أوّل الكلام آخره:
- تعكس زيارات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لإيران والسعودية والولايات المتحدة وعلاقاته بهذه الدول مساعيه للموازنة بين هذه الدول ذات المصالح المتعارضة في العراق.
- تسعى الولايات المتحدة والسعودية إلى إبعاد العراق عن الفلك الإيراني وشبكه بعمقه العربي.
- أعادت مجريات زيارة الكاظمي إلى إيران توكيد الإصرار الإيراني على خفض بغداد للحضور الأمريكي المسلّح في العراق.
- ويبدو بالفعل أن الولايات المتحدة عازمة على تقليص حضورها العسكري في العراق، رغم أن ذلك قد يعني تضاؤل نفوذها السياسي أيضا.
في تمّوز / يوليو 2020 كثّف رئيس الوزراء العراقيّ الجديد مصطفى الكاظمي جهوده لتعزيز سيادة العراق واستقلاله عبر الاتّصال المباشر بالقوى الثلاث المتنافسة اليوم على أرض العراق: الولايات المتحدة وإيران والسعودية. وكان من المقرّر أن يزور الكاظميّ السعودية في 20 تمّوز / يوليو عقب استقباله وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، ولكن مرض العاهل السعودي الملك سلمان، وربما ارتياب السعودية وتشكيكها بدوافع الزيارة أيضا، دفع إلى تخفيض مستوى الزيارة من زيارة لرئيس الحكومة إلى زيارة لمجموعة من الوزراء العراقيين.
وفي 21 تموز / يوليو زار الكاظمي إيران، حيث عمد السيد الخامنئي، قائد إيران، إلى استغلال الزيارة لإعادة توكيد العزم الإيراني على الضغط على العراق لطرد القوات الأمريكية. وقال الخامنئي: «إن الجمهورية الاسلامية الايرانية تتوقع متابعة قرار الحكومة والشعب والبرلمان في العراق لاخراج الاميركيين لان حضورهم مزعزع للامن». وهدد الخامنئي أيضا الأمريكيين بالتأكيد على مواصلة المجموعات العراقية المسلّحة (المدعومة من إيران) ضرباتها للأمريكيين انتقاما للغارة الأمريكية في 3 كانون الثاني / يناير 2020 والتي شنّت بالقرب من مطار بغداد وأودت بحياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورفاقه وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس. واضاف الخامنئي مخاطبا رئيس الوزراء العراقي: «لقد قتلوا ضيفكم في بيتكم واعترفوا صراحة بجريمتهم وهذه قضية ليست صغيرة». واكد بان الجمهورية الاسلامية الايرانية لن تنسى هذه القضية ابدا ومن المؤكد انها ستوجه الضربة للاميركيين بالمقابل. أمّا الكاظمي فقد حمل جوابه الدبلوماسي بعض الغموض، ولكنه أكد على أنه يرفض رفضا قاطعا استخدام تراب العراق لاستهداف إيران. وقد عزّزت إيران رسالتها عبر مجموعة من الهجمات التي شنتها بعض المجموعات العراقية الموالية على القوات الأمريكية أثناء الزيارة وبعدها.
ورغم أن زيارة الكاظمي للسعودية قد لا ترى النور، فإن الولايات المتحدة والسعودية موحّدتان في عزمهما على إبعاد العراق عن الفلك الإيراني وشبكه بعمقه العربي. وعبر السنوات لم تكتف السعودية بنسج العلاقات داخل المجتمع السياسي السني في العراق، بل عمدت أيضا إلى الربط مع بعض القيادات العراقية الشيعية الوطنية ولا سيما مع السيد مقتدى الصدر، أحد رجال الدين البارزين. وقد صرّح نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان على تويتر قبل زيارة الكاظمي المجهضة بأن العراق يشكل عمقا استراتيجيا هاما للمملكة. وربما كانت السعودية تسعى أيضا إلى توسيط الكاظمي بينها وبين إيران. ولكن أحد الأهداف المعلنة للزيارة كان بحث مسألة ربط العراق بشبكات الكهرباء في السعودية والخليج، وهو أمر مركزي في جهود الأمريكيين لتكريس استقلال العراق عن إيران في مجالي الكهرباء والغاز الطبيعي. وكانت إدارة ترامب قد تردّدت كثيرا قبل الموافقة على إعفاء العراق من بعض تبعات الحظر على إيران ولا سيّما في مجال استجرار الكهرباء من إيران. على أن دول الخليج لم تنه بعد إنشاء البنى التحتية اللازمة للربط مع كهرباء العراق.
وبينما كانت بعض محاولات السعودية للتشبيك مع بعض القادة العراقيين فاشلة، فإن نفوذ الأمريكيين في العراق لا يوازيه نفوذ آخر سوى النفوذ الإيراني. فالولايات المتحدة مسؤولة عن تأسيس النظام الحالي بعد إسقاطها صدام حسين سنة 2003، وقد ساعدت العراق على مواجهة التحدي الداعشي سنة 2014، وما زال للأمريكيين أكثر من 5000 مقاتل في العراق يقدمون المشورة للقوات العراقية لمواجهة فلول داعش. وقد تظهر زيارة الكاظمي المرتقبة للولايات المتحدة، والتي تأتي في إطار ما يدعى بالحوار الإستراتيجي الأمريكي العراقي، حجم النفوذ الأمريكي في العراق وآفاقه. وقد أشار الجنرال مكانزي قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي في مقابلات سبقت الاجتماع الثاني للحوار الإستراتيجي إلى أن الولايات المتحدة تدرك حجم الضغط الذي تمارسه الجماعات العراقية الموالية لإيران على حكومة الكاظمي ليطالب بإخراج القوات الأمريكية. واستبق مكانزي أي مطالبة من الكاظمي بتقليص القوات بالقول إن بالإمكان تحقيق مهمة مواجهة داعش بقوات أقل، ولكن مثل هذا التقليص ينبغي أن يتم بالتنسيق التام مع الجميع. ولكن تقليص الحضور العسكري قد يعني أيضا تضاؤل النفوذ السياسي، وهذا ما يدركه القادة الإيرانيون جيّدا.