أوّل الكلام آخره:
- نجحت زيارة كانون الثاني (يناير) التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في تعزيز العلاقات بين إيران وروسيا.
- يرى البلدان مصلحة مشتركة لهما في مواجهة الضغط المتزايد عليهما من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.
- تتفاوض إيران وروسيا على اتفاقية اقتصادية وعسكرية طويلة الأمد مماثلة للاتفاقية القائمة بين إيران والصين.
- لا يبدو أن الزيارة أسفرت عن إنجاز الاتفاق على مبيعات جديدة لأنظمة قتالية روسية الصنع إلى طهران.
بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي موسكو في الفترة من 19 إلى 20 كانون الثاني (يناير). التقى الاثنان لمدة ثلاث ساعات، وخاطب رئيسي مجلس النواب بالبرلمان الروسي، وهي فرصة لا تُمنح إلا للمقربين جدا إلى الكرملين. وفي معرض تسليط رئيسي الضوء على وجهة النظر الإيرانية حول أهمية الرحلة، قال للصحافيين قبل مغادرته إلى موسكو: «الزيارة قد تصبح نقطة تحول في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين إيران وروسيا، وقد تكون فعالة أيضًا في ضمان الأمن والعلاقات الاقتصادية والتجارية في المنطقة». وتشير تعليقات رئيسي وخط سير الزيارة الرفيع المستوى إلى أن روسيا وإيران تسعيان لتوسيع علاقاتهما بما يتجاوز الملفات الثنائية المعروفة، والتي تشمل الصراع السوري الذي تعاونت فيه إيران وروسيا للحفاظ على حكم الرئيس بشار الأسد؛ والمحادثات الجارية في فيينا لاستعادة الامتثال الأمريكي والإيراني الكامل للاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015، والذي شاركت فيه روسيا؛ ومبيعات الأسلحة الروسية المحتملة إلى طهران؛ والأمن في آسيا الوسطى؛ وسيطرة طالبان على أفغانستان؛ والتجارة والاستثمار، ولا سيما في مجال الطاقة. وتأتي هذه الزيارة بعد أربعة أشهر من الموافقة على طلب إيران الانضمام بعضوية كاملة إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تهيمن عليها روسيا والصين.
وقد جاءت زيارة رئيسي في سياق الضغط المتزايد للولايات المتحدة وحلفائها على كلا البلدين. وخلال رحلة رئيسي، التقى دبلوماسيون أمريكيون وروس في جنيف لمحاولة تفادي غزو روسي محتمل لأوكرانيا – وهي محادثات تضمنت تهديدات أمريكية بفرض عقوبات اقتصادية متعددة الأطراف منسقة على روسيا إذا قامت بغزو أوكرانيا. وفي ما نشر من حديث رئيسي مع الرئيس بوتين، وكذلك في خطابه أمام المجلس التشريعي الروسي، كرر رئيسي موقف إيران بأن العقوبات الأمريكية الشاملة المفروضة على إيران هي «انتهاك لحقوق إيران» وتمثل حربًا اقتصادية ضد الجمهورية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، ومع الاعتراف بأن روسيا تريد استعادة كاملة للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (كما تفعل الولايات المتحدة)، شدد رئيسي على أن حكومته لا تسعى لامتلاك الأسلحة النووية وهي ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق في فيينا طالما أن الاتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الأمريكية.
على أن التركيز غير المتوقع في زيارة رئيسي كان على مناقشة شراكة استراتيجية طويلة الأجل ناشئة بين البلدين، على غرار اتفاقية مماثلة توصلت إليها الصين وإيران في آذار (مارس) 2021. وقد نصت تلك الاتفاقية على أن تستثمر الصين 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عامًا من هذا الاتفاق، على أن الخبراء يشككون فيما إذا كان سيتم عمليا تحقيق المدى الكامل للاستثمار المخطط له. وقال رئيسي في اجتماع للفاعلين الاقتصاديين الإيرانيين في موسكو إن العمل الأولي قد بدأ بالفعل على صياغة اتفاق شراكة إيراني روسي مدته 20 عامًا، وقال مسؤولون إيرانيون للصحفيين إنه لن يشمل فقط أبعادًا اقتصادية مثل الاستثمار الروسي والتجارة الثنائية، بل يشمل أيضًا الأبعاد العسكرية من التعاون. وعلى الرغم من عدم الانتهاء من صياغة الاتفاق الواسع خلال رحلة رئيسي، إلا أن بوتين وافق على تزويد إيران بخط ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار، وهو ما تحتاجه طهران بشدة بعد سنوات طويلة من القيود المصرفية الدولية المعوقة. كما أن عنصر التعاون العسكري بدا جليا، إذ عشية وصول رئيسي دخلت سفن حربية روسية ميناء جابهار (تشابهار) الإيراني للمشاركة في مناورات بحرية مشتركة مع الصين وإيران.
ولم تعالج رحلة رئيسي المخاوف الفورية للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، ولا سيما الممالك العربية في الخليج الفارسي، والمتعلقة باحتمال أن تبيع روسيا أسلحة جديدة لإيران. لم يكن من إعلان أثناء الزيارة أو بعدها حول ما إذا كانت روسيا ستشرع في بيع طائرات مقاتلة من طراز Su-35 ودبابات T-90 المتقدمة ونظام الدفاع الصاروخي S-400 لإيران، وكلها كانت قيد المناقشة منذ عام 2016. وكانت إيران قد حدثت ترسانتها التقليدية في عام 1992 عن طريق شراء معدات من روسيا والصين، لكن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والانتقاد العالمي لسياسات إيران تسببت في تجنب روسيا والصين وغيرهما بيع الأسلحة التقليدية لإيران. ولكن مع رفع معظم العقوبات الأمريكية في عام 2016 بالتزامن مع الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف عادت مسألة مبيعات الأسلحة الجديدة إلى الطاولة. وقد انتهت القيود القانونية الدولية على مثل هذه المبيعات عندما انتهى الحظر العالمي على نقل الأسلحة إلى طهران في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وفقًا لبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231. ومع ذلك، فإن خروج إدارة ترامب عام 2018 من الاتفاقية النووية وإعادة فرض العقوبات أحبط عمليات البيع الروسية. ولا شك أن هذا أضعف القدرات التقليدية لإيران حتى مع تطويرها المحلي للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المتطورة بشكل متزايد والطائرات المسلحة بدون طيار التي أثبتت نجاحًا كبيرًا، والتي عندما وضعت في أيدي حلفاء إيران الإقليميين، أعطت طهران «قوة مضاعفة» إقليمية.
وقد يؤدي توسيع العلاقة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، إلى جانب مصلحتهما المشتركة في مواجهة الولايات المتحدة في مجموعة واسعة من القضايا، إلى تخفيف بعض مخاوف موسكو بشأن استكمال صفقات بيع الأسلحة. ومع ذلك، فإن قدرة إيران على الدفع ستتوقف على الاتفاق في فيينا على استعادة الاتفاق النووي الإيراني بما يخفف من العقوبات الاقتصادية الدولية على طهران. وحتى مع حل معظم مخاوف موسكو، فإنها لا تزال تسعى إلى تجنب الإضرار بعلاقاتها المزدهرة مع دول الخليج من خلال بيع أسلحة تقليدية متطورة إلى طهران. وإذا ساعدت روسيا إيران في معالجة ضعفها العسكري التقليدي من خلال نقل أحدث معداتها إلى طهران، فإن التهديد الأمني الهائل الذي تمثله إيران سوف يتفاقم بشكل كبير.