أوّل الكلام آخره:
- يبدو أن الإدارة الأمريكية عازمة على استئناف تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة التي أقرت عام 2015 (الاتفاق النووي) التي تراها أمثل الطرق للتصدي للتهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.
- سيتعرض فريق الرئيس بايدن للضغوطات من المدافعين عن الانخراط مع طهران من جهة ومن المدافعين عن مواجهتها من جهة أخرى.
- أعرب القادة الإيرانيون عن عدم استعدادهم لتعديل الاتفاق النووي الحالي ليشمل أي قيود على دعم إيران للحلفاء الإقليميين.
- ستحتاج كل من طهران وواشنطن إلى الانخراط في عدد من تدابير بناء الثقة لإعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح.
بعد مرور أكثر من 40 عاما على إنشاء الجمهورية الإسلامية، لم تنجح أي استراتيجية أمريكية في التعامل مع التهديدات التي تشكلها إيران. ومنذ البداية، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران محفوفة بسوء الظن والعداوة والتهديدات والأعمال العدائية بين الحين والآخر، وإن تخللتها فترات من التفاوض وحتى التعاون الضمني في ظروف مختارة. وصدر اليوم تقرير بالإنجليزية عن مركز صوفان بعنوان «هل من وسيلة للمضي قدما مع إيران؟ الخيارات المتاحة لصياغة استراتيجية أمريكية»، يؤكد بأن أي استراتيجية صادرة عن إدارة بايدن بشأن إيران يجب أن تبدأ بتحليل هذا التاريخ المعقد والدروس المستفادة من عقود من الانخراط.
وبغض النظر عما ستختار إدارة بايدن وهاريس القيام به فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فإن سياستها ستظل على المحك بسبب التوترات المستمرة بين فئة المدافعين عن الانخراط مع إيران وفئة المدافعين عن مواجهتها. وكانت إدارة ترامب تعتمد المواجهة بشكل كبير، ولكن دون تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية الأساسية، مثل إعادة التفاوض على اتفاق نووي جديد. وفي حين كان لهذا النهج أثر فعلي تمثل في إضعاف الاقتصاد الإيراني، فإن ذلك لم يكن هدفها المعلن. وحتى بعد أربعة عقود، لا تزال السياسة الأمريكية مبهمة فيما يتعلق بالسؤال الأساسي حول استراتيجيتها الوطنية: هل يجب على الولايات المتحدة اتباع سياسات تجبر إيران على الانهيار، أم يجب على الولايات المتحدة إشراك إيران والعمل على إيجاد أرضية مشتركة حول القضايا الرئيسة؟
وقد اعتقدت إدارة أوباما أن الاستراتيجية الأمريكية المثلى تكمن في السعي إلى توسيع دائرة الانخراط مع إيران تدريجيا لتشمل مجموعة أكبر من القضايا، بدلا من الإصرار على حل جميع القضايا العالقة في مفاوضات شاملة واحدة. ومن المرجح أن تحذو إدارة بايدن حذو إدارة أوباما، فهي تعتزم، على الرغم من أصوات المعارضين، استئناف تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 بوصفه الأمثل لمعالجة أخطر التهديدات المحتملة التي تشكلها إيران. وستتطلب إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي مفاوضات مكثفة ودقيقة، نظرا لابتعاد إيران والولايات المتحدة عن متطلبات الاتفاق منذ عام 2018.
وقد توافق إيران على التفاوض بشأن وضع قيود على تطوير منظومة صواريخها الباليستية، ولكنها لن توافق على الأرجح على كبح دعمها للحلفاء الإقليميين والجماعات المسلحة، لأن الصواريخ البعيدة المدى ليست أساسية لاستراتيجية طهران الإقليمية، بخلاف شبكة حلفائها. ومن شبه المؤكد أن تفشل أي محاولة لإدارة بايدن لمحاولة إجبار إيران على قبول قيود تقيّد دعمها للفصائل المسلحة الإقليمية، بالنظر إلى أن تمكين الحكومات والفصائل الموالية لإيران في المنطقة هو جوهر استراتيجية الأمن القومي الإيراني. وقد أشار القادة الإيرانيون بوضوح إلى أنهم لن يكونوا على استعداد لتعديل الاتفاق النووي الحالي ليشمل أي قيود على أنشطة إيران الإقليمية.
ومن دون شك، يجب النظر في جميع هذه الإجراءات في ضوء السلوك الإيراني، بما في ذلك العودة إلى الوضع الذي كان قائما عند اعتماد خطة العمل الشاملة المشتركة، وكبح البرنامج النووي، والحد من دعم الوكلاء الإقليميين، الذين يؤدي حضورهم إلى زعزعة الأمن في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويشير تعيين روبرت مالي، وهو خبير مخضرم في شؤون الشرق الأوسط ومسؤول سابق في إدارة أوباما، إلى جدية إدارة بايدن في مساعيها للانخراط مجددا مع إيران. ولكن اقتراح إشراك المملكة العربية السعودية في الحوار سيصعّب العودة التي طال انتظارها إلى طاولة المفاوضات، كما يشير إلى ذلك رفض إيران مؤخرا لأيّ مفاوضات جديدة أو تغيير الأطراف المشاركين في العملية.