أوّل الكلام آخره:
- في 6 كانون الثاني / يناير، اعتدى حشد من المتمردين على ضباط الشرطة مقتحمين مبنى الكابيتول الأمريكي بتشجيع من الرئيس ترامب.
- تعد حراسة مبنى الكابيتول الأمريكي ومنطقة مجمع الكابيتول المحيطة به مهمة صعبة على الدوام في ظل تحديات لوجستية متعددة فضلا عمّا للمكان من رمزية.
- لم تكن شرطة الكابيتول على استعداد للتعامل مع المجموعة العنيفة من الغوغاء، على الرغم من أن المتمردين قد أعلنوا خططهم منذ أسابيع.
- في الأسابيع المقبلة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تحقيق متعمق وغير متحزب في الإخفاقات الأمنية التي لا تعد ولا تحصى في مواجهة تمرد 6 كانون الثاني / يناير.
توفي خمسة أشخاص خلال حصار أنصار الرئيس ترامب لمبنى الكابيتول الأمريكي. وكان من بين القتلى شرطي من شرطة الكابيتول. وقد ترك مبنى الكابيتول في حالة من الفوضى والدمار، كما سجّلت عدة حالات سرقة لبعض الأجهزة. وكان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ بكثير، فقد اكتشف عدد من القنابل، وزجاجات المولوتوف، وغيرها من المعدات الحارقة، كما ظهرت بعض صور المتسللين بأصفاد مرنة أو «أربطة سلكية». كما قبض على آخرين بحوزتهم أسلحة نارية. ومن الصعب المبالغة في مدى الضرر الذي تسببت به أحداث 6 كانون الثاني / يناير 2020 على الديمقراطية الأمريكية والنسيج المجتمعي الأمريكي. وقد حرض رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أصحاب نظريات المؤامرة ومروّجيها وجماعات العنصريين البيض والمتطرفين اليمينيين وغيرهم من المناهضين للدولة من مؤيديه إلى «القتال» و «إظهار القوة» و «استعادة البلاد». وكان الهدف من نزول الحشود إلى شوارع واشنطن العاصمة محاولة قلب نتائج انتخابات حرة ونزيهة، على الرغم من أن جميع الدعاوى القانونية قد أبطلت. وتمثل صور الغوغاء الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد شرطة الكابيتول، أو في أماكن أخرى، والذين واجهوا مقاومة ضئيلة على ما يبدو، فشلا أمنيا هائلا، وخاصة بالنظر إلى أن كثيرا من الخبراء كانوا قد توقعوا مثل هذه الأعمال. ويتطلب هذا الحدث الواقع بعد عقدين من هجمات 11/9 تقويما عاجلا وصادقا لكيفية تحديد الولايات المتحدة للتهديدات الأمنية التي تواجهها. وأخيرا بعد احتواء التهديد، ستبرز تداعيات خطيرة على التخطيط الأمني مستقبلا، بما في ذلك التخطيط لسيناريوهات مكافحة الإرهاب وكيفية ضمان استمرارية عمل أجهزة الدولة في مواجهة أي تهديد مشابه.
وحتى في أفضل الأوقات، تعد حراسة مبنى الكابيتول الأمريكي ومحيطه مهمة صعبة في ظل تحديات لوجستية فريدة فضلا عن رمزية المكان. فالأرض التي شيّد عليها مبنى الكابيتول مفتوحة نسبيا، في حين أن الدخول إلى الكابيتول نفسه مقيد للغاية. ومن المعروف أن شرطة الكابيتول الأمريكية، التي تتمتع بميزانية قدرها 430 مليون دولار وفيها 2,300 من العناصر المحلفين والموظفين غير المحلفين، مسؤولة عن الحفاظ على أمن المباني وسلامة جميع الموجودين داخل المنطقة. كما أن شرطة الكابيتول على دراية وخبرة بالتعامل الاحتجاجات، الكبيرة والصغيرة على حد سواء، ولا تكاد تخلو الأرصفة على الجانب الشرقي من المجمع من مجموعات صغيرة أو أفراد محتجين، على الرغم من أن معظمها احتجاجات غير عنيفة. إن الاحتجاجات من أي نوع داخل مبنى الكابيتول ممنوعة منعا باتا على نحو صارم، على الرغم من حصول بعض المشادات الكلامية أحيانا وبعض الصراخ خلال جلسات الاستماع أو بعض الاعتصامات السلمية أو تعمّد لبس ملابس تحمل رسائل سياسية.
ومما لا شك فيه أن شرطة الكابيتول مدربة تدريبا جيدا ومجهزة لمواجهة أي هجوم مسلح على المجمع، ولكن على ما يبدو تقع كل هذه التجهيزات لمواجهة الاحتجاجات التقليدية التي تصادفها عادة والتهديد الفوري الذي قد يتطلب قوة قاتلة. وقد توقعت قيادة شرطة الكابيتول هجوم مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني / يناير الذي ارتكبه الغوغاء ورغم ذلك فإنها للأسف لم تكن مستعدة على نحو كاف. ولم يكن فشلها في مواجهة حادث 6 كانون الثاني / يناير فشلا استخباريا، فالتخطيط لحدث «أوقفوا سرقة الانتخابات» امتدّ لشهرين وقد ناقشته وسائل الإعلام الاجتماعية والتقليدية وروجت له على نطاق واسع، وتوقع حدوثه مجموعة واسعة من الخبراء والوكالات الأمنية. وقد حث الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين المنتخبين مرارا وتكرارا المؤيدين للذهاب إلى مبنى الكابيتول و«القتال». وعلى الرغم من أن هذا التمرد يعد أكبر حدث جرى التخطيط له علنا في التاريخ الحديث، إلا أنه قوبل بأكثر رد فعل فاشل تاريخيا. وقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي الخطط المنشورة في بعض الحسابات ذات التأثير الواسع، وكذلك في حسابات بعض الشخصيات التي تروج للمؤامرة. ولكن الحديث المتداول عن أن نشر الحرس الوطني الأمريكي كان ضروريا مع تحول الاحتجاج إلى أعمال شغب ليس في محله فهذه الوحدات ليست قوات تدخل سريع، وإذا أريد نشرها فقد كان ينبغي فعل ذلك قبل الحدث وليس بعد فوات الأوان. وتبرز مخاوف مشروعة من العسكرة المفرطة في مواجهة الاحتجاجات السلمية، وبعضهم أثار مسألة تردّد الشرطة في الضرب بيد من حديد على نحو ما رأينا في مواجهة احتجاجات »حياة السود معتبرة« العام الماضي. وعلى أي حال، كان الحديث واسعا على شبكات التواصل عن نية الأفراد والجماعات التي نزلت إلى الكابيتول تخريب العملية الديمقراطية والانخراط في العنف.
وكان من المفترض نصب حواجز كبيرة لإبقاء الآلاف من الناس على مسافة معينة من المبنى حيث كان الكونغرس على وشك التصديق على تصويت الهيئة الانتخابية. ولا يتلخّص الفشل في مواجهة التحديات الأمنية المعقدة بنقطة واحدة، ولكن إذا كان من اللازم ترشيح نقطة واحدة لتكون سببا أساسيا للفشل فقد تكون الفشل في نصب حواجز حقيقية لا مجرّد سياجات شبكية ضعيفة وعلامات معدنية قابلة للتحريك. ومع ضغط الآلاف من الناس على المبنى، وجد ضباط الشرطة أنفسهم أمام خيارين، إما استخدام القوة المميتة ضد تهديد واضح ولكنه ليس قاتلا على الفور أو التراجع. وقد كان من الممكن تجنب الوصول إلى مثل هذا الموقف. وقد لاحظ الخبراء أنه في العديد من الحالات التي تعقب حوادث خطيرة مثل هذه، تظهر إحاطات صحفية على مدار الساعة من الأجهزة الأمنية، على خلاف هذا الحدث الذي اختفت فيه هذه الإحاطات. وهذا قد يعيق قدرة الأجهزة الأمنية على تقديم الجناة إلى العدالة. وفي الأسابيع المقبلة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى تحقيق متعمق وغير متحزب في الإخفاقات الأمنية التي لا تعد ولا تحصى في مبنى الكابيتول، وإلى التأكد من محاسبة أولئك الذين خرقوا القانون. وينبغي أن يكون كل ذلك سريعا وحاسما لضمان التمسك بسيادة القانون ولكي يدرك أولئك الذين يخططون للعنف في المستقبل أن لا إفلات من العقاب. ومن دون تدقيق شفاف بجميع الأخطاء، ستظل البلاد والكابيتول عرضة للحوادث المستقبلية من هذا النوع، والتي قد يكون حفل التنصيب المقبل للرئيس المنتخب جو بايدن ونائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس مسرحا لها.