أوّل الكلام آخره:
- عمدت الولايات المتحدة في محاولة منها لضبط ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى التواصل الدبلوماسي مع العديد من منتجي النفط بما في ذلك بعض خصومها.
- من شأن زيادة إنتاج النفط في الخارج أن يخفف الضغط التصاعدي على أسعار النفط العالمية بسرعة أكبر مما قد يؤدي إليه دعم زيادة الإنتاج المحلي للولايات المتحدة.
- تمتلك المملكة العربية السعودية وفنزويلا وإيران قدرة كبيرة على تصدير النفط الفائض، لكن التواصل مع حكومات الدول الثلاث يتطلب تغييرًا مفاجئًا في سياسة الولايات المتحدة.
- ستحاول روسيا على الأرجح إحباط مبادرات الولايات المتحدة تجاه منتجي النفط الثلاثة.
تسببت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا في ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى 130 دولارًا للبرميل، مما أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة فوق 4 دولارات للغالون. ويتفق المسؤولون الأمريكيون على أن عقوبات الطاقة ضرورية لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إنهاء العمليات العسكرية في أوكرانيا، لكنّ بينهم خلافًا حول الاستراتيجية المثلى لمعالجة الضغط التصاعدي على أسعار النفط؛ إذ يرى البعض أن على الولايات المتحدة أن تشجع المزيد من الإنتاج المحلي من خلال التراجع عن بعض القيود المفروضة على الإنتاج الجديد التي وُضعت في أوائل عام 2021 ضمن سلسلة إجراءات لمواجهة تغير المناخ. على أن تكثيف الإنتاج الأمريكي لا يتعارض فقط مع السياسة الأمريكية لمواجهة تغير المناخ، بل هو أيضًا عملية بطيئة ومرهقة إلى حد ما وقد تصل أزمة أوكرانيا إلى نهايتها قبل أن يظهر تأثير هذا التكثيف على أسعار النفط العالمية.
ويرى آخرون أن الإستراتيجية الأكثر فاعلية تتمثل في تشجيع منتجي النفط الأجانب على زيادة الإنتاج – وكثير منهم لديه طاقة فائضة يمكن إضافتها إلى السوق العالمية بسرعة. ولكن المعضلة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة تكمن في أن العديد من المنتجين الرئيسيين الذين لديهم طاقة فائضة على علاقة متوترة أو عدائية مع الولايات المتحدة. ويرى البعض أن تواصل الولايات المتحدة مع هؤلاء المنتجين قد يهدد القيم الأمريكية ويعزز مكانة الأنظمة التي سعت السياسة الأمريكية منذ فترة طويلة لإضعافها استراتيجيًا من خلال العقوبات أو أدوات السياسة الأخرى.
وتركز المبادرات الأمريكية لزيادة إنتاج النفط العالمي على المملكة العربية السعودية وفنزويلا وإيران، ويشكل قادة كل من هذه الدول تحديات واضحة لسياسة الولايات المتحدة. صحيح أن المملكة العربية السعودية شريك للولايات المتحدة منذ فترة طويلة في الحفاظ على أمن الخليج، وأنها الزعيمة الفعلية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وأن لديها فائضا وفيرا من النفط، وأن لها تأثيرا كبيرا على دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي هي أيضًا في وضع يمكنها من وضع المزيد من النفط في السوق العالمية بسرعة. ولكن المسؤولين الأمريكيين كانوا قد نبذوا الزعيم السعودي الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، وبسبب مآسي الحرب التي تخوضها المملكة والإمارات العربية المتحدة ضد قوات الحوثي المدعومة من إيران في اليمن. وعلى الرغم من المحاولات السعودية المتكررة لإعادة تلميع صورة محمد بن سلمان وتقديمه من جديد بوصفه رجلا إصلاحيا، فإن إعدام 81 شخصًا في المملكة مؤخرا بتهم غير واضحة لا يساعد على هذا. وقد أشارت التقارير الصحفية في أوائل شهر آذار (مارس) إلى أن الرئيس بايدن كان يفكر في زيارة المملكة لتشجيع القادة السعوديين على زيادة إنتاج النفط – وهي زيارة من شبه المؤكد أنها ستتطلب لقاءً مع محمد بن سلمان. وقد قلل المسؤولون الأمريكيون لاحقًا من احتمال إجراء زيارة رئاسية، في إطار الرد على الانتقادات القائلة بأن الرحلة ستعزز مكانة محمد بن سلمان وتأثيره الإقليمي. ومما يزيد من تعقيد الأمر أن أوبك تنسق قرارات إنتاج النفط مع روسيا في إطار مجموعة تسمى «أوبك بلس»، مما يضع موسكو في وضع قد يثني السعودية والإمارات عن الاستجابة بشكل إيجابي لمبادرات الولايات المتحدة بشأن قضايا النفط.
أما فنزويلا وإيران، وكلاهما عضو في أوبك، فهما خصمان للولايات المتحدة منذ فترة طويلة، ويخضعان لعقوبات أمريكية واسعة النطاق، بما في ذلك القيود على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد زار وفد أمريكي رفيع المستوى في 5 آذار (مارس) كاراكاس لاستكشاف إمكانية تخفيف العقوبات النفطية الأمريكية عن حكومة الرئيس نيكولاس مادورو، فضلا عن التباحث معها في قضايا ثنائية أخرى. وقد كانت المحادثات مهمة ولا سيما أن الولايات المتحدة سبق لها أن اعترفت بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيسا شرعيا للبلاد. ويبدو أن المناقشات قد أحرزت بعض التقدم، فقد أطلقت فنزويلا لاحقًا سراح اثنين من الأمريكيين محتجزين بتهم مختلفة، بما في ذلك مسؤول نفطي في شركة تابعة لشركة النفط المملوكة للدولة. ولا يزال ثمانية أمريكيين رهن الاعتقال هناك. وأفاد قادة المعارضة الفنزويلية أن الولايات المتحدة عرضت، مقابل بعض الإصلاحات السياسية التي يمكن لمادورو أن يقوم بها منحَ شركة شيفرون الأمريكية العملاقة ترخيصًا خاصًا لاستئناف أنشطتها في فنزويلا. ويمكن أن تساعد عودة شركات الطاقة الأمريكية الكبرى إلى فنزويلا البلاد على زيادة صادراتها من النفط الخام إلى ما يقرب من 1.2 مليون برميل يوميًا – وهي زيادة كبيرة إذا ما علمنا أن الإنتاج الحالي لا يتعدى الـ 755 ألف برميل يوميًا. ولكن فنزويلا حليف استراتيجي لروسيا، ولذلك فإن لموسكو نفوذا قد يمكّنها من الضغط على مادورو حتى لا يساعد واشنطن.
وبالمثل، تعد إيران حليفًا استراتيجيًا لروسيا، ولا سيما في سوريا، فضلًا عن كونها خصمًا رئيسيًا للولايات المتحدة. وفي أحدث مثال على التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، أعلنت إيران مسؤوليتها عن إطلاق 12 صاروخًا باليستيًا في 13 آذار (مارس) على مناطق بالقرب من القنصلية الأمريكية في أربيل في شمال العراق الذي يسيطر عليه الأكراد. وعلى الرغم من الخلافات الواسعة بين الولايات المتحدة وإيران، كانت عملية التفاوض جارية على قدم ساق قبل الغزو الأوكراني بوقت طويل (وتحديدا في فينا منذ نيسان (إبريل) 2021) بين إيران وست دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، لاستعادة الامتثال الكامل للاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة ترامب في عام 2018. ومؤخرا قيل إن الاتفاق بات قريبا جدا. ومن شأن إحياء الاتفاق النووي عودة إيران إلى سوق النفط العالمية مع رفع العقوبات الأمريكية الثانوية عن قطاع الطاقة الإيراني، على الرغم من أن الشركات الأمريكية لن يُسمح لها باستيراد النفط الإيراني. وفي غضون أسابيع، ستكون إيران قادرة على طرح ما لا يقل عن مليون برميل من النفط في السوق – أي 20٪ من حجم الصادرات الروسية الآن. ولكن مطالب روسيا الجديدة بعدم إخضاع تجارتها مع إيران للعقوبات المتعلقة بالحرب على أوكرانيا أعاقت إبرام اتفاق نهائي. ومع ذلك، ستستفيد كل من إيران وفنزويلا بشكل كبير من تخفيف العقوبات الأمريكية، مما يمنح الحكومتين حافزًا لعقد اتفاق مع واشنطن ورفض ضغوط موسكو.