أوّل الكلام آخره:
- تتنافس الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب من جهة وإيران من جهة على النفوذ في العراق، ولا سيما في عملية اتخاذ القرارات الحكومية العراقية.
- يسلط بيان مشترك بين الولايات المتحدة والعراق حول الحضور العسكري الأمريكي الضوء على الضغط الذي تمارسه طهران على الحكومة العراقية للحد من النفوذ الأمريكي.
- وفي داخل العراق، لا تزال الميليشيات المدعومة من إيران قوية ومهيمنة ولكنها تخسر الدعم الشعبي يوما بعد يوم بسبب تعدياتها المتزايدة على السكان.
- جدد عدد من حلفاء الولايات المتحدة جهودهم لممارسة النفوذ في العراق بهدف مواجهة النفوذ الإيراني، لكن لا تزال احتمالات نجاح هذه الجهود غير مؤكدة.
تعمل الولايات المتحدة ومعها الجيران العرب للعراق على مواجهة نفوذ إيران على عملية اتخاذ القرارات الحكومية العراقية. وفي المقابل، تعمل إيران من خلال شبكة واسعة من الميليشيات الشيعية المرتبطة بفيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وتواصل الضغط على العراق للبقاء ضمن مدارها وتحرض على شن هجمات ضد الـ 2500 عسكري أمريكي المتبقين في العراق. وفي آذار / مارس، وجهت بعض الميليشيات المدعومة من إيران تهديدا علنيا لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي ينظر إليه على أنه منحاز للولايات المتحدة. وبسبب تهديدات الميليشيات، طلب الكاظمي إجراء حوار استراتيجي آخر بين الولايات المتحدة والعراق، أجري عن طريق مكالمة فيديو في 7 نيسان / أبريل. وذكر البيان المشترك الصادر في ختام الحوار أن القوات الأمريكية في العراق ستنتقل إلى دور الداعم والمستشار فضلا عن «سحب أي قوات قتالية [أمريكية] متبقية من العراق، مع تحديد التوقيت لذلك في محادثات فنية قادمة».
كما توجه البيان لإيران من خلال التأكيد على أن «القواعد حيث يعمل عسكريو الولايات المتحدة والتحالف هي قواعد عراقية وأن حضورهم هو فقط لدعم جهود العراق في القتال ضد داعش». وتعبّر الصياغة بوضوح عن الرأي العراقي القائل بأنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تستغل حضورها في العراق لشن هجمات على إيران أو القوات المدعومة من إيران في العراق، كما فعلت إدارة ترامب، وعلى الأخص في الضربة التي شنتها وأسفرت عن مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني / يناير 2020. ويبدو أن الحكومة العراقية وإدارة بايدن يتفقان على أن العراق لا ينبغي أن يكون ساحة صراع للولايات المتحدة وإيران وأن الميليشيات المدعومة من إيران ستفقد شعبيتها في العراق من خلال تصرفاتها ودون الحاجة للتدخل ضدها. ويلوم العديد من العراقيين الميليشيات على انتشار الفساد، وعلى قمعها للمظاهرات الكبيرة المناهضة للحكومة في تشرين الأول / أكتوبر 2019، وعلى فشلها في الوفاء بالوعود المالية لأسر المجندين الذين لقوا حتفهم في القتال مع داعش.
وعلى الرغم من أن سياسة بايدن تمثل انقلابا على سياسة سلفه ترامب، إلا أن الأمر لا يخلو من متابعة سياسته في بعض القضايا ومنها العمل مع بعض الدول العربية الإقليمية لإبعاد العراق عن نطاق إيران وجلبه إلى الصف العربي. ففي أوائل نيسان / أبريل، زار الكاظمي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمناقشة زيادة التعاون الاقتصادي، بما في ذلك تطوير خطة طويلة الأمد تدعمها الولايات المتحدة لدول الخليج لتحل محل إيران في توريد الغاز الطبيعي للعراق. وخلال الاجتماعات التي عقدت في الرياض، وافق القادة السعوديون على تشكيل صندوق مشترك بقيمة 3 مليارات دولار للاستثمارات في البنية التحتية العراقية، ولا شك أن ايران عاجزة في الظروف الحالية عن تقديم عروض مغرية كهذه. ويزعم أن الإمارات تساعد العراق على تأمين سيطرة حكومية صارمة على المعابر الحدودية وتهميش قدرة الميليشيات الشيعية على سحب الإيرادات الجمركية للدولة. كما يزعم أن الأردن ومصر يواصلان المحادثات مع العراق بشأن التعاون الاستراتيجي والاقتصادي، وقد بدأت هذه المحادثات في السنة الأخيرة من إدارة ترامب ولكن يبدو أنها تحظى بدعم إدارة بايدن أيضا. وتتشارك قطر وبغداد في مناقشات حول تعزيز التعاون الاقتصادي، على الرغم من أن قطر تحتفظ بعلاقات مع إيران وأن مشاركتها مع العراق لا تهدف عمدا إلى تقويض النفوذ الإيراني في العراق.
ولكن لا يبدو أن الجهود العربية المتجددة لفصل العراق عن مجال النفوذ الإيراني ستنجح حيث فشلت المبادرات السابقة. فقد كانت الكويت تتعاون مع العراق على نطاق واسع ومستمر منذ الغزو الأمريكي عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين، لكن العلاقة لم تتجاوز إعادة بناء الثقة التي دمرها غزو العراق عام 1990. وسعت المملكة العربية السعودية مرارا وتكرارا إلى التعاون مع قادة شيعة عراقيين أقوياء، بما في ذلك استضافة رجل الدين القوي مقتدى الصدر في زيارة عام 2017. وربما تكون السعودية قد نجحت في الحد من المشاعر المعادية لها لدى أتباعه، لكنها لم تنجح في أن تجذبه، ولا غيره من القادة الشيعة العراقيين، إلى حلف يستجيب لمصالح عربية أوسع.
ويواجه نفوذ الدول العربية في العراق رياحا معاكسة تكمن في استمرار الاستياء الشعبي العراقي من رفض دول الخليج شن غارات جوية ضد مقاتلي داعش في العراق، وحصر عملياتهم الجوية في سوريا. وعلى النقيض من ذلك، تدخلت إيران فورا لمساعدة القوات العراقية المحاصرة بعد أن تسبب هجوم داعش في انهيار قوات الحكومة العراقية عام 2014. وقد يساعد الانخراط العربي مع القادة العراقيين على تهدئة التوترات الإقليمية وبناء جسور دبلوماسية إضافية إلى طهران. ولكن من الصعب تصور أن إدارة بايدن وحلفاءها العرب قد طوروا مسارا واضحا لإضعاف القبضة العميقة والمتعددة الأوجه التي تحتفظ بها إيران على الجهات الفاعلة الرئيسة ومراكز السلطة في العراق.