أوّل الكلام آخره:
- أثر الوباء العالمي تأثيرا مباشرا في كيفية جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها ونشرها.
- انقلبت السمة الأساسية للعمل الاستخباراتي البشري الكلاسيكي، وهي الاجتماعات المباشرة، رأسا على عقب.
- تعد المقاييس الحيوية وبرامج التعرف على الوجه المتطورة أقل فعالية بكثير في ظل هذا المناخ الوبائي نظرا لانتشار أقنعة الوجه في كل مكان.
- ليست وكالات الاستخبارات بمنأى عن البيروقراطية وهي ملزمة بالتعامل مع تحديات الوباء المرتبطة بعمل الموظفين.
أدى تفاقم الوباء العالمي إلى قلب طرائق التشغيل النموذجية لوكالات الاستخبارات رأسا على عقب فقد تعطلت الاجتماعات التقليدية التي كانت تعقد وجها لوجه بين المسؤولين. وكان لذلك تداعيات حتى على المسائل اليومية، مثل الإجراءات البيروقراطية في وكالات الاستخبارات التي توظّف الآلاف، كجداول الموظفين الزمنية ورواتبهم والميزانيات، على نحو أرخى بظلاله على إنتاجية هذه الوكالات. وقد وصلت تداعيات جائحة كورونا إلى أفضل أقسام الموارد البشرية، فأثر في قدرتها على إجراء الترقيات أو التوظيفات الخارجية الجديدة. وقد أدت القيود المفروضة على السفر إلى تأخير نقل جميع الموظفين الحكوميين، ومن بينهم عناصر الاستخبارات. كما أسهم الوباء، ولو مؤقتا، في إيقاف الكثير من عمليات التناوب المطلوبة، وكذلك في إلغاء كثير من الدورات التدريبية اللغوية وغيرها من الدورات التدريبية المتخصصة.
وقد أثرت التدابير المحلية والقيود الدولية أيضا في حركة الموظفين، إذ فرضت كثير من الدول الأوروبية قيودا على سفر المسافرين الأمريكيين بسبب ارتفاع معدلات الإصابة في العديد من الولايات الأمريكية. وفي ظل الفترات المختلفة من الحجر الصحي، وعمليات الإغلاق التي تفرضها الحكومة، والقيود المفروضة على السفر، اضطرت عمليات الاستخبارات التي تستند إلى العنصر البشري إلى التكيف. ولكن الاعتماد على عقد اللقاءات في الفضاء الافتراضي لا يناسب العمل الاستخباراتي فهو يحمل تحديات ومخاطر خاصة به. وقد شهدنا الهجوم الإلكتروني الأخير الذي استهدف شركة SolarWinds، والذي يعتقد أنه مكّن الروس من الوصول إلى أنظمة حساسة للغاية للحكومة الأمريكية. فالبيانات الموجودة على الإنترنت سهلة الاختراق نسبيّا. ولعل هذا هو العصر الذهبي للتجسس السيبراني، نظرا للسرعة التي جرى بها انتقال الشركات إلى الفضاء الافتراضي. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد الاجتماعات المعقودة على تطبيق زوم من 10 ملايين اجتماع يومي إلى أكثر من 300 مليون اجتماع يومي خلال الأشهر القليلة الأولى من الوباء في ربيع هذا العام. ولا يمكن أن تعد الاجتماعات على منصات التداول بالفيديو هذه آمنة ومن المرجح أن تكون أهدافا جذابة للجهات الفاعلة غير الحكومية التي تسعى لتحقيق مكاسب تجارية، وللجهات الحكومية التي تسعى الى جمع المعلومات الاستخباراتية. وفضلا عن ذلك، قد تعرّض موجة من اللقاءات الاجتماعية الافتراضية المستندة إلى خوادم غير آمنة مسؤولي الأعمال والحكومة للابتزاز أو الإكراه. علاوة على ذلك، فإن التفاعلات الشخصية تؤثر بلا شك في جودة نقل المعلومات وفهمها.
وعلى الصعيد المحلي، حاولت مختلف وكالات الاستخبارات الأمريكية مواصلة مهامها مع حماية القوى العاملة الخاصة بها من خلال اعتماد جداول زمنية متداخلة أو دورية، مع تقسيم الموظفين من أجل الحفاظ على عدد إجمالي منخفض للأشخاص في المكاتب. والواقع أن مجرّد تحديد من هو «الضروري» يمثل تحديا صعبا للبيروقراطيات. ونظرا لطبيعة عمل عملاء الاستخبارات، فهم يواجهون تحديات خطيرة في العمل من المنزل. وبمعزل عما تصوره هوليوود، فإن معظم الموظفين لا يستطيعون الوصول إلى SCIF (مرفق المعلومات الحساسة والمجزأة) من منازلهم ولا يعملون في الأماكن العامة، مما يتطلب من أغلبيتهم الذهاب للمكاتب حيث المعلومات السرية. وفي كثير من الإدارات الحكومية، قد تتأثر سرعة الاستجابة والعمل بعدم القدرة على الوصول إلى المعلومات الأمنية والحساسة جدا. وفضلا عن ذلك كله، فقد حصلت تأخيرات في التمويل والبرامج، بما في ذلك برامج التدريب الداخلي المهم وبرامج التدريب الأخرى التي يمكن أن تساعد في تحديد المسار الوظيفي المبكر للفرد، وكذلك برامج الأسفار القصيرة الأمد اللازمة لعمليات الاتصال.
ومن القضايا الأخرى المتعلقة بالاستخبارات والأمن التي من المحتمل أن تكون تداعيات الوباء قد طالتها فعالية برامج التعرف على الوجه وأنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة المرتبطة بها (CCTV) التي تغطي العديد من المناطق الحضرية الكبرى. ولا شك أن بعض القضايا ترجع إلى ما قبل زمن الكورونا، كمخاوف الاعتداء على الخصوصية والتحيزات العرقية في تصميم هذه الأنظمة وطرق اعتمادها. ولكن تعقدت الأمور كثيرا اليوم، فقد أصبحت أقنعة الوجه المصنوعة من القطن أو الورق التي يرتديها الناس لتفادي انتقال عدوى الوباء بينهم، تربك هذه الأنظمة للغاية. ومع اعتماد الأجهزة الأمنية والاستخبارات أكثر على القياسات الحيوية في المستقبل، تكثر المخاطر أو احتمال انتشار المعلومات غير الدقيقة أو تسريب البيانات من خلال هذه التقنيات، خصوصا مع اكتشاف المجرمين والإرهابيين طرقا جديدة للتهرب من التكنولوجيات الناشئة. وتستخدم الأجهزة الأمنية هذه الأنظمة للتحقيقات، في حين تستخدمها وكالات الاستخبارات المحلية لتعقب تحركات الإرهابيين المحتملين أو في عمليات التجسس. إن بعض التعديلات التي أجرتها وكالات الاستخبارات في سعيها للتكيف مع الواقع الجديد للوباء كانت قصيرة الأجل ومخصصة للواقع الراهن. ولكن بعضها قد يصبح دائما مما يغير بشكل أساسي طريقة عمل هذه الوكالات، سواء تعلق الأمر بجمع البيانات أو بالاحتياجات اليومية للقوى العاملة.