أوّل الكلام آخره:
- كشف الصراع الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين نقاط الضعف الاستراتيجية لدى العديد من الدول العربية.
- لم تتمكن الدول العربية من منع الصراع أو احتوائه، على الرغم من الفعالية المفترضة للاتفاقات الأخيرة مع إسرائيل.
- أكدت مصادر أن الدبلوماسية القطرية قد لعبت دورا هاما في جهود وقف إطلاق النار، وأثبتت مصداقية استراتيجية الدوحة حول إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة في ظل النزاع.
- أظهر القتال وما نتج عنه من خسائر في الأرواح نقاط الضعف في قرار تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل.
كشف الصراع الأخير الذي استمر أحد عشر يوما بين إسرائيل والفلسطينيين عن نقاط ضعف في الاستراتيجية الإقليمية للدول العربية الكبرى. وقد بدأ الصراع في البداية بسبب احتجاجات مرتبطة بإخلاء الأسر الفلسطينية من بيوتهم في القدس الشرقية ورد الفعل العنيف للأجهزة الأمنية. وبعد تصاعد حدة العنف، استهدفت القوات الإسرائيلية الفصائل الفلسطينية المتشددة بقيادة حماس والجهاد الإسلامي في حملتها على غزة. وقد أحبطت الجهود الطويلة الأمد التي بذلتها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتقييد حماس وأيديولوجيتها الإسلامية المستوحاة من الإخوان المسلمين بسبب صمود حماس في القتال مع إسرائيل. وقد سعت الدول الثلاث جميعها إلى قمع المنظمات المحلية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وتقويض فروعها الإقليمية، فهي تعد الإخوان تهديدا للأنظمة العربية الراسخة والاستقرار الإقليمي. إلا أن هذه الدول فشلت حتى اليوم في الحد من قبضة حماس على قطاع غزة أو إضعاف عزمها على مقاومة أي اتفاق سلام مع إسرائيل. ولقد خرجت حماس من الجولة الأخيرة من القتال مع شعبية تفوق ما كان لها منذ تأسيسها في قلوب سائر الفلسطينيين والعرب.
كما فشلت الاستراتيجية المصرية والعربية الأوسع نطاقا في قطع العلاقة بين إيران والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة. وقد سعت مصر، وهي التي لطالما كانت في سلام مع إسرائيل وتحكمها قيادة أطاحت برئيس منتخب من جماعة الإخوان المسلمين عام 2013، إلى استخدام سيطرتها على حدود غزة لمنع وصول شحنات الأسلحة الإيرانية إلى المجموعتين المتشددتين. وقد يكون هذا الجهد قد أدى إلى تعقيد الجهود الإيرانية لشحن الصواريخ المجمعة والمطورة إلى الجماعات. غير أن حماس، وبدرجة أقل الجهاد الإسلامي، كانتا قادرتين على تكييف التكنولوجيا الإيرانية لتصنيع الأنظمة في غزة نفسها. وبحلول الوقت الذي اندلع فيه الصراع في أيار / مايو، كانت حماس والجهاد الإسلامي، قد جمعتا ترسانة من أكثر من 30,000 صاروخ، بعضها تمكن من ضرب شمال إسرائيل. وفي أعقاب الاحتجاجات على عمليات الإخلاء المخطط لها للأسر الفلسطينية في القدس الشرقية وغارة الشرطة الإسرائيلية على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، أطلقت الحركتان قناطر من هذه الصواريخ على المدن الإسرائيلية. وشهد الصراع الذي استمر أحد عشر يوما استهداف إسرائيل لقادة حماس وتدميرا للبنى التحتية لغزة. كما ألحق هذا الصراع تدميرا للعديد من المساجد وما يقارب عشرين مستشفى وعيادة صحية وأكثر من اثنتي عشرة مدرسة في غزة التي عانت أيضا من انقطاع في خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء. وقد أطلقت حماس نحو 4300 صاروخ باتجاه إسرائيل، اخترق حوالي 15 % منها منظومة القبة الحديدية المتطورة. وبالمقابل، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى نزوح أكثر من 77,000 مدني في قطاع غزة المكتظ بالسكان، والذي يقطنه حوالي 1.9 مليون شخص. وبضغط من إدارة بايدن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، توسطت مصر في وقف إطلاق النار في 20 أيار / مايو، لكن عقودا من الدبلوماسية المصرية، ومنها الجهود الدبلوماسية الأخيرة مع حماس، لم تحرز أي تقدم في التوصل إلى تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين.
كما أبان الصراع بين إسرائيل وغزة ضعف عنصر مهم في استراتيجية الإمارات العربية المتحدة، وهو عنصر إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل. فقد تلقت الإمارات العربية المتحدة تنازلات بسيطة من نتنياهو مقابل التوقيع على «اتفاقات إبراهيم» التي توسطت فيها الولايات المتحدة في أيلول / سبتمبر 2020، لكن الصراع بين غزة وإسرائيل في أيار / مايو، والذي أسفر عن أكثر من 230 ضحية فلسطينية و 12 إصابة إسرائيلية، أوضح أن أغلب هذه التنازلات الإسرائيلية كانت مجرد تنازلات شكلية. وكانت الفئة الأكبر من الضحايا من كلا الجانبين خلال النزاع من المدنيين. وعلى عكس حسابات القيادة الإماراتية، وحسابات العديد من القادة الإقليميين، أظهر الصراع في أيار / مايو أن القضية الفلسطينية لا تزال في المقدمة، كما أشار إلى أن القادة العرب الذين ينظر إليهم على أنهم قد تخلوا عن الفلسطينيين لصالح إسرائيل قد يدفعون ثمنا سياسيا باهظا. ولم تلغ أي من الدول الأربع التي وقعت على اتفاقات إبراهيم، أي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، التزاماتها بموجب الاتفاق نتيجة للقتال الأخير. ومن المرجح أن يتسبب الصراع الأخير في أن تفكر الدول العربية الأخرى، مثل عمان أو المملكة العربية السعودية، مليا قبل الانضمام إلى اتفاقات إبراهيم.
وتشير التقارير إلى الدور الفعال الذي لعبته قطر في جهود وقف إطلاق النار، ومصداقية استراتيجية الدوحة حول عدم إغلاق القنوات الدبلوماسية في ظل الصراع. وقد استبعدت قطر تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية دائمة، لكن الإمارة الثرية عملت ضمنيا مع إسرائيل لتوفير مئات الملايين من الدولارات مساعدات إنمائية وإنسانية لغزة. وقد رأت قطر وإسرائيل أن التمويل سيكون رادعا لحماس وغيرها من المنظمات المتشددة للانخراط في صراع كبير آخر مع إسرائيل. وعلى كل حال، أسهمت المساعدات والدبلوماسية القطرية في منع الاشتباكات على الحدود بين إسرائيل وغزة أو تهدئتها إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة. ولكن في ظل القتال الأخير، قدّرت كل من حماس والجهاد الإسلامي أن التصعيد العسكري، بالنظر إلى الأحداث في القدس، سيخدم مصالحهما الاستراتيجية والسياسية على حد سواء. ولتعزيز متانة جهود وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيسافر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، حيث سيعمل أيضا على حشد الدعم لإرسال مساعدات إنسانية إلى غزة. وقد يستمر وقف إطلاق النار، ولكن من المرجح أن يتسبب القتال في أن تعيد الدول العربية الرئيسة النظر في الافتراضات والسياسات الاستراتيجية التي فشلت في منع الحرب، أو تخفيف الخسائر في صفوف المدنيين، أو تشكيل جبهة فلسطينية موحدة يمكنها السعي إلى تسوية نهائية مع إسرائيل. وأخيرا، ستواجه الحكومة الائتلافية الهشة في إسرائيل تحديا في إحراز أي تقدم، مع مزيد من المراوغة في البحث عن حل طويل الأجل أكثر من أي وقت مضى.