أوّل الكلام آخره:
- العديد من النزاعات الحالية والمحتملة المثيرة للقلق متعددة الأبعاد ويمكن أن تقع برا وبحرا وفي الفضاء الإلكتروني على نحو يتحدى المفاهيم التقليدية للحروب.
- لا شك أن الحركة الجهادية العالمية تلقت دفعة كبيرة مع سيطرة طالبان على أفغانستان، ولكن يبدو أن بؤرة الإرهاب الجهادي في عام 2022 ستكون القارة الإفريقية.
- ستستمر الجرائم الإلكترونية في الانتشار، مما يخلق صعوبات لكيانات القطاعين الخاص والحكومي قد تكلفها المليارات، كما أنها قد تعيث فسادًا في البنية التحتية الحيوية.
- ستستمر حملات التضليل الإعلامي التي تشنها بعض الجهات الروسية والصينية تعمل بلا هوادة طوال عام 2022، وسينصب تركيزها على البلدان التي تشهد استحقاقات انتخابية.
بدأ كل من عامي 2020 و2021 بحدث كبير تردد صداه في جميع أنحاء العالم. ففي أوائل كانون الثاني (يناير) 2020، قتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، مما أدى إلى تصعيد في المواجهات بين واشنطن وطهران. وفي أوائل كانون الثاني (يناير) 2021، اقتحم المتمردون مبنى الكابيتول الأمريكي في محاولة للإطاحة بالحكومة واغتصاب الديمقراطية الأمريكية. ومع بداية عام 2022، من الضروري التفكير في الاتجاهات الجيوسياسية التي يمكن أن يكون لها أكبر تأثير على الأمن العالمي، وكيف يمكن للمتطرفين توظيف بداية العام لصالحهم. وستتأثر العديد من هذه الاتجاهات بجائحة الكوفيد-19 المتواصلة، والتي لا تزال تعيث فسادا مع اقتراب عامها الثالث.
التنافس بين الدول
خلال العشرين عامًا التي مضت منذ بدء الحرب العالمية على الإرهاب، أخذ البندول يبتعد تدريجيا عن الجماعات الإرهابية ليركز على الدول القومية، مع استبدال محور المنافسة بين القوى العظمى بمحور مكافحة الإرهاب. وتهدد الحروب بين الدول بزعزعة استقرار مناطق بأكملها. ومن بين النزاعات المخيفة والخطرة التي ينبغي مراقبتها في عام 2022: النزاع الروسي الأوكراني، وحروب الظل المستمرة بين إيران وإسرائيل والتي من المحتمل أن تتصاعد أكثر في عام 2022، مع إمكانية تطويق الدول المجاورة في المنطقة أو حلفاء الدولتين. والعديد من الصراعات المثيرة للقلق متعددة الأبعاد ويمكن أن تقع برا وبحرا وفي الفضاء الإلكتروني على نحو يتحدى المفاهيم التقليدية للحروب. ويمكن للجماعات الجهادية المرتبطة بباكستان والتي شجعها انتصار طالبان في أفغانستان أن تسعى إلى استهداف الهند، مما يجعل إسلام أباد ونيودلهي على شفا الحرب، كما حدث في أعقاب هجمات مومباي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 التي نفذتها جماعة عسكر طيبة. ويمكن أن يتسم عام 2022 أيضًا باستمرار المواجهة بين القوتين الرئيسيتين في العالم، الولايات المتحدة والصين، حيث تواصل واشنطن وبكين التنافس على النفوذ وكثيرًا ما تتبادلان الانتقادات اللاذعة بشأن سلسلة من الأحداث (كما حصل مع جائحة الكورونا)، والتي قد يؤدي بعضها إلى زيادة التوترات هذا العام.
تكثيف الحروب الأهلية
مع التهديد الذي يلوح في الأفق بوقوع النزاعات بين الدول، تكثر أيضًا المخاوف الناشئة عن الصراع داخل الدول نفسها. فتهدد الحرب الأهلية في إثيوبيا مثلا بزعزعة استقرار شرق إفريقيا، مع تداعيات إنسانية وخيمة. وقد وجّهت أطراف الحرب بعضها إلى بعض اتهامات بارتكاب جرائم حرب تشمل المذابح والاغتصاب الجماعي واستهداف المدنيين. وفي أفغانستان، تكافح الحكومة التي تقودها طالبان لاحتواء تمرد تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، دون كبير نجاح حتى الآن، فيما يواجه ملايين الأفغان أزمة إنسانية ناجمة عن انعدام الأمن الغذائي وانهيار الاقتصاد. ويمكن لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان تطوير القدرة على شن عمليات خارجية خارج حدود أفغانستان، وقد تستفيد مجموعات مثل القاعدة أيضًا من الصراع المستمر في جميع أنحاء جنوب آسيا. وأما في اليمن فقد وصلت الحرب إلى طريق مسدود، مع عدم وجود نهاية واضحة تلوح في الأفق. ويواصل المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران إظهار قدراتهم المتطورة، بينما لم تؤد الحرب التي تقودها السعودية إلا إلى تفاقم الوضع وتعاظم الأزمة الإنسانية الأليمة التي تلمّ بالشعب اليمني. وفي ليبيا أُجّلت الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في أواخر كانون الأول (ديسمبر)، مما أثار مخاوف من أن البلاد يمكن أن تنزلق بسرعة إلى الحرب الأهلية مجدّدًا، مع اقتناع الأطراف المعنية بعدم جدوى المفاوضات السياسية. وتشمل النقاط الساخنة المحتملة الأخرى في عام 2022 الصومال وميانمار وناغورنو كاراباخ. وستستمر تركيا في بيع الطائرات بدون طيار لمن يدفع السعر الأعلى، حيث يُنظر إلى هذه الأسلحة في كثير من الأحيان على أنها قادرة على إحداث الفرق النوعي في العديد من النزاعات الجارية.
أفريقيا بؤرة «الجهاد»
لا شك أن الحركة الجهادية العالمية تلقت دفعة كبيرة مع سيطرة طالبان على أفغانستان، ولكن يبدو أن بؤرة الإرهاب الجهادي في عام 2022 ستكون القارة الإفريقية. ففي غرب إفريقيا، زاد تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا والعديد من الجماعات المرتبطة بالقاعدة من وتيرة الهجمات العملياتية في نيجيريا ومالي. وكان النشاط الجهادي قد توسع كثيرا في عام 2021 وهو مرشح للمزيد من الانتشار هذا العام أيضا، مما يؤثر على دول مثل توغو وبنين وغانا والسنغال وساحل العاج والكاميرون والنيجر وبوركينا فاسو، من بين دول أخرى. ويواصل تنظيم الدولة الإسلامية في التوسع في وسط إفريقيا أيضًا من خلال فرعيه اللذين يواصلان التمدد في جمهورية الكونغو الديمقراطية والموزمبيق على التوالي. وفي القرن الأفريقي، صقلت حركة الشباب قدراتها التشغيلية والتنظيمية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للحكومة الصومالية المحاصرة. ويتزايد القلق من أن حركة الشباب قد تتطور وتعبر الحدود الوطنية على نحو لا يمكن ضبطه، وقد تستهدف المصالح الغربية في المنطقة وخارجها.
النشاط السيبراني الإجرامي
من المتوقع استمرار الجرائم الإلكترونية (وربما تسارعها) في عام 2022، سواء في ذلك الجرائم التي ترعاها الدول أو تلك التي تعمد إليها بعض الجهات الفاعلة غير الحكومية. وخلال النصف الأول من عام 2021، أفادت شبكة [مراقبة] الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية أن المعدل الشهري للأموال المدفوعة في عمليات الفدية الإلكترونية قد بلغ ما يقرب من 100 مليون دولار. وقد دفعت كثير من الأموال بعملة البيتكوين التي وجّهت إلى خزائن المتسللين في روسيا. وفي عام 2021، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على مكسيم ياكوبيتس بسبب أفعاله المتعلقة بجريمة إلكترونية أطلق عليها اسم «فيلق الشر». ومن المرجح أن تستمر هذه الأنواع من الردود حيث يقنص الروس والأمريكيون بعضهم بعضا. وفي نهاية عام 2021، تعرف خبراء الأمن السيبراني على ثغرة أمنية رئيسية (تُعرف باسم Log4J، في كود مفتوح المصدر). وقد عمدت بعض المؤسسات الكبرى إلى بعض «الترقيعات» في محاولة للتخفيف من الضرر. ومع ذلك، ففي 29 كانون الأول (ديسمبر)، أشارت شركة Crowdstrike الإلكترونية إلى أن الذي يقف وراء هجومٍ كبير استهدف مؤسسة أكاديمية كبيرة كان جهات ترعاها الحكومة الصينية، وأنها استغلت هذه الثغرة (Log4J) في هجومها. وسيشوب النصف الأول من عام 2022 جهود متواصلة للجماعات المرتبطة بالدول وللمتسللين المستقلين الذين يسعون لاستغلال Log4J لأغراض شائنة. وإلى جانب ذلك سيتواصل استخدام برامج الفدية والتكتيكات الأخرى مثل اختراق البريد الإلكتروني الخاص بالأعمال التجارية أو التلاعب عن طريقه، وسيستمر ذلك كله في التسبب في مشكلات رئيسية للدول والشركات المتعددة الجنسيات على حد سواء.
حملات تضليل أكثر تعقيدًا
ستستمر حملات التضليل على قدم وساق مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الكبرى مثل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة عام 2022. ويمكن للصين في الفترة المقبلة أن تتفوق على روسيا، لتغدو المحرض الأكثر فاعلية على الإنترنت، مما يواصل الاتجاه الذي تلمسناه في العام الماضي. وقد روت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا كيف أدارت شرطة شنغهاي عمليات تضليل واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية مثل التويتر والفايسبوك لإذكاء الانقسامات. ومع الانتقال إلى عام 2022، يجب على الولايات المتحدة أن تتوقع استمرار الصين وروسيا في الاستفادة من مجموعة واسعة من الأدوات (التي صنعتها بنفسها أو تلك التي طورتها أطراف أخرى) لمفاقمة الانقسامات داخل النظام السياسي الأمريكي. وعلى وجه الخصوص، ستوفر انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة المقرر إجراؤها في خريف عام 2022 فرصة مثالية للصينيين والروس لتضخيم المعلومات المضللة التي يروجها رواد نظريات المؤامرة في السياسة الأمريكية مثل مارجوري تيلور جرين ولورين بويبرت وبول جوسار. وبدلًا من إنشاء محتوى يتضمن معلومات مضللة، يمكن للجيوش الإلكترونية المرتبطة بالجهات الحكومية ببساطة أن تعيد نشر الروايات الكاذبة التي روجتها الشخصيات السياسية الأمريكية، وتعيد التغريد بها، وتمنحها عددا كبيرا من نقاط «الإعجاب». ومع تصاعد هذا خلال عام 2022، فإن التوترات التي قد تظهر ستجعل من الصعب على الولايات المتحدة مواجهة الأنشطة الأخرى التي قد تهدد مصالح أمنها القومي. على أن التدخل في الانتخابات من خلال المعلومات المضللة لن يؤثر فقط على الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، قد يتعرض الفرنسيون إلى حملات تضليلية كبرى في ظل الانتخابات الفرنسية التي تلوح في الأفق في صيف عام 2022. ولطالما حاول الكرملين التدخل في الانتخابات الفرنسية، ومن المرجح جدًا أن يحاول اللاعبون الروس القيام بذلك مرة أخرى.