أوّل الكلام آخره:
- تزعزع الهجمات التي تشنها الميليشيات العراقية المدعومة من إيران على المتظاهرين والناشطين استقرار العراق في الفترة التي تسبق الانتخابات الوطنية في تشرين الأول / أكتوبر 2021.
- تحاول حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تهميش الميليشيات المدعومة من إيران، لكن نجاحها لا يزال محدودا.
- تقوم الميليشيات بالرد المباشر على أي تحد لاستقلالها الذاتي أو صلاتها بإيران أو سيطرتها على الموارد الاقتصادية وإدارتها لشبكات المحسوبية.
- تدعم إيران الميليشيات الشيعية العراقية من أجل زيادة نفوذها في العراق على حساب الولايات المتحدة.
بعد ثمانية عشر عاما من الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين، لا يزال العراق يكافح من أجل تحقيق الاستقرار وتوطيد سلطة حكومته الوطنية. وقد مكنت الإطاحة بالنظام البعثي (الذي سيطرت عليه قيادات عربية سنية) إلى تمكين السياسيين الشيعة، الذين كان العديد منهم متحالفين منذ فترة طويلة مع جمهورية إيران الإسلامية. وقد سمح هؤلاء القادة السياسيون بتشكيل العديد من الميليشيات التي يسيطر عليها الشيعة فعليا، وإن كانت تحت قيادة الدولة اسميا، والتي يسلحها فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي ويهيمن عليها. وتسلمت الميليشيات الدور القيادي للنفوذ الإيراني في العراق، فضلا عن أنها تشكل قوة ضغط ضد العاملين الأمريكيين في العراق، وتدعم جهود إيران للسيطرة على الاقتصاد العراقي. وقد أصبح قادة العديد من الميليشيات فاعلين سياسيين رئيسيين يؤثرون في صنع القرار ويدعمون مؤيديهم من خلال تقديم وظائف لهم وعقود حكومية، ومراقبة المؤسسات وقنوات الاستيراد والتصدير، والاستفادة من المزايا الاجتماعية.
كما سعت الميليشيات إلى قمع حركة الاحتجاج الشعبية التي بدأت في تشرين الأول / أكتوبر 2019، والتي كانت في جزء منها ردا على سيطرة إيران وحلفائها العراقيين على أجزاء كبيرة من الاقتصاد العراقي وأجبرت رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي على الاستقالة. وسعى خليفته، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يواجه معركة انتخابية وطنية في تشرين الأول / أكتوبر 2021، إلى مساءلة الميليشيات عن اعتداءاتها على الناشطين، في سعي منه لتهميشها. إلا أن الميليشيات، وداعميها في طهران، لم تنحن لإرادة الكاظمي أو حركة الاحتجاج. ويزعم أن الميليشيات استهدفت، من خلال عمليات القتل والاختطاف وغيرها من أشكال الترهيب، أكثر من 70 ناشطا منذ بدء حركة الاحتجاج.
وفي الصراع الأخير على السلطة بين الكاظمي والميليشيات، اعتقلت الحكومة العراقية قائد الميليشيات الموالية لإيران قاسم مصلح بتهمة قتل الناشط إيهاب الوزني في مدينة كربلاء الجنوبية في 9 أيار / مايو. وقد قاد الوزني، وهو ناقد صريح للجماعات المسلحة العراقية وللنفوذ الإيراني في العراق، احتجاجات في مدينته، حيث تتمتع الجماعات المسلحة الموالية لطهران بنفوذ كبير. وأثارت وفاته احتجاجات استمرت ليوم كامل في كربلاء شهدت قيام متظاهرين بقطع الطرق والجسور وإضرام النار في القنصلية الإيرانية في المدينة. وفي محاولة لتخويف الحكومة للإفراج عن المصلح، حاصر مقاتلو الميليشيات الشيعية المنطقة الخضراء المحصنة بشدة في بغداد، حيث توجد السفارات الأجنبية والمقر الأعلى للحكومة. وقد احتجزت الحكومة مصلح في منشأة تسهم القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في تأمينها ورفضت الإفراج عنه، مما أفشل خطة الميليشيات الشيعية التي حاولت ان تكرر ما وقع في تموز / يوليو 2020، عندما نجحت في الإفراج عن قائد ميليشيا متهم. ووسط دعم فاتر من كبار القادة السياسيين العراقيين الذين يترددون في المخاطرة بخلافهم مع طهران أو حلفائها العراقيين المسلحين، هدد الكاظمي في أوائل حزيران / يونيو بالاستقالة ما لم تترك له الحكومة حرية التصرف لمواجهة الميليشيات وإخضاعها لسلطته.
وتؤكد المواجهات بين الكاظمي والميليشيات المدعومة من إيران مدى سعي إيران إلى استغلال العراق لتنفيذ سياساتها الأمنية الوطنية. وقد سلحت إيران حلفاءها من الميليشيات العراقية بصواريخ متطورة وصواريخ باليستية قصيرة المدى وطائرات مسيرة تواصل الهجوم لا على القواعد التي تعمل فيها القوات الأمريكية، بل على السفارة الأمريكية نفسها في بغداد، فضلا عن منشأة لوكالة الاستخبارات المركزية، ومنشآت لشركات أمريكية كما تفيد بعض المصادر. وتعد الهجمات أساسية لجهود إيران لدفع القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها 2,500 عسكري للخروج من العراق انتقاما من ضربة إدارة ترامب التي أودت بحياة قاسم سليماني، قائد قوات الحرس الثوري الإيراني في بغداد في كانون الثاني / يناير 2020.
ومن خلال تقديم الدعم المالي والسياسي للمرشحين الموالين لإيران في انتخابات 10 تشرين الأول / أكتوبر في العراق، من المرجح أيضا أن تسعى إيران إلى استبدال رئيس وزراء أسلس قيادا وأقل ولاء للولايات المتحدة بالكاظمي. ويبقى السؤال قائما عما إذا كانت إدارة بايدن ستخصص الموارد اللازمة لمساعدة الكاظمي على تحدي نفوذ طهران. وبحسب ما ورد، فإن وجهة نظر المسؤولين الأمريكيين الذين يتطلعون إلى اتفاق مع طهران بشأن العودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 قد تغلبت على وجهة المسؤولين الأمريكيين الذين سعوا إلى الانتقام الأمريكي من الميليشيات المدعومة من إيران بسبب بعض هجماتها الأخيرة على المنشآت الأمريكية في العراق. ولا ترغب إدارة بايدن في إعادة توجيه السياسة الأمريكية بعيدا عن الشرق الأوسط فحسب، بل إنها عازمة أيضا على وقف كل أشكال حروب الإدارة السابقة ضد إيران على الأراضي العراقية.