أوّل الكلام آخره:
- يغيب الشرق الأوسط عن حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مع بعض الاستثناءات.
- يعكس غياب الجدل الأمريكي حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الإجهاد العام إزاء التدخلات العسكرية الأمريكية الباهظة التكاليف في البلاد منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر.
- لم يؤثر تسهيل الإدارة الأمريكية لاتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى في الحملات الانتخابية.
- يشتد الخلاف بين الرئيس ترامب ونائب الرئيس السابق بايدن حول إيران وهي القضية الإقليمية الأكثر حضورا في الحملات الانتخابية.
في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، كانت قضايا السياسة الخارجية، وسياسة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، محورية في النقاش الأمريكي. أما خلال عام 2020، فيكاد الشرق الأوسط يغيب تماما عن نقاشات الحملات الانتخابية، باستثناء موضوع السياسة الأمريكية تجاه إيران، وباستثناء بعض الجدال حول تقليص القوات الأمريكية المعلن في كل من العراق وأفغانستان وهما البلدان اللذان تدخلت فيهما الولايات المتحدة عسكريا في أعقاب هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001. وتمثل عمليات الانسحاب هذه محاولة من ترامب للوفاء بوعوده الانتخابية عام 2016 والتي قضت بالحد من مشاركة الولايات المتحدة في «الحروب التي لا تنتهي» في المنطقة. وتأتي عمليات الانسحاب على الرغم من أن التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأمريكية لا تزال قائمة في كلا البلدين، وبعد وفاة أكثر من 7000 من العسكريين الأمريكيين وإنفاق ما لا يقل عن تريليوني دولار في هذين المسرحين.
ويعكس الغياب النسبي للشرق الأوسط عن مناقشات الحملات الانتخابية تصورا لدى الرأي العام الأمريكي مفاده أن التكاليف البشرية والمالية للتدخلات الأمريكية في المنطقة برمتها منذ هجمات 11 أيلول / سبتمبر لم تتوافق والمكاسب التي تحققت، وأن التدخل الأمريكي الواسع النطاق في المنطقة لم يعزز المصالح الأمريكية أو يحقق الاستقرار. وحتى بعد التدخلات الأمريكية، وصرف مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية على المنطقة، فإن منطقة الشرق الأوسط ظلت مسرحا للعديد من الدول الفاشلة والصراعات المستعصية، على ما عليه الحال في سوريا واليمن والعراق وأفغانستان ولبنان وليبيا. كما يبدو أن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني متباعدان اليوم أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من خمسين عاما من الدبلوماسية الأمريكية في محاولة لتحقيق «حل الدولتين». وتدرك المؤسسات السياسية والعامة في الولايات المتحدة جيدا أن حاجة الولايات المتحدة إلى موارد الطاقة في المنطقة أقل بكثير مما كانت عليه الحال قبل عشر سنوات.
ومن اللافت للنظر أن معاهد الأبحاث في واشنطن العاصمة (ثينك تانكس) التي تركز في أبحاثها على المنطقة لم تصدر تقارير تتضمن توصيات شاملة لاستراتيجية الولايات المتحدة الشاملة في الشرق الأوسط، كما كانت تفعل خلال المواسم الانتخابية الماضية. ويعكس الغياب الواضح لمثل هذه التقارير اعتراف الخبراء الإقليميين بأن المؤسسة السياسية الأمريكية لم تعد ترغب في استثمار الموارد المالية والدبلوماسية الهائلة اللازمة لإعادة هيكلة المنطقة بما يتوافق ومصالح الولايات المتحدة أو أنها عاجزة عن ذلك. ولم يلقِ الرئيس ترامب ولا المرشح الديمقراطي للرئاسة جوزيف بايدن خطابا في حملتيهما الانتخابيتين ليضع أي منهما من خلاله رؤية شاملة لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. ومع ذلك، يرى الخبراء أن كلا من روسيا والصين تتمدّدان بشكل متزايد في المنطقة وتضعفان النفوذ الأمريكي فيها. ويبرز مؤشر آخر على تراجع أهمية المنطقة وهو غياب التأثير الجليّ لاتفاقات التطبيع المبرمة في أيلول / سبتمبر بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى في الحملات الانتخابية. وكانت الإدارة الأمريكية قد أقامت حفل توقيع حظي بتغطية إعلامية كبيرة لما يسمى باتفاقات إبراهيم في البيت الأبيض في 15 أيلول / سبتمبر 2020، على أمل أن يكون ذلك بمثابة إعلان عن نجاحها في تحقيق بعض الاختراقات الدبلوماسية في المنطقة. بيد أن الانجاز الدبلوماسي لم يغير على ما يبدو مجرى الانتخابات الرئاسية ولم يثر نقاشا أوسع حول كيفية تحقيق الولايات المتحدة للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
ولعل القضية الإقليمية الوحيدة التي أثارت تباينات حادة هي قضية إيران، ولا سيما موقف الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي وقّع عام 2015. وقد ألغت إدارة ترامب الاتفاق في أيار / مايو 2018، لأن الاتفاق في زعمها لم يكن يركز إلا على البرنامج النووي الإيراني، ولأن تخفيف العقوبات قد تستخدمه إيران لتحدي المصالح الأمريكية. وقد وصفت إدارة ترامب إيران بأنها خصم هام لأمريكا لا يمكن مواجهة تحدياته إلا من خلال ممارسة حملة «الضغط القصوى» على الاقتصاد الإيراني وفرض عقوبات شاملة. وكانت إدارة أوباما تنظر إلى الاتفاق على أنه نتاج سنتين من الدبلوماسية مع إيران جعلتها ترجع خطوات في برنامجها النووي، وخففت من التهديد الاستراتيجي العام الذي تمثله إيران. وليس من المستغرب أن يكتب السيد بايدن، الذي كان نائبا للرئيس في عهد الرئيس أوباما، مقالة في 13 أيلول / سبتمبر 2020 يؤيد فيها الاتفاق ويلتزم العودة إليه مرة أخرى في حال إعادة انتخابه. وقد جذبت الخلافات الحادة اهتمام قادة إيران الذين يأملون أن تؤدي الانتخابات الأمريكية إلى تخفيف العقوبات التي تسببت في أضرار اقتصادية كبيرة، لكنها لم تنجح في جعل طهران تغير من استراتيجيتها الإقليمية.