أوّل الكلام آخره:
- تهيء موجة من العمل الدبلوماسي الأجواء لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة المتبادلة إلى الامتثال للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- تركز المناقشات الإقليمية على خلق مسار تقاربي بين إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
- يسعى القادة العراقيون إلى الاضطلاع بدور الوسيط بين طهران والرياض من أجل تعزيز نفوذ الدولة وإعادة الاندماج الإقليمي.
- تقوض محادثات المصالحة بين إيران والخليج الغاية الرئيسة لـ«اتفاقات إبراهيم» مع إسرائيل، فهذه المصالحة قد تعزل إسرائيل عن القضية الإيرانية.
في ظل إحراز المفاوضين عن الولايات المتحدة وإيران تقدما في المحادثات غير المباشرة في فيينا التي تهدف إلى العودة الكاملة للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015، يبدو أن بلدان المنطقة تعيد تموضعها. ففي الأسابيع الأخيرة، انتشر الدبلوماسيون الأمريكيون في جميع أنحاء المنطقة لبناء الدعم لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وتشكيل التحالفات الإقليمية بعد الاتفاق لصالح واشنطن. وتشير العودة إلى الاتفاق النووي إلى انعكاس حاد في مسار حملة «الضغوط القصوى» التي قادتها إدارة ترامب ضد إيران فضلا عن تخفيف حدة التوترات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية بشكل عام.
وبينما تدعم إدارة بايدن الاتفاق النووي، فإنها لا تنظر إلى النزاعات في اليمن وسوريا والعراق ودول أخرى على أنها ساحات قتال يمكن من خلالها مواجهة إيران. وترى دول الخليج الفارسي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، نفسها عرضة للتدخلات الإيرانية، دون أي ضغوط أمريكية كبيرة على إيران. ويبدو أن الدولتين قد أعادا بعض حساباتهما وتوصّلا إلى أن المحادثات مع إيران قد يسفر عنها بعض المكاسب كخفض التوترات في المنطقة، وربما حل بعض الصراعات الإقليمية التي استفادت منها إيران استراتيجيا.
ولعل الصراع الإقليمي الأقرب للحل هو الحرب الأهلية في اليمن. وبحسب ما ورد، ركزت جولتان من المحادثات السعودية الإيرانية في بغداد في نيسان / أبريل، والتي رعتها الحكومة العراقية، على الحلول الوسط المحتملة التي قد تمكّن القوتين الإقليميتين من التوقف عن شن حروبهما في اليمن. وتفيد مصادر بأن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سيزور الإمارات العربية المتحدة في منتصف أيار / مايو لإجراء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا الإقليمية، بما في ذلك قضية اليمن. ولا تزال الإمارات على شراكة مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنها سحبت قواتها البرية من الجبهات الرئيسة عام 2019. ويقال إن المحادثات الإيرانية مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تشمل أيضا مناقشة مفاوضات فيينا النووية، وتخفيف التوترات البحرية في الخليج، وإمكانية استعادة العلاقات الرسمية التي قطعت أوائل عام 2016 عقب إعدام السعودية للزعيم الشيعي السعودي المعارض نمر النمر.
وفي ظل توقع أن تنخفض حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، تهدف استضافة الحكومة العراقية للمحادثات السعودية الإيرانية إلى تحويل العراق من مجرد ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، كما كانت الإدارة الأمريكية السابقة تنظر إليه، إلى مركز للتعاون الإقليمي. وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الوطنية في تشرين الأول / أكتوبر، مثلت هذه المحادثات في بغداد مبادرة هامة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإظهار التزامه بإعادة إدماج العراق في الشؤون الإقليمية والعربية. وفي هذه المرحلة، قد تكون رعاية العراق للحوار رمزية أكثر من كونها ذات قيمة حقيقية، نظرا لقدرته المحدودة على الضغط على المملكة أو الجمهورية الإسلامية. ولا يزال السنة العراقيون الذين قد يتطلعون إلى المملكة العربية السعودية للحصول على التوجيه والمساعدة مهمشين سياسيا. ولا تزال الجهات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران تتحدى سلطة الحكومة العراقية، ومن المرجح أن تحتفظ باستقلالها الذاتي حتى لو توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن العودة إلى الاتفاق النووي.
كما أن العودة المحتملة إلى التنفيذ الكامل للاتفاق النووي الإيراني قد تعيد بعض الحسابات الإسرائيلية. وقد كانت «اتفاقات إبراهيم» التي أبرمت في أيلول / سبتمبر 2020، والتي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، آلية أطلقتها إدارة ترامب بهدف تشكيل تحالف عربي إسرائيلي متماسك ضد إيران. ومع انفتاح الخليج والدول العربية الأخرى اليوم على التقارب مع إيران، باتت اتفاقات إبراهيم من غير مسوّغ واضح، وقد يتراجع التحالف الضمني بين الخليج وإسرائيل، مما يجبر إسرائيل على العمل منفردة. ويصر قادة إسرائيل على أن دولتهم تحتفظ بحق التصرف عسكريا ضد البرنامج النووي الإيراني إذا رأت أن مثل هذا الإجراء ضروري. وفي الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة والدول العربية إلى خفض حدة التوترات مع طهران، من المرجح أن يسهم موقف إسرائيل في عزلها عزلة شبه كاملة في المنطقة ويسبب توترات حتى مع الولايات المتحدة، أقرب حليف وأقوى راع لها.