أوّل الكلام آخره:
- تواجه الهند تحديات محلية تتعلق بوباء كورونا بينما يزداد قلقها إزاء الاندفاع العدواني الصيني المتزايد في الإقليم.
- تستند الدعوات إلى أن تقيم الولايات المتحدة تحالفا استراتيجيا مع الهند إلى أن نيودلهي تشكل حصنا ضد الصين وحليفا ديمقراطيا طبيعيا في المنطقة.
- مع انخفاض الاستهلاك الخاص وكذلك الاستثمارات انخفاضا كبيرا، قد يستغرق تعافي الهند من تداعيات كورونا سنوات عدّة.
- مع حصول الهند على عضوية مجلس الأمن الدولي للسنتين المقبلتين، ستتاح لنيودلهي فرصة لتطوير علاقتها مع الصين.
مع انقضاء عام 2020 الذي شهد تفشي وباء كورونا، سترخي عملية التعافي بظلالها الكثيفة على العديد من الدول طوال العام الجديد. وينطبق هذا بشكل خاص على الهند، لأنها ستواصل مواجهة التحدي الهائل المتمثل في إدارة الوباء الذي أثر بشدة في أكثر مجتمعاتها ضعفا وهشاشة. فضلا عن ذلك، يجب على الهند أن تتصدى لتحد آخر في حجم جبال الهيمالايا، كما أنه قادم من خلفها، حيث تستمر التوترات العسكرية مع الصين. ويمكن وصف التحديات المزدوجة هذه بأنها أكبر التحديات الأمنية التي واجهتها الهند منذ حرب 1971 مع باكستان والتي أسفرت عن قيام دولة بنغلادش المستقلة. وبالفعل، تبرز تحديات أخرى بارزة تستحق اهتمام الحكومة. وتشمل هذه التهديدات الإرهاب، والتمرد الماوي المستمر منذ فترة طويلة، والاضطرابات الطائفية التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد. وعلى الرغم من أن الهند كانت قد عمدت إلى تطوير أجهزتها العسكرية، إلا أن التوقعات الاقتصادية القاتمة للناتج المحلي الإجمالي لا بد أن تقلص نفقات الدفاع من حيث القيمة الحقيقية وتؤثر سلبا في برنامج التحديث العسكري. ونتيجة وباء كورونا، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للهند بأكثر من 23 % خلال الربع الأول من العام الماضي وبنسبة 7 % إضافية في الربع الثاني من عام 2020. إن التوقعات الاقتصادية المضطربة ستؤثر بالتأكيد في قدرة الهند على الحفاظ على موقفها الصارم ضد الصين.
وتستند الدعوات إلى أن تقيم الولايات المتحدة تحالفا استراتيجيا مع الهند إلى أن نيودلهي تشكل حصنا ضد الصين وحليفا ديمقراطيا طبيعيا في المنطقة. ومع ذلك، حتى في حال تشكيل مثل هذا التحالف، فإنه سيكون بعيدا عن تحالفات الحرب الباردة الأمريكية مع أوروبا واليابان. وقد وجهت رئاسة ترامب ضربة معوقة للقوة الناعمة الأمريكية وهيمنتها في المنطقة. وفي الوقت نفسه، زادت الصين من نفوذها الاقتصادي والعسكري. ولم يعد الشركاء الأوروبيون ينظرون إلى واشنطن حليفا يمكن الاعتماد عليه بالكامل. وعلاوة على ذلك، فـ«الرباعية» (الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا) وهي المنظومة القائمة قبال الصين لم تنضج بعد. وقد أدت التداعيات السلبية للوباء على الاقتصاد الياباني فضلا عن خروج شينزو آبي إلى التخفيف من الآمال المبنية حول الرباعية. وستتطلع الهند إلى الاعتماد على الشراكات الثنائية للتعامل مع الصين، مع إمكانية استكشاف شراكات جديدة دولية يمكن تعزيزها من خلال دورها القادم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إن الأمر الواقع الذي فرضته الصين في وادي غالوان في لاداخ في أوائل عام 2020 والتطورات اللاحقة سلطت الضوء من جديد على أوجه القصور في الاستعداد الدفاعي للهند، خاصة في قدرات نشر القوى وفي العتاد العسكري. وقد اعترفت نيودلهي في وقت مبكر، في ظل تفاقم التوترات، بأنها تعجز عن اجتراح الحلول اللازمة التي يمكن أن تعتمدها لتحدي القوة العسكرية الصينية الخطيرة الآخذة في التفاقم.
وإلى جانب التكلفة البشرية الهائلة للوباء، أصبحت التداعيات المدمرة واضحة اليوم في العديد من القطاعات. وتشير التقارير الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي حول التوقعات الاقتصادية العالمية إلى أن أكثر من 40 مليون هندي قد يقعون في فقر مدقع بسبب الوباء. وسيكون من شبه المستحيل على أي دولة أن تعود بسرعة إلى المستويات الاقتصادية والديناميكيات الاجتماعية التي كانت تشهدها قبل تفشي الوباء. ومع انخفاض الاستهلاك الخاص بنسبة 27 % وانخفاض الاستثمارات بنسبة 47 %، يقدر الاقتصاديون أن التعافي من التأثير السلبي للوباء سيستغرق سنوات طويلة في الهند. ويمكن لهذه الظروف أن تزيد من تأجيج الصراع الداخلي وتفاقم الصدع المجتمعي القائم. ولقد ظهر بالفعل كيف يجري استغلال الوباء لاستهداف القطاعات الضعيفة في المجتمع من خلال المقاطعة الاجتماعية والاقتصادية.
وتتزايد الأصوات المحلية ومجموعات الضغط المطالبة بانخراط الهند في استعراض محدود للقوة إذا لم تعد الصين إلى المواقع التي كانت فيها قبل نيسان / أبريل على طول خط السيطرة الفعلية. ولن تكون الإمكانات التصعيدية المحتملة لأي صراع محدود من هذا القبيل كارثية فحسب، بل ستكون باهظة التكلفة بالنسبة لكلا البلدين. وبالنسبة للهند، فإن المشهد السياسي العام عام 2021 سترسمه قدرتها على حل المواجهة الحدودية القائمة مع الصين بأقل خسارة ممكنة، مع الحد في الوقت نفسه من الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن الوباء. ومع حصول الهند على عضوية مجلس الأمن الدولي للسنتين المقبلتين، ستتاح لنيودلهي فرصة لصياغة علاقتها مع الصين، وهي علاقة مهمة لتحقيق الأهداف المشتركة كمكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه، قد تتاح الفرص التي تسمح باستخدام نهج الشراكات المتعددة الأطراف لمعالجة التوترات الإقليمية.