أوّل الكلام آخره:
- أكدت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة أن النفوذ الإيراني في العراق يحتل مساحة واسعة في الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق.
- يعكس اتساع نطاق الحوار بين الولايات المتحدة والعراق الجهود التي تبذلها واشنطن لتمكين الدولة العراقية، بوصفه وسيلة للحد من النفوذ الإيراني.
- لم تحتل المعركة الأمريكية والعراقية المشتركة ضد داعش مكانة بارزة في المناقشات الأخيرة بين الولايات المتحدة والعراق، مما يشير إلى أن الكثيرين في الطرفين باتوا يعتقدون أن التنظيم لم يعد يشكل تهديدا وجوديا للعراق.
- يعد القادة الإيرانيون الإعلان الأمريكي العراقي عن إنهاء المهمة القتالية الأمريكية نجاحا لاستراتيجيتهم الرامية إلى توسيع نفوذهم وسيطرتهم الإقليمية.
في 26 تموز / يوليو، قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بزيارته الثانية إلى واشنطن لمناقشة الحضور العسكري للقوات الأمريكية في العراق، وذلك في إطار الجولة الرابعة والأخيرة من سلسلة الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق. وقد أعلن الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الكاظمي أن المهمة القتالية للقوات الأمريكية في العراق ستنتهي بنهاية عام 2021، مع انتقال القوات الأمريكية إلى تسلم «دور تدريبي واستشاري». كما وافقت الولايات المتحدة على تقديم 5.2 مليون دولار للمساعدة في تمويل بعثة الأمم المتحدة لمراقبة انتخابات العراق في تشرين الأول / أكتوبر وضمان نزاهتها وسط مخاوف من التهديدات الأمنية. وقبل اجتماع الكاظمي مع الرئيس بايدن، التقى كبار المسؤولين العراقيين مع نظرائهم الأمريكيين لمناقشة «المجالات الرئيسة ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مبادرات التعليم والصحة والثقافة والطاقة والمناخ»، وفقا لجنيفير بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض.
وشكل موضوع القضايا الأمنية، ولا سيما التهديد الذي تشكله الميليشيات المدعومة من إيران لحكومة الكاظمي، إحدى الموضوعات الرئيسة في الاجتماعات بين الولايات المتحدة والعراق. وخلال الاجتماعات الرفيعة المستوى بين الولايات المتحدة والعراق قبل عام 2019، احتلت المعركة المشتركة ضد داعش محور جدول الأعمال الأمني الثنائي. وعلى الرغم من انهيار الخلافة المزعومة عام 2019، إلا أن داعش لا تزال نشطة بما يكفي لإحداث تفجيرات في المدن العراقية، مثل الانفجار الذي وقع في مدينة الصدر في بغداد في 30 حزيران / يونيو، والذي قتل فيه خمسة وثلاثون عراقيا وجرح العشرات. وقد دفع تدهور قوات تنظيم داعش الكثيرين، بمن فيهم القادة الإيرانيون، إلى الاعتقاد بأن التنظيم لم يعد يشكل تهديدا وجوديا للحكومة العراقية، التي يرى البعض أن قواتها باتت قادرة على محاربة الجماعة المتطرفة بنجاح دون اللجوء إلى الكثير من المساعدات العسكرية الأمريكية.
وقد تحوّل تركيز جدول الأعمال الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق في تموز / يوليو 2021 في من تنظيم داعش إلى مسألة النفوذ الإيراني في العراق، حيث تقوم إيران بتسليح العديد من الميليشيات الشيعية العاملة خارج الهرمية القيادية العراقية الرسمية وتقديم المشورة لها، وهذه بدورها تسعى إلى تنفيذ أهداف طهران السياسية. وعلى الرغم من الهجمات المضادة العديدة التي شنتها إدارة ترامب، وبعض الردود الحركية منذ تولي الرئيس بايدن منصبه، لا تزال الميليشيات المدعومة من إيران دون رادع إلى حد كبير. وحتى مع جهود رئيس الوزراء الكاظمي لكبح جماح جماعات الميليشيا القوية، وإقدامه على اعتقال بعض قادة الميليشيات بتهم الإرهاب وعلى مداهمة مخازن الأسلحة، تواصل الميليشيات مهاجمة القوات والمنشآت الأمريكية بشكل دوري في محاولة لطرد القوات الأمريكية من العراق. ومن الجدير بالذكر أن مجموعة ميليشياوية شنت هجوما بطائرة مسيرة على قاعدة عراقية تضم قوات أمريكية قبل أيام فقط من اجتماع الكاظمي وبايدن.
وفي حين لم يعلن عن العدد المحدد للقوات الأمريكية التي ستسحب في أعقاب اجتماع بايدن والكاظمي، فإن التسويغ المعلن لإبقاء بعض القوات الأمريكية في العراق تمثّل في مساعدة القوات العراقية على منع عودة تنظيم داعش. ولكن الواضح أن الأساس المنطقي لتحويل المهمة الأمريكية من مهمة قتالية إلى مهمة تدريبية هو تقليص «مجموعة الأهداف» العسكرية الأمريكية المتاحة لهجمات الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. ومع ذلك، يصر القادة الإيرانيون وحلفاؤهم العراقيين الذين يدعون أن حضور القوات الأمريكية هو لمواجهة إيران، وليس لمواجهة تنظيم داعش، على أن يكون انسحاب الولايات المتحدة كاملا، حتى عندما يفسرون الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة مؤشرا على نجاح استراتيجيتهم للضغط العسكري على الحكومتين الأمريكية والعراقية.
وقد أكدت التصريحات الأمريكية التي رافقت الحوار الاستراتيجي على الأبعاد العديدة للعلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، مما يشير إلى أن إدارة بايدن ترى أن تعزيز الدولة العراقية وفعاليتها أمر أساسي للحد من النفوذ الإيراني في البلاد وفي جميع أنحاء المنطقة. ويتطلب تعزيز الدولة العراقية تحسين أداء الحكم العراقي، ونشر الإدراك السليم لمفهوم المواطنة بين العديد من الطوائف والأعراق في العراق، والحد من الفساد الرسمي، وتعزيز سيادة القانون والمجتمع المدني والصحافة المستقلة والرقابة الحكومية، وتنويع الاقتصاد العراقي. إن البرامج الأمريكية لتمكين الدولة العراقية كانت لها نتائج متباينة حتى اليوم. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت جهود الولايات المتحدة في المساعدة على بناء الدولة ستستمر بمستويات كافية مع تقليص حجم البعثة العسكرية الأمريكية في العراق. وفي الوقت نفسه، لا يحظى النفوذ الإيراني في العراق، الذي يطال اقتصاد العراق والحياة الدينية والقضايا الأمنية فيها، بشعبية كبيرة بين المواطنين العراقيين. إن تسليط الضوء على بعض التداعيات الضارة التي تخلفها إيران على حياة العراقيين ودعم تحسين أداء الحكم العراقي سيكون، من الوجهة الأمريكية، من العوامل الهامة في تقليص نفوذ إيران وضمان أن تتمكن الحكومة العراقية من خدمة شعبها. وعلى المدى الطويل، وبالنظر إلى الإرث السيء للحروب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق، من المرجح أن يكون مثل هذا النهج أكثر فعالية من الاستراتيجية الأمريكية القائمة على العمل العسكري المباشر.