أوّل الكلام آخره:
- حاول المسؤولون الأمريكيون وحلفاؤهم جاهدين حشد دعم قادة الشرق الأوسط في مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا.
- تورط روسيا في الصراعات الإقليمية وموقعها بوصفها مصدرا رئيسيا للطاقة لا يشجعان العديد من قادة الشرق الأوسط على التخلي عن علاقاتهم مع الرئيس فلاديمير بوتين.
- يعمل بعض شركاء الولايات المتحدة مع روسيا للحد من إنتاج الطاقة العالمي وقد ترددوا في فرض عقوبات على روسيا.
- قد يؤدي رفض المنطقة للقطع الحاسم مع روسيا إلى تسريع «تمحور» الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة.
شعر القادة الأمريكيون والأوروبيون بشيء من خيبة الأمل بسبب رفض العديد من قادة الشرق الأوسط – ولا سيما أولئك الذين يعتمدون على مظلة أمنية أمريكية – النأي ببلدانهم بعيدا عن روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. على أن رد الفعل الإقليمي على الغزو كان متوقعًا في ضوء التقاطع بين المصالح الروسية ومصالح العديد من دول الشرق الأوسط. وكانت روسيا قد سعت إلى تعزيز نفوذها من خلال الانخراط في العديد من صراعات المنطقة، ووسعت علاقات الدفاع والطاقة مع العديد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. أما أوكرانيا فهي لا تعدّ قوة عالمية، كما أن نفوذها ضعيف في المنطقة، على الرغم من أنها مصدر لعدد من المواد الغذائية الضرورية، ومن أنها كانت في السنوات الماضية مصدرًا لتكنولوجيا الصواريخ من الحقبة السوفياتية.
وفي دائرة خصوم الولايات المتحدة، يدين الرئيس السوري بشار الأسد ببقاء نظامه للقوة الجوية الروسية. ولذلك فلا يبدو توصيف الأسد للغزو الروسي بأنه «تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن الذي فقد في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي» غريبا مع حاجة الأسد لضمان استمرار دعم موسكو. أما إيران فهي تشارك موسكو في النظرة للولايات المتحدة باعتبارها قوة مهيمنة عالمية وقوة جامحة عازمة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة من أجل إقامة ديمقراطيات موالية للغرب.
وتعرضت إسرائيل، أقرب حليف للولايات المتحدة في المنطقة، لانتقادات في وسائل الإعلام الأمريكية لترددها في إدانة هجوم روسيا. ومردّ ذلك يعود جزئيا إلى كثرة المواطنين المهاجرين من الاتحاد السوفياتي الذين لا تزال لهم ارتباطات شخصية وعائلية في روسيا، الأمر الذي ولد بعض التعاطف الإسرائيلي الشعبي مع الموقف الروسي. ومن الناحية الاستراتيجية، يريد القادة الإسرائيليون مواصلة العمل مع موسكو لضمان ألا يؤثر الصراع في سوريا، حيث تحتفظ موسكو بقوات تدعم الأسد، على أمن إسرائيل. كما تسعى إسرائيل للحصول على دعم روسي للحد من القدرات الإيرانية. وروسيا هي إحدى القوى التي تتفاوض لاستعادة الاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 والذي يضمن ألا يستخدم برنامج إيران النووي المدني لتطوير سلاح نووي.
ومن بين الدول العربية التي تتماشى بشكل وثيق مع السياسة الأمريكية، لم تدن مصر الغزو الروسي، واكتفت بالدعوة إلى الحوار لحل النزاع الروسي الأوكراني. وقد زادت مصر في الآونة الأخيرة من شراء الأسلحة الروسية بعد أن واجهت قيودًا على بعض مبيعاتها من الأسلحة الأمريكية بسبب انتهاكات مصر لحقوق الإنسان. كما انتقد المسؤولون الأمريكيون الإمارات العربية المتحدة، وهي شريك رئيسي للولايات المتحدة في الخليج، لامتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر في 25 شباط (فبراير) والذي يدين الغزو الروسي. وكانت الإمارات قد اتخذت هذا الموقف لضمان الحصول على دعم روسيا في مجلس الأمن لفرض عقوبات على جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتي تقاتلها الإمارات والسعودية في اليمن. كمان أن الإمارات العربية المتحدة ومصر يجمعهما تحالف مع روسيا في دعم خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا والذي يناهض للإسلاميين ويسعى، عسكريًا وسياسيًا، إلى تعزيز سيطرته على البلاد. وتريد مصر والإمارات أن تحتفظ موسكو ببعض القوات المتعاقدة مع مجموعة فاغنر في ليبيا في ظل ما ورد من إعادة نشر روسيا لأعداد كبيرة من مجموعة فاغنر والقوات الروسية النظامية من ليبيا وسوريا إلى الجبهات الأوكرانية.
وفي هذا السياق ينبغي الالتفات إلى نقطة أخرى مهمة، فالعديد من الدول في المنطقة، بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والجزائر والعراق وليبيا، هي أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، المتحالفة بشكل غير رسمي مع روسيا وعدد قليل من المنتجين الآخرين في كارتل أوسع يسمى «أوبك بلس». وقد ضغطت الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وكلاهما لديه طاقة إنتاج نفطية فائضة – لزيادة إنتاج النفط للتخفيف من الارتفاع العالمي في أسعار النفط المرتبط بأزمة أوكرانيا. ولكن السعودية والإمارات آثرتا الانضمام إلى الرئيس فلاديمير بوتين في معارضة زيادة كبيرة في إنتاج نفط أوبك بلس، وذلك في ظل توتر علاقات البلدين مع واشنطن بسبب العديد من القضايا، وفي ظل الرغبة في زيادة عائداتهما النفطية. كما تساءل المسؤولون الأمريكيون أيضًا عن السماح الإماراتي للأوليغارشية الروسية الخاضعة للعقوبات بإيداع أموالهم في الإمارات لتجنب المصادرة.
ولعل الرأي العام في الشرق الأوسط، إلى الحد الذي يمكن استخلاصه من وسائل الإعلام الإقليمية، يساعد أيضا في تفسير رفض قادة الشرق الأوسط القطيعة مع روسيا بعد غزوها أوكرانيا. وقد قارن بعض المعلقين بين فشل القادة الغربيين في تقديم دعم ملموس لانتفاضات «الربيع العربي» عام 2011 ضد الأنظمة المستبدة وأشكال الدعم العسكري والأوروبي الذي يقدمونه اليوم للدفاع عن أوكرانيا. ولاحظ معلقون آخرون أن الولايات المتحدة سوغت غزوها للعراق عام 2003، والذي قامت به دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، على نفس الأسس التي ذكرها الرئيس بوتين مسوغاتٍ لغزوه أوكرانيا. وفي كل الأحوال، قد يؤدي رفض المنطقة للقطع الحاسم مع روسيا إلى تسريع «تمحور» الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة، وهي نتيجة لا يرغب بها القادة المؤيدون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.