أوّل الكلام آخره:
- في أواخر الأسبوع الماضي، أعلن رئيس فنلندا ورئيسة وزرائها بشكل مشترك عن نية هلسنكي المضي قدمًا في طلبها للانضمام إلى الناتو، وهي خطوة، إذا اكتملت، ستكون هدية كبيرة للتحالف عبر الأطلسي.
- لعل بوتين كان يراهن على غزو قوي وسريع لأوكرانيا يكون من شأنه أن يخيف الناتو والدول الأخرى على أطراف روسيا، ولكن الأداء الضعيف للجيش الروسي عزز العزيمة الغربية.
- إن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو هو مجرد نتيجة أخرى غير مقصودة لخطأ بوتين الفادح الذي كان من تداعياته تغيير البنية الأمنية الأوروبية بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل.
- لكن توسيع حلف الناتو ليس سهل المنال، إذ لا يبدو أن جميع الأعضاء يفضلون توسيعًا إضافيًا للحلف، وهو ما عبر عنه مؤخرًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
في أواخر الأسبوع الماضي، أعلن رئيس فنلندا ورئيسة وزرائها معًا عن نية هلسنكي المضي قدمًا في طلب انضمامها إلى حلف الناتو. وأعلن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو أن «فنلندا يجب أن تتقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو دون تأخير»، ويعكس ذلك رغبة شعبية واسعة حيث يدعم ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان الانضمام إلى الحلف. وتعد أرقام الاستطلاعات لافتة بالنظر إلى أنه، قبل ستة أشهر فقط، كان حوالي خمس سكان البلاد فقط يدعمون مثل هذه الخطوة. وقد دفع الغزو الروسي لأوكرانيا دولًا مثل فنلندا والسويد إلى المضي قدمًا في السعي للانضمام إلى الناتو. وسيكون انضمام فنلندا إلى الناتو هدية كبيرة للحلف، حيث ستجلب هلسنكي معها مهارات عسكرية كبيرة، بما في ذلك قدرات استخباراتية قيّمة، وقوات مسلحة حديثة، ومعرفة عميقة بكيفية عمل روسيا، بالنظر إلى التاريخ والجغرافيا. وقد حذت السويد حذوها بتقديم طلبها الخاص للانضمام إلى الناتو، ولا شك أن ستوكهولم ستجلب أيضا قدراتها العسكرية والتقنية القيمة إلى الحلف.
ومن المؤكد أن هذا السيناريو هو عكس ما كان يبتغيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو بلا شك استراتيجي عسكري بارع. والظاهر أن بوتين استند إلى النجاحات الروسية السابقة في جورجيا وشبه جزيرة القرم، وظن أن غزوه أوكرانيا في شباط (فبراير) لن يواجه سوى مقاومة ضعيفة نسبيًا، وسيرهب ذلك الناتو وسائر الدول في المجال الحيوي لموسكو. ولكن الأداء الضعيف للجيش الروسي في ساحة المعركة عزز العزيمة الغربية، وشوه صورة الكرملين في أجزاء كثيرة من العالم، وأدى إلى قيود اقتصادية وجيوسياسية شديدة سيكون لها آثار سلبية كبيرة على مكانة روسيا العالمية. لقد دفع سلوك بوتين الخاطئ وعدوانه الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في سياساتها وبناها الأمنية. وقد قوبل تحرك فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو برد خافت نسبيًا من بوتين، على الرغم من أنه حذر من أن بناء البنية التحتية العسكرية في أي من هذين البلدين سيدفع روسيا إلى الرد.
إن انضمام فنلندا – وربما السويد – إلى حلف الناتو هو مجرد نتيجة أخرى غير مقصودة لخطأ بوتين الفادح، الذي كان من تداعياته تغيير البنية الأمنية الأوروبية بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل. فقد غيرت ألمانيا موقفها العسكري ووافقت على زيادة الإنفاق على الدفاع، في حين اتخذت دول أوروبا الشرقية المؤيدة عادةً للكرملين، مثل بلغاريا، خطوات جذرية لتصبح أقل اعتمادًا على إمدادات الطاقة الروسية. ومع ذلك، لا تزال داخل الناتو دول يصعب إقناعها. فقد قالت إيطاليا إنها تعتزم دفع ثمن الغاز الروسي عبر آلية تدعم الروبل، العملة الروسية، على الرغم من أن القيام بذلك يعد انتهاكًا للعقوبات. أما في المجر، فيخرق رئيس الوزراء فيكتور أوربان الإجماع الأوروبي بشأن حظر تدريجي على النفط الروسي. كما منعت بودابست نقل الأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا عبر الأراضي المجرية. وقد حاولت المجر باستمرار اللعب على الحبلين في الصراع القائم، وانتزاع التنازلات من الاتحاد الأوروبي مع الحرص على ألا تستعدي روسيا، وهو الموقف الذي أدى إلى حدوث مشاكل بين المجر وبولندا.
ومع ذلك، فإن توسيع حلف الناتو ليس سهل المنال، إذ لا يبدو أن جميع الأعضاء يحبذون توسيعًا إضافيًا للحلف. وقد صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بمعارضة أنقرة لانضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، معلقاً أن «الدول الاسكندنافية مثل بيوت ضيافة للمنظمات الإرهابية. بل إنهم يشاركون في برلماناتهم. وفي هذه المرحلة، ليس من الممكن بالنسبة لنا أن ننظر إلى الأمر بإيجابية». وتشير تعليقات أردوغان إلى شكاوى سابقة له تتعلق بحصول أعضاء الجماعات المسلحة الكردية التي تواجه تركيا يحصلون على ملاذ آمن في دول مثل فنلندا والسويد. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعارض فيها أردوغان مع سائر الحلفاء داخل الناتو. فقد أدى قرار تركيا شراء نظام الصواريخ S-400 من روسيا إلى طرد أنقرة من برنامج F-35 وفاقم التوترات الحالية. لكن منذ بداية الحرب في أوكرانيا في شباط (فبراير)، نأت تركيا بنفسها عن موسكو بينما كانت تسعى في السابق إلى الحفاظ على دور متوازن والتحرك بحذر للحفاظ على شرعيتها ومكانتها بوصفها محاورا موثوقا به.
وقد شجعت الشبكات المدعومة من روسيا أو المتحالفة معها روايات التضليل المناهض لحلف شمال الأطلسي ونظريات المؤامرة والتي سبقت الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022، بما في ذلك تسويغ الحرب الروسية على أوكرانيا بجعلها نتيجة لـ «توسع الناتو» و«عدوانه». وقد صممت العديد من الروايات المناهضة لحلف شمال الأطلسي لجذب الجماهير عبر الإنترنت في السويد وفنلندا، أبرزها الروايات التي تصور الناتو على أنه «تحالف حرب» أو أنه «منظمة إرهابية»، والتي ترفق عادة بصور من الحروب في البلقان وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. وتخدم الروايات الأخرى المناهضة لحلف الناتو المتطرفين اليمينيين من أصحاب نظريات المؤامرة، بما في ذلك العنصريون البيض، من خلال الحديث عن مسؤولية الناتو عن تدفق المهاجرين إلى أوروبا ودول الشمال. ولكن التحليل الأولي يشير إلى أنه، حتى الآن على الأقل، لا يبدو أن أيًا من روايات التضليل المناهض لحلف شمال الأطلسي المدعومة من روسيا لقيت صدى واسعا بين جمهور الإنترنت السويدي أو الفنلندي على نحو مقلق. وعلاوة على ذلك، تتمتع الوكالات الحكومية السويدية والفنلندية بخبرة جيدة في تتبع حملات التضليل الروسية وتحليلها والتصدي لها، وهي قيمة مضافة للتحالف إذا انضمت هاتان الدولتان إلى الناتو.