أوّل الكلام آخره:
- تخطّت منصّة تويتر المعايير المزدوجة المتّبعة عادة في التعامل مع قادة العالم، فقد وسمت تويتر مؤخرا بعض تغريدات الرئيس ترامب بالوسم المعتمد للتغريدات «غير الدقيقة»، وأشارت إلى تغريدات أخرى بوصفها تنتهك سياسات تويتر من خلال تمجيدها للعنف.
- وقّع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا لمحاربة ما عدّه تحيّزات معادية للمحافظين في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك ردا على وصف تغريدته في 26 أيار / مايو 2020 بأنها غير دقيقة من حيث انطباقها على الواقع.
- أشارت بعض التصريحات أن الأمر التنفيذي الجديد «بلا أنياب»، ومن المرجح أنّه حتّى لو وُظّف فإنّ ذلك لن يطول، إذ إنه غير قادر على الأرجح أن ينجح في امتحان التدقيق القضائي المتوقّع.
- في ظل ما تعانيه أمريكا من ظلم عنصري مزمن، ووباء مدمر آنيّ، واستياء من سياساتها يثيره قادة العالم، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق شركات وسائل التواصل الاجتماعي كيلا تسمح باستغلال الجهات الحاقدة لمنصاتها سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها.
في 28 أيار / مايو 2020، وقّع الرئيس ترامب أمرا تنفيذيا غير مسبوق حول «منع الرقابة على الإنترنت». وفي ظل فترة الوباء، كانت منصّات وسائل التواصل الاجتماعي مسرحا لنشر المعلومات المضللة، ونظريات المؤامرة، والعلاجات الكاذبة لوباء كورونا. وكانت النتيجة دعوة وسائل التواصل الاجتماعي إلى بذل جهود أكثر صرامة لإدارة المحتوى، خاصة وأن الصينيين والروس يعمدون إلى تضخيم ما تردّده الجماعات المناهضة للدولة وجماعات العنصريين البيض في أمريكا على المنصات الإلكترونية بهدف التحريض على العنف ضد الأقليات. ويستخدم الرئيس ترامب وسائل التواصل الاجتماعي بانتظام لترويج نظريات المؤامرة الخطيرة والمعلومات المضللة. وعلى هذه الخلفية، وسمت منصة تويتر تغريدة الرئيس في 26 أيار / مايو 2020، التي زعم فيها أن التصويت بالبريد سيؤدي إلى انتخابات مزورة. ولم تكن تلك المرّة الأولى الّتي تعمد فيها تويتر إلى التعامل على هذا النحو مت تغريدات صادرة عن شخصيات سياسية رفيعة المستوى، فقد أزالت مؤخرا تغريدات نشرها الرئيس البرازيلي جير بولسونارو وشكك فيها بفعالية تدابير الحجر الصحي المعتمدة لوقف انتشار وباء كورونا. ولكن تويتر وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي وفّرت على امتداد تاريخها حرية كبيرة للقادة السياسيين باستخدام منصاتها، بمن فيهم كبار المسؤولين الإيرانيين. وحتى صدور قرارات تويتر الأخيرة، قام العديد من أفراد هذه النخب السياسية بانتهاك شروط الاستخدام والسياسات الداخلية والمعايير المجتمعية وشروط السلامة التي اعتمدتها شركات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة.
ويشكل الأمر التنفيذي الجديد للرئيس ترامب الخطوة الأخيرة في مسار اتّخذه للحد من أي انتقاد متصور له أو لسياساته أو لرواياته الملفقة المصممة لكسب مشاعر الشعب. كما يبرز دافع أساسي آخر وراء الأمر التنفيذي الجديد للرئيس، ألا وهو اتهام منصات تويتر وفيسبوك وإنستغرام ويوتيوب بتحيزها المناهض للمحافظين من خلال إزالة منشورات أو تغريدات أو صور أو مقاطع فيديو نشرت على منصاتهم. وفي حين أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد نهجا تعسفيا وغير متسق في بعض الأحيان في إزالة المحتوى، تغيب الدراسات الموثوقة التي تشير إلى أن لشركات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة ميولا معادية للمحافظين. والمعلوم أن سكان وادي السيليكون لا ينتمون إلى فئة واحدة، إذ إن ثقافة الكثيرين منهم انعزالية على نحو متأصل وعلى استعداد لتقبل نظريات جماعات العنصريين البيض ونشرها، وهذا بعيد كل البعد عن الليبرالية. وعلى سبيل المثال، فإن آندرو آنجلين، مؤسس صحيفة ديلي ستورمر المؤيدة للنازية الجديدة، أشار إلى أنه يحصل على الدعم النقدي من سكان وادي السيليكون وأن أهم رواد موقعه على الإنترنت من مقاطعة سانتا كلارا في كاليفورنيا، وهي موطن شركات الإنترنت الكبرى.
وبالانتقال إلى الجوانب العملية للأمر التنفيذي الجديد، يؤكد معظم المراقبين القانونيين أن الأمر يتعدّى إلقاء اللوم على شركات وسائل التواصل الاجتماعي، فهو يحد العديد من أشكال الحماية القانونية المنبثقة عن المادة 230 من قانون آداب الاتصالات الذي يعفي شركات وسائل التواصل الاجتماعي من مسؤولية المحتوى المنشور على مواقعها. كما أن قرارات المحاكم في السابق ردّت الجهود الرامية إلى التعامل مع شركات مثل تويتر ويوتيوب وفيسبوك بوصفها شركات للنشر، معتمدة بدلا من ذلك توصيفها بمنصات تدير المحتوى المنشور دون أن يسمح بمقاضاتها. ويقوم الأمر التنفيذي الجديد بأمرين أساسيين: أولا، يوجه وزير التجارة ليطلب من لجنة الاتصالات الاتحادية تقويم وضع القواعد، في جملة أمور، فيما يتعلق بمسؤولية شركات وسائل التواصل الاجتماعي. وثانيا، يشجع اللجنة الاتحادية للتجارة على دراسة الشكاوى المتعلقة بالتحيز والحم بما إذا كان من تقييد غير عادل لحرية التعبير تفرضه شركات وسائل التواصل الاجتماعي. وتعد لجنة الاتصالات الاتحادية ولجنة التجارة الاتحادية وكالتين مستقلتين وليستا ملزمتين بمتابعة طلب الرئيس. ومع ذلك، إذا حدث العكس، ونتج عن الأمر التنفيذي للرئيس ترامب قواعد تنفيذية وتنظيمية جديدة، ستلعب لجنة الاتصالات الاتحادية ولجنة التجارة الاتحاديةدور قوات الشرطة المسؤولة عن مراقبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المرجح ألّا يبقى هذا الأمر التنفيذي مدة طويلة، إذ قد تردّه المحاكم بموجب قانون آداب الاتصالات، أو بموجب التعديل الدستوري الأول. كما تساءل اختصاصيو القانون عما إذا كان الأمر ينتهك حقوق الشركات المستمدّة من التعديل الدستوري الأول في التحقق ممّا ينشر على منصاتها الخاصة. ويزعم الرئيس ترامب أن منصة تويتر تنتهك حقه في حرية التعبير. وفي هذا قدر كبير من المغالطة القانونية، لأن التعديل الأول للدستور يهدف إلى منع الكونغرس من الانتقاص من حرية التعبير. وعلى عكس الحكومة الاتحادية، لا تلزم تويتر بمبادئ التعديل الأول لأنها شركة خاصة. ولا شك أن المادة 230 من قانون آداب الاتصالات قد عفا عليها الزمن وتستحق إعادة النظر، إلّا أن النظر في تعديلها ينبغي أن يكون من شأن الكونغرس الأمريكي في المقام الأوّل.
ومع استمرار انتشار المظاهرات والاحتجاجات على امتداد الولايات المتحدة، استخدم الرئيس ترامب وسائل التواصل الاجتماعي ذاتها التي يستخف بها لتهديد المتظاهرين وحشد مؤيديه، مما زاد من حدة الانقسامات في البلاد. وفي 29 أيار / مايو، أخفى تويتر تغريدة للرئيس ترامب ووصفها بأنها «تمجد العنف». ففي أعقاب الاحتجاجات والمظاهرات وأعمال الشغب في مينيابوليس الناجمة عن مقتل جورج فلويد، غرد الرئيس ترامب على تويتر قائلا «عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار». وقد نجحت هذه التغريدة التحريضية المتعمدة التي تعود أصولها إلى رئيس شرطة ميامي العنصري الذي روّع أبناء البشرة السمراء من خلال أساليبه المعتمدة في ستينيات القرن العشرين بزيادة حدة التوترات. وفي ظل ما تعانيه أمريكا من ظلم عنصري مزمن، ووباء مدمر آنيّ، واستياء من سياساتها يثيره قادة العالم، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق شركات وسائل التواصل الاجتماعي كيلا تسمح باستغلال الجهات الحاقدة لمنصاتها سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها.