كانت معظم جولات الاجتماعات السابقة في عام 2021. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن المحادثات الأخيرة حضرها «مسؤولون كبار من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ورئيس جهاز المخابرات السعودي»، وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده أن المناقشات الأخيرة كانت «إيجابية وجادة وشهدت تقدمًا». وأضافت وسائل الإعلام الإيرانية أنه من المتوقع أن يجتمع وزيرا خارجية البلدين في المستقبل القريب – وهو ما يُحتمل أن يكون مؤشرا على تقدم المحادثات. وللتحضير لهذا الاجتماع الرفيع المستوى، يتوقع مسؤولون من البلدين عقد اجتماع في عُمان، التي تربطها بإيران علاقات أوثق من العلاقات التي تربط بين إيران وأي من دول الخليج الأخرى. وبحسب ما ورد فقد توصل الطرفان إلى بعض الاتفاقات الصغيرة في بغداد؛ فعلى سبيل المثال، سترسل إيران 40 ألف حاج إيراني لأداء فريضة الحج في مدينة مكة السعودية في وقت لاحق من هذا العام. وكانت السلطات السعودية قد شنت في بعض السنوات السابقة حملة قمع على الحجاج الإيرانيين الذين استخدموا المناسبة الدينية للتظاهر ضد السياسات السعودية.
ومع ذلك، فإن المساومة الصعبة تنتظر البلدين، وكل منهما يمثل طائفة إسلامية رئيسية: فالمملكة العربية السعودية قوة إسلامية سنية، وإيران القوة الأبرز عند الشيعة. وتضغط طهران لإعادة العلاقات الدبلوماسية، التي قطعتها المملكة العربية السعودية في كانون الثاني (يناير) 2016 بعد أن اقتحم محتجون إيرانيون منشآت دبلوماسية سعودية في طهران بسبب إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر. وفي إشارة إلى الحساسية التي تعلقها طهران على معاملة السعودية للطائفة الشيعية، أرجأت إيران الجولة الخامسة التي كان من المقرر عقدها في آذار (مارس) بعد إعدام السعودية لبعض المعارضين الشيعة. ويبدو أن المملكة تريد انتزاع تنازلات كبيرة من طهران بشأن القضايا الإقليمية، وقد وافقت على السماح لإيران بإعادة فتح سفارتها في الرياض، ولكن فقط للأنشطة المتعلقة بمنظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة.
ويسعى المسؤولون السعوديون للحصول على تنازلات بشأن الصراع في اليمن. فمنذ عام 2015، تساعد المملكة وحليفتها الخليجية الرئيسية، الإمارات العربية المتحدة، الحكومة اليمنية في محاربة جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتي استولت على جزء كبير من شمال ووسط اليمن في عام 2014. وقد زودت إيران الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ التي تستخدمها الجماعة بشكل متكرر ضد أهداف سعودية؛ وفي كانون الثاني (يناير)، أطلقوا النار على أهداف بالقرب من مطار أبو ظبي الدولي. وقد أعربت الدولتان الخليجيتان عن أسفهما لتجنب الولايات المتحدة الرد على إيران بسبب الهجمات الصاروخية على أراضيها، بما في ذلك الضربة الإيرانية في أيلول (سبتمبر) 2019 التي أوقفت ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي لعدة أسابيع. على أن الولايات المتحدة زودت كلا البلدين بأنظمة دفاع صاروخي متطورة، بما في ذلك النظام الذي اعترض الهجمات الصاروخية للحوثيين على الإمارات.
ويأمل الدبلوماسيون الدوليون أن تسفر المحادثات السعودية الإيرانية، على أقل تقدير، عن تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين في اليمن والذي بدأ في أوائل نيسان (أبريل)، وربما عن حل سياسي في نهاية المطاف. وقبل جولة نيسان (أبريل) من المحادثات مع إيران، أشارت المملكة العربية السعودية إلى استعدادها المحتمل لإنهاء مشاركتها في الصراع الطويل من خلال إعادة هيكلة الحكومة اليمنية. كما أن إيران من جهتها محبطة من الانتكاسات الأخيرة التي عانت منها قوات الحوثي في محافظة مأرب بوسط البلاد على يد قوات الميليشيات اليمنية المدعومة من الإمارات. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان الحوار السعودي الإيراني قد أدى إلى تضييق الخلافات بينهما. وقد ورد أن المسؤولين السعوديين أعربوا في محادثاتهم عن خيبة أملهم من الدور الإيراني في اليمن واتهموا طهران بالفشل في تسهيل تمديد وقف إطلاق النار. وأعربت إيران علنًا عن دعمها لوقف إطلاق النار، لكن ممثلي إيران في بغداد شددوا على أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى اتخاذ خطوات عملية للمضي قدمًا نحو سلام مستدام – وهي صيغة تعني تقليص الدعم السعودي والإماراتي للقوات البرية الحكومية اليمنية وتخفيف الضربات الجوية السعودية والإماراتية.
ويأتي الحوار السعودي الإيراني في سياق المحادثات الجارية بين إيران والولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى لاستعادة الامتثال الكامل للاتفاقية النووية الإيرانية المتعددة الأطراف التي عقدت عام 2015. ولطالما انتقدت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج – وكذلك منتقدو الاتفاق الأمريكيون – تركيز الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني وإغفاله فرض القيود على دعم إيران للجماعات المسلحة الإقليمية، بما في ذلك الحوثيون، وحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية. ويستشهد المسؤولون السعوديون بالاتفاق النووي الإيراني دليلا على ما يرونه عزما أمريكيا على تقليص دور الولايات المتحدة في أمن الخليج، بما يجبر دول الخليج الاعتماد على نفسها في مواجهة القوة الاستراتيجية المتنامية لإيران. وقد توقفت المحادثات المتعددة الأطراف لعدة أشهر بسبب إصرار إيران على إلغاء الولايات المتحدة تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني عام 2019 منظمة إرهابية أجنبية، وهو تصنيف فرضته إدارة ترامب بسبب دور فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في دعم الجماعات المسلحة الإقليمية. وقد يلبي اختراق دبلوماسي سعودي إيراني ينهي حرب اليمن مطلبًا أمريكيًا يقضي بـ «خفض التصعيد» الإيراني في المنطقة مقابل رفع الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب. ويبحث المسؤولون الأمريكيون عن صيغة يمكن أن تضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي بما يسمح بضخ المزيد من النفط الإيراني في الأسواق العالمية في ظل النقص الحاصل نتيجة القيود على الإمدادات الروسية، ويعيد في الوقت نفسه البرنامج النووي الإيراني إلى دائرة الرقابة الدولية الصارمة.