أوّل الكلام آخره:
- ساهم الدعم الإيراني في تعزيز كفاءة هجمات حماس على إسرائيل في الجولة الأخيرة من القتال.
- يخدم الصراع مع إسرائيل مصالح إيران من خلال تعزيز دور حماس في الحركة الفلسطينية كما أنه يمنح إيران نقاطا إضافية في حرب الظلال مع إسرائيل.
- قد يؤدي تحالف إيران مع حماس والجماعات المسلحة الأخرى إلى تحسين قدرة إيران على الحصول علىتنازلات أمريكية في المفاوضات النووية مع إدارة بايدن.
- تظهر العلاقة بين حماس وإيران أن الأخيرة قادرة على التحالف مع جماعات سنية، فضلا عن الفصائل الإسلامية الشيعية.
من جديد، أثار الصراع الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة تساؤلات حول دور إيران في تأجيج الصراع الإقليمي. ولا يكاد ينازع أحد في أن إيران تدعم المسلحين بالمال والعتاد، ولا سيما حماس، التي تمارس السيطرة الفعلية على الأرض، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة أصغر ولكن أكثر راديكالية. ويفيد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2020 حول إيران، أنها توفر للجماعات المسلحة الفلسطينية ما يقارب 100 مليون دولار سنويا. على أنه ما من ضرورة للمبالغة في تقدير دور إيران في وقوع الاشتباكات، إذ تشير جميع الأدلة إلى أن القتال نشأ عن طرد إسرائيل لبعض الأسر الفلسطينية في أجزاء من القدس الشرقية، فضلا عن المواجهات العنيفة مع المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ولم يكن وليد أي عمل تحريضي من الجمهورية الإسلامية.
وكما بات معهودا، يستغل القادة الإيرانيون صراعا لم يبدأوه بأنفسهم. فقد ساعد وابل الصواريخ التي تطلقها حماس وحركة الجهاد الإسلامي على المدن الإسرائيلية الحركات المدعومة من إيران على الظهور بصورة البطل الأساسي للحركة الوطنية الفلسطينية، متجاوزة دور القادة الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، الذين لم يحققوا بعد الكثير. وتشير إيران، بصفتها راعية مجموعات غزة ومورد تكنولوجيا الصواريخ المستخدمة، إلى أنها تستطيع الانتقام من إسرائيل بعد هجماتها الأخيرة على السفن الإيرانية ومنشأتها النووية في نطنز. وقد زودت إيران حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بالتصميمات والمكونات والنصائح لجمع ترسانة تصل إلى 30,000 صاروخ من نطاقات مختلفة، يصل بعضها إلى شمال إسرائيل، وإن كان أغلبها ذا مدى قصير لا يتعدى جنوب إسرائيل. ولقد أظهرت إيران أن بعض تقنياتها، التي هي في تصرف حلفائها، قادرة على اختراق دفاعات إسرائيل المتطورة، مثل القبة الحديدية، والتسبب في وقوع إصابات بين الإسرائيليين وتعطيل حياتهم. وتعطي هذه القدرات، التي تجاوزات بما لا يقاس نطاق هجمات حماس الصاروخية في الصراع بين إسرائيل وحماس عام 2014، إيران أوراقا هامة في حرب الظلال التي تزداد حدتها مع إسرائيل، ولكنها أيضا ترفع على نحو دراماتيكي حصيلة الخسائر البشرية الفادحة.
وقد يدفع الدور الإيراني في القتال بين إسرائيل وغزة إدارة بايدن إلى تسريع المفاوضات على عودة إيران والولايات المتحدة المتبادلة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي الإيراني الذي عقد عام 2015. إن انهيار المحادثات، خاصة عند اقترانه بالصراع بين إسرائيل وغزة، والتحديات البحرية الإيرانية للسفن الحربية الأمريكية في الخليج الفارسي، والهجمات الصاروخية الدورية على المنشآت التي تستخدمها الولايات المتحدة في العراق من الميليشيات المدعومة من إيران، قد يولد شعورا بوجود أزمة لدى إدارة بايدن في التعامل مع الاضطرابات في الشرق الأوسط. وبينما يضغط البعض في الكونغرس وخبراء آخرون على الإدارة لوقف المحادثات النووية مع إيران في ضوء دعم إيران لحماس، يبدو أن القتال قد عزز نية الإدارة للتوصل إلى اتفاق مع إيران في محادثات فيينا النووية. وقد صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في 13 أيار / مايو، إن «إيران التي تمتلك سلاحا نوويا أو لديها القدرة على الحصول على سلاح في وقت قصير جدا تمثل دولة إيران التي قد تتصرف بلا تحسب للعواقب عندما يتعلق الأمر [بدعم الفصائل المسلحة في المنطقة]». وقد تعرض إدارة بايدن على إيران تخفيفا للعقوبات أكثر من المتوقع من أجل التوصل إلى اتفاق مبكر في فيينا.
وعلى نطاق أوسع، يساعد دعم إيران للجماعات الفلسطينية المذكورة أعلاه، وهي جماعات مسلمة سنية، على تجاوز التصور الشائع بأن إيران لا تتحالف إلا مع الفصائل الشيعية. وقد تضررت سمعة إيران عام 2012 بصفتها داعما موثوقا لجميع «حركات المقاومة» في المنطقة بغض النظر عن الطائفة، عندما انقطعت علاقات إيران وحماس لعدة سنوات بسبب الخلافات حول سوريا. ففي هذه الفترة، دعمت إيران نظام الأسد ذا القاعدة الشيعية، في حين دعمت حماس المعارضة السورية السنية بأغلبها. ويعزز استقطاب المسلمين السنة استراتيجية إيران الإقليمية المتمثلة في كسب الحلفاء من جميع أنحاء المنطقة للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها من الخصوم. وعليه، سارع القادة الإيرانيون إلى إدراك القيمة الاستراتيجية للعنف الذي يجتاح إسرائيل وغزة والاستفادة منه لصالح إيران. ولكن المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذا الصراع.