أوّل الكلام آخره:
- قد تدفع النكسات الأخيرة في ساحة المعركة التي أصابت حركة الحوثيين المدعومة من إيران التحالف العربي المناهض الذي تقوده السعودية إلى الاعتقاد بأن تحقيق نصر عسكري لا يزال أمرًا ممكنًا.
- أدى تقدم الحوثيين في وقت سابق حول مأرب إلى الضغط على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقبول تسوية سياسية مواتية للحوثيين.
- ترى المملكة العربية السعودية وشريكتها الإمارات العربية المتحدة الحرب ضد الحوثيين جزءا من صراع أوسع ضد النفوذ الإيراني في المنطقة، بما في ذلك في لبنان.
- يوسّع الحوثيون دائرة الحرب من خلال شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على الإمارات، في محاولة لإخراج الإماراتيين من الصراع اليمني.
خلال شهر كانون الثاني (يناير)، حقق التحالف العربي بقيادة السعودية والداعم للحكومة اليمنية ضد الحوثيين المدعومين من إيران إنجازات كبيرة وغير متوقعة في ساحة المعركة قد تغير حسابات مختلف أصحاب المصلحة في الصراع. وكانت الامارات العربية المتحدة، أحد الفاعلين الرئيسيين في التحالف، قد سحبت في عام 2019 قواتها البرية من الجبهات الرئيسية حول ميناء الحديدة الرئيسي مما حرم القوات السعودية من القدرات البرية الإماراتية الكبيرة. وكان ذلك نتيجة لتعثر المجهود الحربي وتصاعد الانتقادات الدولية غير المسبوقة بشأن الضحايا المدنيين. وبحلول منتصف عام 2021، بدت قوات الحوثي على وشك الاستيلاء على محافظة مأرب المركزية، وهو انتصار كان من شأنه أن يحسم الصراع بهزيمة التحالف السعودي الإماراتي. وبنتيجة ذلك جرى الضغط على الأمير محمد بن سلمان، الذي تدخل في عام 2015 متنبأً بالنصر في غضون «أسابيع»، للاعتراف بالفشل وقبول دور كبير للحوثيين في حكومة اليمن المقبلة. ومع ذلك، وعلى الرغم من وقف محدود لإطلاق النار وتبادل الأسرى مع الحوثيين، رفض محمد بن سلمان والزعيم الفعلي للإمارات محمد بن زايد آل نهيان باستمرار القبول بتسوية سياسية أوسع، فقد رأيا في مثل هذه التسوية تطورا مذلا لكليهما، كما أنه يجبرهما أيضًا على القبول بتوسيع إضافي للنفوذ الإقليمي الإيراني – وهو ما تخشاه الرياض وأبو ظبي. وكان الاثنان قد جمعا التحالف العربي في عام 2015 ضد الحوثيين بهدف معلن هو «دحر» إيران التي كانت قد باتت تسيطر بحكم الأمر الواقع على عدد من «العواصم العربية» – في إشارة إلى بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، عاصمة اليمن. التي استولى عليها الحوثيون في 2014.
ولكن الإمارات لم تقتنع بخسارة الحرب، فانخرطت في القتال من جديد وأعيد تنظيم الشراكة السعودية الإماراتية. وفي مطلع كانون الثاني (يناير)، أعيد انتشار تشكيل مسلح يمني مدعوم من الإمارات، يُدعى لواء العمالقة، وزجّ به في معركة مأرب، ونجح في طرد الحوثيين من محافظة شبوة الجنوبية. أدى هذا الانتصار إلى تقييد خطوط الإمداد الحيوية للحوثيين حول مأرب، وفي الأسابيع اللاحقة، بعد أن تلقى هذا اللواء دعما قويا عبر ضربات جوية سعودية وإماراتية واسعة النطاق، تقدم بشكل أكبر. في أواخر كانون الثاني (يناير)، سيطرت القوات الموالية للحكومة على معظم منطقة حارب، بما في ذلك بلدة حارب نفسها، مما قد ينهي أي احتمال لسيطرة الحوثيين على مأرب.
وقد تكون لهذه النجاحات غير المتوقعة تداعيات كبيرة على التحالف العربي والمنطقة الأوسع. ولعل الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة التي شنها الحوثيون على أراضي الإمارات العربية المتحدة كانت أولى هذه التداعيات على المدى القريب. وقد ورد أن بطاريات الدفاع الصاروخي التي زودتها الولايات المتحدة تمكنت من اعتراض بعض هذه الهجمات التي أقر قادة الحوثيين بمسؤوليتهم عنها، مستخدمين لغة مماثلة لتلك المستخدمة من قبل مؤيديهم في طهران – مؤكدين أن المباني الزجاجية الفخمة في الإمارات هي أهداف سهلة. وبدا أن ضربات الحوثيين تشكل محاولة متعمدة لإجبار الإمارات على الانسحاب من جبهات مأرب، إن لم يكن من الصراع بالكامل، وهي تظهر أن الانتكاسات الميدانية لن تجبر الحوثيين على قبول تسوية بشروط سعودية-إماراتية، بل ستدفعهم إلى توسيع دائرة الحرب خارج اليمن.
على أن السؤال المهم الآن يكمن في الاتجاه الذي ستسلكه استراتيجية محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في اليمن وكذلك في المنطقة الأوسع. والأرجح أن الزعيمين لن يستفيدا من التقدم في ساحة المعركة لتسوية الصراع بشروط مواتية لهما، بل، سيعمدان، بناءً على سلوكهما السابق، إلى النظر إلى النجاحات العسكرية مسوّغا لرفض مقترحات التسوية ودافعا لمواصلة الصراع حتى النصر. وقد يجد الزعيمان الخليجيان الدعم في التعليقات التي أدلى بها بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 27 كانون الثاني (يناير)، والتي قال فيها: «على مدار العام الماضي، دعم السعوديون مبادرات الأمم المتحدة… لإنهاء الحرب. أما الحوثيون فقد ردوا على تلك المبادرات بشن هجوم واسع داخل اليمن… يتطلب الأمر اثنين للوصول إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والآن يقع العبء على الحوثيين».
وقد بدأ محمد بن سلمان، فيما يبدو أنه محاولة لاستخدام الانتصارات في اليمن للضغط على النفوذ الإقليمي الإيراني في أماكن أخرى، في الضغط على القادة اللبنانيين للانفصال بشكل حاسم عن حزب الله – أقرب وأقوى حليف إقليمي لإيران. ولا شك في أن محمد بن سلمان هو من خطط إعلان حليفه الرئيسي في لبنان، رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، في أواخر كانون الثاني (يناير)، أنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية اللبنانية المقبلة بسبب نفوذ إيران هناك، وهو أمر طُلب منه أيضًا في عام 2017 خلال زيارته الغامضة للمملكة العربية السعودية آنئذ والتي لامست حد الاختطاف. وفي وقت لاحق، دبر محمد بن سلمان وحلفاؤه مبادرة دول الخليج – وهي مبادرة من غير المرجح أن تنجح – لإجبار القادة اللبنانيين على حل حزب الله على الفور. ويخشى بعض الخبراء من أن النجاح في اليمن قد يدفع بن سلمان إلى العودة إلى السلوكيات العنيفة الشاذة التي أظهرها في الماضي. ومن الأمثلة البارزة على تلك السلوكيات قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، وعزل قطر (بالاشتراك مع محمد بن زايد) خلال 2017-2021. وبغض النظر عما يقرره محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فإن القادة الإيرانيين – الذين لا يبدو أنهم مهتمون بالتسوية في اليمن أكثر من اهتمام الزعيمين الخليجيين – سيردون على انتكاسات الحوثيين بطرق قد تغير ساحة المعركة مرة أخرى وتعقد الخيارات المتاحة لمختلف الأطراف.