أوّل الكلام آخره:
- يسيء العديد من غير المتخصصين فهم البعد الجندري لجماعات اليمين المتطرف والعنصريين البيض المعاصرة أو يتجاهلونه عموما.
- يقدم المحتوى الذي يركز على المرأة على منصات الإنترنت الخاصة بجماعات العنصريين البيض مزيجا من الذكوريّة المفرطة مقرونا بدعاية تحتفي بالأدوار التقليدية للنساء اللواتي يلتزمن بما يعده المتطرفون قيما تقليدية وصورا جندرية نمطية.
- تعمل أيديولوجية العنصريين البيض على تشجيع الأدوار التقليدية للجنسين على قاعدة محاكاتها لطبائع الأشياء، وتعمل أيضا على نشر السرديات التي تفيد بأن قوى خارجية عطلت هذا النظام الطبيعي، فخرج المجتمع بذلك عن طبيعته السوية لتشيع فيه أفكار مريضة كالأفكار النسوية وعلاقات شاذّة كالعلاقات الجنسية المثلية بين النساء.
- وما يجري في العالم الافتراضي له آثاره في العالم الحقيقي، ومن ذلك العنف الموجه ضد النساء والفتيات من غير ذوات البشرة البيضاء أو من غير الملتزمات بالأعراف الجندرية، ممّا ينبغي أن يشكّل مصدر قلق كبير لواضعي السياسات والعاملين في مجال الأمن الذين يرصدون تزايد التهديد العابر للحدود الوطنية لجماعات العنصريين البيض.
لعبت المرأة عبر التاريخ عدة أدوار فعالة في معظم التنظيمات الإرهابية، وتتبنى أغلب الأيديولوجيات الإرهابية الرئيسة سردياتها الخاصة المتعلقة بالمرأة والجندر والمجتمع. ومع ذلك، فإن البعد الجندري في جماعات اليمين المتطرف والعنصريين البيض المعاصرة يساء فهمه عامة أو يُتجاهل في غير الدراسات المتخصصة. وتلعب النساء دورا مهما في سرديات جماعات العنصريين البيض ورسائلها والدعايات الخاصة بها. كما أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بمؤيدي جماعات العنصريين البيض مليئة بالمحتوى السمعي والبصري المتجذر في ذكوريّته المفرطة والذي يدعو إلى إخضاع النساء وتعنيفهنّ. وفي حين تغطي مصطلحات كـ«اليمين المتطرف» أو «العنصريين البيض» مجموعات غير متجانسة من الأفراد والحركات، لكل منها أجنداتها وأهدافها الخاصة، إلا أنها غالبا ما تتشابه في أنظمتها العاملة في الفضاء الافتراضي فهي في الغالب تتبنى السرديات نفسها حول النساء.
وقد يكون من الصعب قياس مدى فعالية أدوار المرأة على منصات الإنترنت. غير أنه من المعروف أن النساء في الجماعات الإرهابية الأخرى قد لعبن دورا رئيسا في التجنيد ونشر المواد الدعائية واستخدام الأعراف الجندرية لحث الرجال على الانخراط في الحركات الإرهابية، من باب أن القعود عن ذلك يشكّل عيبا قادحا في رجوليّتهم. ولكن لأن كتمان الهويات الحقيقية من أساسيات هذه المنصات، فمن الصعب معرفة الحسابات والقنوات والمحتويات التي تديرها النساء أنفسهن أو يبتكرنه بالفعل، على الرغم من قدرة الخبراء على التخمين والتقدير بناء على تحليل الصور المتحركة والملصقات والأسماء المختارة عبر الإنترنت. أمّا توصيف النساء في المحتوى السمعي والبصري على شبكات الانترنت فهذا ليس بالأمر الصعب، ولكن استعراضه يثير قلقا حقيقيا. ومن الناحية الإيديولوجية، تعتنق جماعات العنصريين البيض الذين يعملون على الإنترنت فكرة مفادها أن الأفراد من العرق الأبيض تهدّدهم مجموعة من القوى تسعى إلى تدمير الحضارة الغربية وشعوبها وإقامة بديل عنها من خلال نشر الاختلاط العرقي، والمثلية الجنسية، والأفكار النسوية. وفي إطار هذه النظرة العالمية، تميل المرأة إلى لعب دور أساسي، حتى وإن كان غير متناسق. فمن ناحية، وفي إطار هذا الخطاب، يجب الدفاع عن نقاء النساء والفتيات من العرق الأبيض وحمايتهن من عنف الغرباء، فهؤلاء (أي الغرباء من غير البيض) يسعون على الدوام بحسب هذا الخطاب إلى قتل النساء الغربيات من العرق الأبيض واغتصابهن وإساءة معاملتهن. ولكن الاعتداء على النساء من العرق الأبيض لا يؤطر هنا بوصفه جريمة مروعة ترتكب بحق المرأة أو بوصفه انتهاكا لحقوقها وإرادتها، إنما بوصفه تهجما على الرجال البيض وعلى ممتلكاتهم. وغالبا ما يستغلّ العنف ضد النساء من العرق الأبيض للدعوة لحشد جهود الرجال البيض للدفاع عن ممتلكاتهم ولحماية كل ما يخصهم.
وتدعو إيديولوجية العنصريين البيض التي تجد جذورها في الأدوار التقليدية للجنسين إلى أدوار ثابتة محددة للرجال والنساء في المجتمع. فهي تدعو في الواقع إلى تبني هذه الأدوار على قاعدة أنها تعكس طبائع الأشياء. وتنشر دعاية العنصريين سرديات مفادها أن هذا النظام الطبيعي قد تلوث بفعل قوى خارجية، منها اليهود، والمطالبون بالمساواة الجنسية، ومجتمع المثليين، وهوليوود، والقوى الليبرالية. ويسود هذا الخطاب انشغال بالسياسة التي تفهم على الدوام من زاوية العنصر والعرق، وبالحسابات الديمغرافية حول السكان البيض الذين يواجهون فقدان مركز الأغلبية. وفي هذا السياق، يقدم المحتوى البصري لكثير من المواقع العنصرية المرأة البيضاء المثالية بصورة الأم والمعنية بتقديم الرعاية لأمة العرق الأبيض. ويعود ذلك إلى تنظيم «كو كلوكس كلان» والأيديولوجية النازية، التي شجعت النساء على إنجاب أطفال من العرق الأبيض النقي لتعويض ما جرى بفعل اختلاط الأعراق الأخرى معه. كما أن صور «النساء الجذابات» تقدم للإيحاء بأن الرجال الذين ينضمون إلى هذه الحركات سيكافؤون بالرومانسية والاهتمام الجنسي من هؤلاء النساء. ورغم أن بعض المحتوى المخصص للنساء على مواقع العنصريين يعرب عن القلق حيال وضع المرأة، بل ويبجّل المرأة، إلا أن الغالبية العظمى من المواقع تعرب عن ازدرائها تجاه المرأة وصولا حدّ العداء. ويمكن ملاحظة انقسام مثير للقلق على منصات جماعات العنصريين البيض، بين النساء اللواتي يستحققن الحماية من العنف والنساء اللواتي يستحققن العنف الانتقامي لا المساعدة. ويجرى الاحتفال بالهجمات التي حصلت في الماضي ضد النساء من الفئة الثانية، ويجري تشجيع أعمال العنف ضدهن في المستقبل. أما النساء من غير العرق الأبيض، ولا سيما من المجتمعات التي تتمتع بارتفاع معدل الولادات، فإنهن يشكلن تهديدا وجوديا لهيمنة العرق الأبيض. كما يبرز تداخل أيديولوجي كبير بين أفكار العنصريين البيض، وبعض الأفكار التي تتبناها حركة إنسيل (الرجال المتبتلين رغما عن أنفسهم)، التي توجّه عداءها للمرأة بسبب ما تراه تلك الحركة من استخدام المرأة للجنس (أو امتناعها عن الجنس) وسيلة للتقليل من شأن الرجال.
كما تظهر الفضاءات الافتراضية لجماعات العنصريين البيض تقاطع المسارات المعادية للمرأة والمساواة بين الجنسين مع المحتوى العنصري والمعادي للسامية وللمثليين والمناهض للديمقراطية ومحتويات أخرى بغيضة. ونرى بعضا من هذا المحتوى الذي يدعو إلى العنف ضد المطالبين بالمساواة بين الجنسين وضد أصحاب الميول الجنسية المثلية والنساء ممن يقمن علاقات تختلط فيها الأعراق والنساء «الخائنات»، في وسائل الإعلام، وفي الدعاوى، وحتى في أجهزة إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية. وما يجري في العالم الافتراضي له آثاره في العالم الحقيقي، ومن ذلك العنف الموجه ضد النساء والفتيات من غير ذوات البشرة البيضاء أو من غير الملتزمات بالأعراف الجندرية، ممّا ينبغي أن يشكّل مصدر قلق كبير لواضعي السياسات والعاملين في مجال الأمن الذين يرصدون تزايد التهديد العابر للحدود الوطنية لجماعات العنصريين البيض. ومن الضروري إجراء مزيد من البحوث في هذا المجال، وأن لا يكون ذلك محصورا بعدد معين من الخبراء البارزين، لفهم كيفية تأثير دوافع الإرهاب والتطرف العنيف على المرأة وتأثرها بها، ولا سيما داخل الجماعات المتنامية للعنصريين البيض والعابرة للحدود الوطنية.