أوّل الكلام آخره:
- سعت زيارة الرئيس بايدن من 13 إلى 16 تموز (يوليو) إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية إلى طمأنة الحلفاء الإقليميين الرئيسيين القلقين بشأن التزام الولايات المتحدة بحمايتهم في مواجهة إيران.
- لم يعلن الرئيس أي رؤية استراتيجية شاملة للمنطقة، لكن الاجتماعات تناولت الحلول المحتملة لبعض القضايا والصراعات الإقليمية.
- بدا أن القادة الإسرائيليين استطاعوا تقريب الولايات المتحدة من موقفهم بشأن استخدام القوة لضمان ألّا تتمكن إيران من أن تصبح قوة عسكرية نووية.
- أسفرت اجتماعات القمة في المملكة العربية السعودية عن تعهدات غامضة بزيادة إنتاج النفط الخام وكذلك عن بعض الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف التي يحتمل أن تكون مهمة.
خلال الفترة من 13 إلى 16 تموز (يوليو)، زار الرئيس جوزيف بايدن حليفي الولايات المتحدة التاريخيين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في رحلة مثيرة للجدل تضمنت اجتماعات مع القادة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقمة مع قادة دول الخليج الست وثلاثة زعماء عرب آخرين. وقد سعت الرحلة إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الذين يعتريهم القلق من أن تقلص الولايات المتحدة حضورها في المنطقة على نحو يتركهم وحدهم في مواجهة قائمة من التهديدات المتزايدة: إيران وحلفائها الإقليميون مثل حزب الله وحماس، فضلا عن الجماعات الإرهابية الإقليمية، وانعدام الأمن الغذائي، وآثار الصراع الأهلي المستمر في سوريا واليمن. وصرح الرئيس بايدن في اجتماع القمة في 16 تموز (يوليو) الذي جمعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست (المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعمان) ومصر والأردن والعراق: «اسمحوا لي أن أعلن بوضوح أن الولايات المتحدة ستظل شريكًا نشطًا وملتزمًا في الشرق الأوسط». وكانت الزيارة تهدف أيضًا، جزئيًا على الأقل، إلى إقناع حلفاء الولايات المتحدة باتخاذ مواقف متناسقة مع مواقف الولايات المتحدة من الغزو الروسي لأوكرانيا وخفض مستوى انخراطهم الاقتصادي والأمني والسياسي مع روسيا. كما أعلن المسؤولون الأمريكيون أيضًا عن تعهدات جديدة بتقديم مساعدات لضمان الأمن الغذائي الإقليمي، الذي تعرض للخطر بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولم يعلن الرئيس بايدن أي رؤية استراتيجية أمريكية شاملة جديدة، وهي ما دعا إليه بعض الخبراء لتشكل منطلقا يمكن لحلفاء الولايات المتحدة والدول الإقليمية الأخرى التوافق حوله. وقبل الرحلة، ناقشت بعض الدول العربية إمكانية قيام الولايات المتحدة بتنظيم «حلف ناتو للشرق الأوسط» أو أي ترتيب استراتيجي مماثل لمواجهة التهديد المتزايد الذي تشكله جمهورية إيران الإسلامية. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين لم يعمدوا إلى إنشاء مثل هذا التحالف الإقليمي الواسع (باستثناء تعزيز عملية التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب)، فقد كرر الرئيس بايدن التصريحات الأمريكية السابقة بالقول في قمة 16 تموز (يوليو): «لن ننسحب ونترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران»، و«لن تسمح الولايات المتحدة للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب للخطر. ولن نتسامح مع جهود أي دولة للهيمنة على دولة أخرى في المنطقة من خلال التعزيزات العسكرية والتوغلات والتهديدات».
ولم يُعلن عن قيام تحالف واسع «مناهض لإيران» خلال الرحلة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن السعودية والإمارات منخرطتان في حوار مع إيران بهدف خفض التوترات الإقليمية. ولكن التهديد الذي تشكله إيران والخلافات حول الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 شكلت محور المناقشات في إسرائيل. على أن الرئيس بايدن في البيانات الرسمية والمقابلات الصحفية سعى على ما يبدو إلى التستر على الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول كيفية معالجة البرنامج النووي الإيراني المتوسع. كما صدر «إعلان القدس» المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل والذي تؤكد فيه الولايات المتحدة على التزامها بعدم السماح لإيران أبدًا بامتلاك سلاح نووي، وعلى استعدادها «لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان تلك النتيجة». ولم يشر المسؤولون الأمريكيون إلى أي نية لإنهاء المفاوضات الجارية مع إيران لاستعادة الاتفاق النووي، لكنهم لم ينتقدوا أيضا علنا أي عمل إسرائيلي أحادي ضد إيران، رغم أنه في اعتقادهم لن يشل بشكل دائم برنامج إيران النووي ولن يعزز الاستقرار الإقليمي.
واستخدم المسؤولون الأمريكيون المحطة الإسرائيلية لمحاولة إعادة بناء العلاقات مع قادة السلطة الفلسطينية الذين نبذوا خلال عهد إدارة ترامب. وقد التقى بايدن برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيت لحم وأدرج في إعلان القدس ما يلي: «يؤكد الرئيس بايدن من جديد دعمه الطويل الأمد والمتواصل لحل الدولتين وللتقدم نحو واقع يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء التمتع بمعايير متساوية للأمن والحرية والازدهار». وأعلن عن أكثر من 300 مليون دولار من المساعدات الأمريكية الجديدة للفلسطينيين ولوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) – بما يقف على حد النقيض من سياسة إدارة ترامب التي أوقفت إلى حد كبير المساعدات للفلسطينيين. ومع ذلك، لم يعلن الرئيس بايدن عن أي مبادرات أمريكية جديدة لإحياء محادثات الوضع النهائي الإسرائيلية الفلسطينية أو تحقيق آمال الفلسطينيين في أن يعلن عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وهي التي كانت قناة دبلوماسية أمريكية رئيسية للفلسطينيين.
على أن زيارة المملكة العربية السعودية كانت بلا شك المحطة الأكثر إثارة للجدل في الرحلة، في ضوء محاولات الرئيس بايدن السابقة عزل الزعيم الفعلي السعودي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لدوره في مقتل المعارض السعودي الصحفي جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018. وقد أكد الرئيس بايدن أنه تحدث عن مقتل محمد بن سلمان في 15 تموز (يوليو) في محاولة للتأكيد على إصرار الولايات المتحدة على الالتزام الإقليمي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فقد كان الهدف الرئيسي للرحلة، وإن حاول المسؤولون الأمريكيون التقليل من أهميته، إقناع المملكة والمصدرين الخليجيين الآخرين، مثل الإمارات العربية المتحدة، بضخ المزيد من النفط الخام في الأسواق العالمية. وقد تلقت الولايات المتحدة وعودًا غامضة من القادة السعوديين للمساعدة في ضمان استقرار سوق النفط العالمية، مما رفع التوقعات بأنه في اجتماعات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في الأشهر المقبلة، قد يُعلن عن زيادات في الإنتاج. على أن التصريحات السعودية في نهاية رحلة الرئيس بايدن عادت لتؤكد أن الطاقة الإنتاجية الاحتياطية السعودية، على المدى القريب على الأقل، أقل بكثير مما هو مطلوب لخفض أسعار النفط بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن الرحلة ركزت على الأهداف السياسية القصيرة المدى لا على المصالح الاستراتيجية، إلا أن الأطراف المختلفة توصلت إلى بعض الاتفاقات التي تسعى إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وكذلك للرد على منتقدي الانخراط مع محمد بن سلمان داخل الولايات المتحدة. وذكر البيان الرسمي، في محاولة لتهدئة المخاوف السعودية والخليجية بشأن التزام الولايات المتحدة بردع إيران: «أكدت الولايات المتحدة أنها ستسرع تعاونها مع المملكة العربية السعودية والشركاء الآخرين في المنطقة لمواجهة الأنظمة الجوية والصواريخ التي تهدد السلام والأمن في المنطقة… وعلى وجه الخصوص، تلتزم الولايات المتحدة بتطوير بنية دفاعية جوية وصاروخية أكثر تكاملًا وشبكات دفاعية إقليمية ومواجهة انتشار الأنظمة الجوية والمسيرات في أوساط الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تهدد السلام والأمن في المنطقة».
وقد حصل المسؤولون الأمريكيون على موافقة المملكة على فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات المدنية التي تطير من إسرائيل وإليها، وافتتحت رحلة الرئيس بايدن من إسرائيل إلى جدة ذلك المسار الجوي. كما تعهد القادة السعوديون للمسؤولين الأمريكيين «ببذل قصارى جهدهم لتمديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة [في اليمن] وتعزيزها بعد أن أدت إلى خمسة عشر أسبوعًا من السلام وهي أهدأ فترة في اليمن منذ سنوات، وترجمتها إلى وقف دائم لإطلاق النار وبدء العملية السياسية». كما وقع البلدان «إطار شراكة للنهوض بالطاقة النظيفة» ينص على استثمارات سعودية جديدة لتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة ومكافحة آثار تغير المناخ، فضلًا عن اتفاقيات ثنائية بشأن جهود الأمن السيبراني المشتركة والاستثمارات في البنية التحتية. كما أشاد الرئيس بايدن بالإنجازات على مستوى فطم العراق عن اعتماده على إمدادات الكهرباء الإيرانية من خلال اتفاقية لربط العراق بشبكة دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من أن الرحلة ربما لم تحقق جميع أهداف الولايات المتحدة، إلا أنها ربما أرست بعض الأسس لمزيد من الحوارات والاتفاقيات الثنائية التي يمكن أن تتكشف في الأشهر أو السنوات المقبلة.