أوّل الكلام آخره:
- إن بناء إيران لمحطة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي يزيد من هشاشة الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015.
- يُقصد من تأكيد إيران للبناء في أواخر تشرين الأول / أكتوبر الإشارة إلى فشل حملة «الضغط القصوى» التي تقوم بها إدارة ترامب.
- إن إعادة إيران بناء المنشأة التي دمرت في تموز / يوليو من خلال عملية للاستخبارات الإسرائيلية تبيّن محدوديّة ما يمكن للعمل السري ضد البرنامج النووي الإيراني أن يقوم به.
- يعقّد استمرار التقدم النووي الإيراني أي جهود أمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي أو إعادة التفاوض عليه.
في أواخر تشرين الأول / أكتوبر، أكدت صور الأقمار الصناعية، الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك مسؤولون نوويون إيرانيون، أن إيران تبني موقعا نوويا جديدا، على الأرجح داخل جبل، في مجمع نطنز لتخصيب اليورانيوم في وسط إيران. ويهدف المرفق إلى أن يكون بديلا عن منشأة فوق الأرض كانت تستخدم لتجميع أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لتخصيب اليورانيوم ثم دمرت، وفقا للعديد من الروايات، في تموز / يوليو 2020، في عملية تخريبية قام بها عملاء يعملون لصالح إسرائيل. وبموجب الاتفاق النووي المتعدد الأطراف لعام 2015، يُسمح لإيران بإجراء البحوث شريطة ألا تعمد إلى تركيب أجيال جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي من شأنها أن تمكن إيران من إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لبناء سلاح نووي بسرعة. ومن شأن هذه المنشأة، عند اكتمالها، وفي حال تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التابعة لها، أن تمكن إيران من تقليص «وقت الاختراق»، وهو الوقت اللازم لإنتاج سلاح نووي من لحظة اتخاذ القرار، إلى ما دون الوقت المقدر الحالي البالغ ثلاثة أشهر. وكانت انتهاكات إيران السابقة للاتفاق النووي والتي مثلت رد إيران على خروج إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018 قد خفضت بالفعل وقت الاختراق الذي تحتاجه إيران إلى ما دون العام، وهو الوقت الذي كان من المقرر أن يحافظ عليه الاتفاق النووي.
ومما لا شك فيه أن توقيت تأكيد بناء الموقع كان مرتبطا بالانتخابات الرئاسية الأميركية. ويظهر الكشف، الذي أتى قبل أسبوعين من انتخابات الولايات المتحدة، أن حملة «الضغط القصوى» التي تقوم بها إدارة ترامب لم تنجح في منع إيران من المضي قدما في برنامجها النووي. ومن الواضح أن إيران قادرة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بما في ذلك توسيع بنيتها التحتية النووية، برغم الضرر الكبير الذي تلحقه العقوبات الأمريكية باقتصادها. ومن المرجح أن هدف طهران من إيصال الرسالة هو إحراج الرئيس ترامب سياسيا، على نحو قد يساعد في هزيمته انتخابيا. كما أن إعادة بناء محطة تجميع أجهزة الطرد المركزي المتضررة، وفي موقع أقل عرضة للخطر، يُظهر عدم فعالية الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية التي تستند إلى عمل عسكري أو سري لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية. وكان التقويم الذي يقضي بأن العمل العسكري والسري لن يؤدي إلا إلى إبطاء برنامج إيران النووي لا تعطيله بالكامل دافعا رئيسا عند إدارة أوباما عندما اتخذت قرار التفاوض على الاتفاق النووي عام 2015. إن تشييد الموقع الجديد في نطنز يمثل إشارة إيرانية بأن الولايات المتحدة سوف تخدم مصلحتها على أفضل وجه في منع قيام إيران دولة نووية من خلال إعادة الانخراط في اتفاق عام 2015.
ومع ذلك، قد يعيق الموقع الجديد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، في حال أرادت الولايات المتحدة ذلك، فبناء منشأة جديدة، حتى وإن كانت تجديدا لمنشأة مدمرة مسبقا، يشكل انتهاكا آخر للاتفاق النووي، ولا يظهر إيران بمظهر الممتثل لشروط الاتفاق. ويلقي الموقع بظلال من الشك على تأكيدات إيران المتكررة بأن انتهاكاتها للاتفاق، حتى اليوم، هي انتهاكات يمكن عكسها أو العودة عنها بسهولة إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق وتراجعت عن عقوباتها المفروضة على إيران. ويتعين التفاوض بشأن قدرات المرفق الجديد وأنشطته المسموح بها، والنص على ذلك في أي اتفاق نووي قد تنضم إليه الولايات المتحدة من جديد.
إن بناء الموقع الجديد في جبل يزيد من تعقيد أي مفاوضات جديدة، ففي المحادثات التي أدت إلى اتفاق عام 2015، كان موقع إيران النووي الجبلي في فوردو نقطة خلاف كبيرة. كما يوفر البناء الجديد الدعم لمنتقدي اتفاق عام 2015، بما في ذلك إدارة ترامب، الذين يزعمون أن إيران لا تزال تنوي في نهاية المطاف تطوير سلاح نووي عندما تنتهي مدة صلاحية بنود اتفاق عام 2015. وعلى الرغم من أن هذا الحدث النووي الإيراني لا يشكل مفاجأة من العيار الذي يقلب موازين الانتخابات الأمريكية، إلا أن المنشأة الجديدة تؤشّر إلى أن السياسة الأمريكية تجاه إيران ستكون محورا أساسيا من محاور سياستها في الشرق الأوسط عام 2021 وما بعده.