أوّل الكلام آخره:
- يُظهر هجوم الحوثيين بطائرة مسيرة على منشآت تخزين النفط في الإمارات العربية المتحدة قدرتهم على استخدام التكنولوجيا الإيرانية لاستعراض قوتهم في مواجهة خصومهم الإقليميين.
- ويمثل الهجوم، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة عمال أجانب، انتقامًا حوثيا من الهجوم الأخير الذي شنته القوات المدعومة من الإمارات في محافظة شبوة اليمنية.
- استهدف الحوثيون الإمارات لأنها لا تزال متورطة على نطاق واسع في الصراع البري في اليمن رغم إعلانها انسحاب قواتها في عام 2019.
- تتماشى ضربة الحوثيين مع استراتيجية مرشدي الجماعة في طهران لترهيب دول الخليج وغيرها من المعارضين الإقليميين لإيران والضغط عليها.
في 17 كانون الثاني (يناير)، ضربت عدة طائرات مسلحة بدون طيار ثلاث ناقلات بترول بالقرب من منشأة تخزين تابعة لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) على بعد 13 ميلًا من وسط مدينة أبو ظبي. كما تسبب الهجوم في اندلاع حريق صغير في مطار أبو ظبي الدولي القريب. وتستضيف منشأة تخزين النفط شبكة خطوط أنابيب و36 صهريج تخزين توفر الوقود على الصعيد الوطني. وبحسب ما ورد فقد تسببت الغارة في أضرار مادية طفيفة لكنها قتلت ثلاثة عمال أجانب من الهند وباكستان وجرحت ستة آخرين. ولم تترك جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتي تسيطر على أجزاء كبيرة من اليمن (استولت عليها من الحكومة التي تعترف بها الأمم المتحدة) أي شك في مسؤوليتها؛ فقد صرح متحدث عسكري للحوثيين أن الجماعة شنت هجوما في عمق الإمارات. وقد «أدان» الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي سعى مبعوثوه الخاصون دون جدوى للتوسط في حل سياسي للنزاع اليمني، الهجوم ودعا «جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع أي تصعيد». وأضاف المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك أن «الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي». وقد جاء الهجوم بينما كان رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن يزور الإمارات العربية المتحدة لمناقشة صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار لبيع صواريخ أرض جو كورية جنوبية متوسطة المدى.
وتوضح ضربة الحوثيين القدرة المتزايدة للحركة على استخدام التكنولوجيا التي توفرها إيران لاستعراض قوتها ضد خصومها في ساحة المعركة، حتى خارج اليمن نفسه. وتقع الأهداف الإماراتية التي قصفت على مسافة تزيد عن 1000 ميل شمال شرق صعدة، معقل الحوثيين في اليمن. سعى الحوثيون سابقًا إلى الضرب داخل الإمارات العربية المتحدة – وهي الدعامة الأساسية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية والذي يسعى لاستعادة السلطة الكاملة للحكومة اليمنية. ولكن هجمات الحوثيين السابقة بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على الإمارات فشلت، بما في ذلك الضربة المزعومة عام 2017 ضد محطة براكة للطاقة النووية الإماراتية. غير أن الطائرات بدون طيار المسلحة التي زودت إيران بها الحوثيين الذين باتوا بشكل متزايد يتقنون استخدامها، تسمح باستهداف أكثر دقة وفعالية. نعم، حقق الحوثيون نجاحًا كبيرًا في إطلاق الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز على المملكة العربية السعودية – التي تقع على حدود معاقل الحوثيين في شمال اليمن ولذلك فإن استهدافها أسهل كثيرا من استهداف الإمارات – وكثيرًا ما أصابت هذه الصواريخ المطارات ومنشآت النفط وخطوط الأنابيب السعودية.
وقد جاءت الضربة الحوثية على أبو ظبي وسط تصاعد الأعمال القتالية في اليمن. وفي 3 كانون الثاني (يناير)، استولى الحوثيون على «روابي» وهي سفينة ترفع علم الإمارات قبالة الساحل اليمني، وما زالوا يحتجزون طاقمها المكون من 11 فردا. وجاء الاحتجاز بزعم أن السفينة كانت تحمل معدات عسكرية. وقد رفض الحوثيون دعوة في 14 كانون الثاني (يناير) وجهها مجلس الأمن للإفراج عن السفينة وطاقمها. ووصفت الإمارات المصادرة بأنه «تصعيد خطير» في طريق الشحن البحري المزدحم بالبحر الأحمر. ويبدو أن الاستيلاء على السفينة والهجوم بطائرة بدون طيار يمثلان انتقامًا حوثيا من هجوم أوائل كانون الثاني (يناير) الذي شنته القوات اليمنية المدعومة من الإمارات والتي نجحت في الاستيلاء على جميع محافظة شبوة الجنوبية. ويهدد هذا النصر بقطع خطوط الإمداد الرئيسية التي يستخدمها الحوثيون في هجومهم على مدينة مأرب آخر معقل للحكومة في شمال اليمن. ورفض الحوثيون مرارا الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة والولايات المتحدة لوقف هجوم مأرب. وقد قادت هجوم شبوة «قوات العمالقة» وهي ميليشيا موالية للحكومة تحظى بدعم واسع من الجيش الإماراتي – مما يدل على أن الإمارات لا تزال محورية في العمليات البرية التي تقودها السعودية في اليمن، على الرغم من سحب الجزء الأكبر من القوات الإماراتية من جبهات اليمن الرئيسية منتصف عام 2019. وبالنسبة للحوثيين، فإن توسيع نطاق التدخل الإماراتي في مأرب، على وجه الخصوص، يمثل خطًا أحمر.
ولا ينفصل الصراع في اليمن وهجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار على الإمارات والسعودية عن صراع القوى الشامل بين دول الخليج وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ووكلائها المسلحين في جميع أنحاء المنطقة. ولكن إيران ما فتئت تظهر قدرة فائقة على العمل في مسارح متعددة موزعة الأدوار المختلفة على سائر حلفائها اللاعبين. ويُعد نقل إيران للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسلحة بدون طيار إلى الحوثيين عنصرًا رئيسيًا في هدف إيران الاستراتيجي المتمثل في إبراز قوتها وقوة حلفائها في جميع أنحاء المنطقة. ولا تخدم هجمات الحوثيين على دول الخليج الأكثر معارضة لطهران، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مصالحهم في ساحة المعركة فحسب، بل تعزز أيضًا الجهود الإيرانية لترهيب دول الخليج وانتزاع التنازلات منها. وقد أشار بعض الخبراء إلى أن غارة الطائرات بدون طيار جاءت بعد أيام من تهديد الجماعات المدعومة من إيران بضرب أبو ظبي ردًا على التدخل الإماراتي المزعوم في السياسة العراقية دعما لبعض البرلمانيين المعارضين للنفوذ الإيراني. ويشير تصعيد الحوثيين ضد الإمارات إلى الحاجة إلى مضاعفة العمل الدبلوماسي بين إيران ودول الخليج، لا لإنهاء الصراع اليمني فحسب بل أيضًا لتخفيض التوترات في الخليج على نطاق أوسع على أمل تجنب حرب إقليمية موسعة.