أوّل الكلام آخره:
- فشلت الحكومة العراقية الجديدة في الاختبار الأولي لجهودها الرامية إلى السيطرة على الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران التي ما فتئت تهاجم القوات والمنشآت الأمريكية في جميع أنحاء العراق.
- ولا يعلم ما إذا كانت الولايات المتحدة هي صاحبة المبادرة في هذا السياق، ولكن المؤكّد أن القوات الأمريكية لم تتدخل بما فيه الكفاية لضمان نجاح جهود الحكومة العراقية.
- ولا شك أن تحذير قادة الميليشيات العراقية الرئيسة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظي من مواصلة الجهود الرامية إلى كبح استقلالية الميليشيات يدلّ على ثقة مفرطة.
- من المرجح أن تواصل الميليشيات شن هجماتها على القوات الأمريكية استجابة لسعي إيران إلى طرد القوات الأمريكية من العراق طردا تاما ونهائيا.
منذ تنصيب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أيار / مايو، تميّزت علاقته بالعديد من الميليشيات الشيعية بشيء من التوتر. وتشكل هذه الميليشيات رسميا جزءا من «وحدات الحشد الشعبي» التابعة للحكومة، لكنها في الواقع تخضع لفيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وعارضت بعض الميليشيات، فضلا عن رعاتها الإيرانيين، تعيين الكاظمي الذي وصفته بأنه يميل للعمل مع الولايات المتحدة. كما أعربت طهران عن قلقها من أن يستمر الكاظمي في استضافة القوات الأمريكية في العراق. وتحاول إيران، من خلال الميليشيات التابعة لها وقادتها الموجودين في البرلمان العراقي، دفع القوات الأمريكية إلى مغادرة العراق نهائيا. ومع ذلك، أذعنت إيران لتعيين الكاظمي من أجل الحفاظ على استقرار البنية السياسية في العراق. ويقول أنصار الكاظمي، وهو شيعي يستمد الدعم من السنة والأكراد في العراق، إنه يسعى لكبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران والسيطرة عليها من أجل إنهاء المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران على ساحة العراق. وقد تحوّلت المعركة المستمرة على النفوذ إلى أعمال عدائية مفتوحة على الأراضي العراقية في أواخر عام 2019 وبدايات عام 2020.
واستنادا إلى القوانين التي سُنّت عام 2018، تولى الكاظمي منصبه متعهدا بوضع الميليشيات المدعومة من إيران تحت سلطة القيادة الوطنية. وقد سعى رئيس الوزراء إلى إزالة الشكوك المحلية والدولية حول قدرته على هذا عندما أصدر في 25 حزيران / يونيو أمرا لقوات مكافحة الإرهاب العراقية باعتقال 14 من أعضاء كتائب حزب الله الذين يُزعم أنهم كانوا يخططون لشن هجمات صاروخية جديدة على قواعد تعمل فيها القوات الأمريكية. وتتلقى كتائب حزب الله دعما من فيلق القدس أكثر من أي ميليشيا عراقية أخرى، وقد قُتل زعيمها السابق أبو مهدي المهندس، الذي تولى في الوقت نفسه منصب نائب قوّات الحشد الشعبي، إلى جانب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إثر ضربة أمريكية في 3 كانون الثاني / يناير. وقد ردت كتائب حزب الله على الاعتقالات، بتحريض من إيران على الأرجح، بحشد 150 مقاتلا حول مكتب رئيس الوزراء من باب الترهيب. وسقط في يد الكاظمي، فعاد ووافق على نقل المعتقلين إلى عهدة وحدة في الحشد الشعبي تسيطر عليها كتائب حزب الله، وما لبث أن أفرج عن 13 من أصل 14 معتقلا وذلك حتى تاريخ 29 حزيران / يونيو.
وجاءت الجهود الفاشلة لكبح جماح كتائب حزب الله بين اجتماعين رئيسين للحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، وهذا ما عزّز المزاعم أن الكاظمي لم يتحرك ضد كتائب حزب الله إلا بعد أن دفعته الولايات المتحدة إلى القيام بذلك. ومنذ تولي الكاظمي مقاليد الحكم، شنت كتائب حزب الله وميليشيات أخرى عدة هجمات على المنشآت العراقية التي تعمل فيها القوات الأمريكية، بما في ذلك إحدى القواعد العسكرية، والمنطقة الخضراء حيث السفارة الأمريكية، ومطار بغداد الدولي. وسواء كانت الولايات المتحدة قد دفعت الحكومة العراقية بالفعل إلى التحرك أم لم تكن، فإن الأمر المؤكد هو أن القوات الأمريكية لم تتحرك لإحباط الهجوم المضاد الذي قامت به كتائب حزب الله. وقد أظهر لين رئيس الوزراء في مواجهة مقاومة كتائب حزب الله للاعتقالات عجزه عن أمرين، الأول إنفاذ أوامره المتعلّقة بالحد من استقلالية الميليشيات المدعومة من إيران، والثاني الاعتماد على دعم الولايات المتحدة للدفاع عن سلطته.
وقد اتضح بصورة شبه فورية احتمال أن يتسبب تحرك الكاظمي ضد الميليشيات المدعومة من إيران في رد فعل ملموس مناهض لحكومته. وفي 26 حزيران / يونيو، حذّر قائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي يتزعم كتلة كبيرة في البرلمان العراقي، الكاظمي علنا من محاولة الحد من استقلال الميليشيات أو منعها من مهاجمة القوات الأمريكية. وقال الخزعلي في خطاب «أوجه لرئيس الوزراء نصيحة أخيرة، الأفضل له عدم دخول في مواجهة مع الحشد الشعبي لأنهم يمثلون الشعب». وتشير جرأة تهديد الخزعلي إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران ترى أنها تمتلك نفوذا واسع النطاق يفوق نفوذ رئيس الوزراء، وأنها ستواصل دعم جهود إيران لطرد القوات الأمريكية من العراق. ويقول بعض المحللين إن خطوة الكاظمي أظهرت عزمه وستردع الميليشيات المدعومة من إيران عن شن المزيد من الهجمات على القوات الأمريكية. ولكن سرعان ما أظهر الواقع خلاف ذلك، فقد شنت هذه الميليشيات هجوما صاروخيا آخر على السفارة الأمريكية في بغداد في 4 تموز / يوليو. وقد أفادت الأنباء بأن نظام دفاع أمريكيا جديدا، هدفه حراسة السفارة، تمكّن من اعتراض الصاروخ.