أوّل الكلام آخره:
- بعد مرور عدة أشهر على حالة الجمود العسكري في ليبيا، بدأت القوات المدعومة من تركيا بصد الميليشيات التي يقودها زعيم الحرب خليفة حفتر.
- إن الحروب بالوكالة في ليبيا والتي تعتمد على القوات الحليفة المجهزة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة تقدم لمحة عن مستقبل الحروب، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم.
- إن احتياطيات ليبيا من الطاقة والمنافسة على الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط تجعل من تدخل الجهات الخارجية أمرا مؤكّدا ما لم ينجز اتفاق سلام شامل يضع النقاط على الحروف.
- أدت الجولة الأخيرة من القتال في ليبيا إلى تزايد المخاوف بشأن موجة أخرى من اللاجئين والمهاجرين، وهي مسألة تتزايد أهمّيّتها نظرا إلى التحدي الإضافي الذي يمثّله وباء كورونا.
بعد مرور عدة أشهر على حالة الجمود العسكري في ليبيا، بدأت القوات المدعومة من تركيا بصد الميليشيات التي يقودها زعيم الحرب خليفة حفتر. وباستخدام الطائرات التركية المسيّرة، تمكّنت حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة من تدمير أنظمة صواريخ بانتسير الروسية الصنع التابعة للجيش الوطني الليبي بقيادة زعيم الحرب خليفة حفتر ومن استعادة بدر وتيجي المدينتين الاستراتيجيتين على البحر الأبيض المتوسط بالقرب من الحدود التونسية. وقبل هذا الأسبوع، استعادت حكومة الوفاق الوطني، بدعم استخباراتي من الجيش التركي، قاعدة «الوطية» الجوية جنوب العاصمة طرابلس. إن النجاح الأخير الذي حققته حكومة الوفاق الوطني يردّ حفتر على أعقابه، ويلقي العبء على مؤيديه في الخارج لاتخاذ قرار بشأن زيادة الدعم كمّا ونوعا أكثر من السابق. ونظرا إلى حجم الكعكة التي يراد اقتسامها، فقد تسعى روسيا والإمارات العربية المتحدة إلى تصعيد الصراع من خلال نشر قوات مرتزقة مدربة جيدا ومجهزة، فضلا عن تزويد الجيش الوطني الليبي بمعدات عسكرية متطورة. ومع وصول الطائرات الروسية المقاتلة إلى ليبيا، تخاطر موسكو وأنقرة بوصول الصراع إلى نقطة حرجة للغاية. وكانت روسيا وتركيا على شفا مواجهة مباشرة في سوريا أواخر شباط / فبراير الماضي مع مقتل العشرات من الجنود الأتراك في غارة جوية.
ويحظى حفتر بدعم روسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر في المقام الأول، في حين يتلقى أيضا مستويات متفاوتة من الدعم من المملكة العربية السعودية وفرنسا واليونان. ومع ذلك، وعلى الرغم من المساعدات العسكرية السخية وقتال مجموعات من المرتزقة الروس والسودانيين إلى جانب حفتر (في مقابل مجموعات من المرتزقة السوريين المدربين في تركيا)، لم يتمكن الجيش الوطني الليبي (جيش حفتر) من الاستيلاء على طرابلس، ولجأ إلى القصف العشوائي والهجمات على البنى التحتية. إن الحروب بالوكالة في ليبيا والتي تعتمد على القوات الحليفة المجهزة بتقنيات متطورة مثل الطائرات المسيّرة تقدم لمحة عن مستقبل الحروب، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم. وتتخذ دول مثل روسيا وتركيا قرارات استراتيجية ومحسوبة لتقدير نوعية الموارد والكميات التي يجب توفيرها للحلفاء. وهذا بدوره يكشف نظرة هذه القوى إلى قيمة غنائم الحرب فضلا عن طبيعة علاقتها مع حلفائها. ويتوقع المحللون بأن داعمي حفتر، المحليين والدوليين، قد يجبرونه على التنحي ويستبدلون به آخر.
وبناء على طلب المملكة العربية السعودية ومصر، قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعما خطابيا لحفتر. ومع ذلك، فقد أعرب ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع عن قلقهما إزاء التدخل الخارجي المتزايد في ليبيا، وحث الزعيمان على ضرورة التخفيف من حدة التصعيد، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك. فاحتياطيات ليبيا من الطاقة والمنافسة على الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط تجعل من تدخل الجهات الخارجية أمرا مؤكّدا ما لم ينجز اتفاق سلام شامل يضع النقاط على الحروف. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2019، وقعت تركيا اتفاقا مع الحكومة في العاصمة طرابلس يجعل لتركيا حقوقا في احتياطيات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط. وهذا يوفر لأنقرة حافزا كبيرا لتخصيص موارد سخية للقتال في ليبيا بطريقة لم تشهدها الحرب الليبية في السابق.
ومنذ بداية الحرب الأهلية عام 2011، كانت ليبيا مركز التنسيق للمهاجرين الأفارقة الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا. وقد اعتمدت المنظمات الإجرامية، التي يرتبط بعضها بحفتر، على استغلال الفوضى لإنشاء شبكات مربحة لتهريب البشر والاتجار بهم. وقد أدت جولة القتال الأخيرة إلى تشريد ما يعادل 000, 200 مدني. وبالنسبة للقوى الخارجية، تحتل ليبيا مرتبة أعلى من سوريا واليمن في القيمة الإستراتيجية بسبب أهميتها الجيوسياسية واحتياطياتها من الطاقة. وهذا قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع وبالتالي إلى مزيد من المعاناة الإنسانية وزيادة عدد اللاجئين والمشردين داخليا. وقد أدت الجولة الأخيرة من القتال في ليبيا بالفعل إلى تزايد المخاوف بشأن موجة أخرى من اللاجئين والمهاجرين، وهي مسألة تتزايد أهمّيّتها نظرا إلى التحدي الإضافي الذي يمثّله وباء كورونا.