أوّل الكلام آخره:
- لم تؤدّ الحرائق التي أصابت مساحات شاسعة من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى اعتراف الحكومة الفدرالية الأمريكية بخطورة تغير المناخ.
- من خلال الانسحاب من اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، فقد بددت إدارة ترامب القوة الناعمة للولايات المتحدة.
- كما هو الحال مع معظم القضايا في الولايات المتحدة، وقعت قضية تغير المناخ ضحية الانقسامات والضغائن الحزبية.
- وأثبتت جائحة كورونا أن أحداثا يتدنى احتمال وقوعها قد تفضي إلى تأثيرات هائلة تثقل كاهل المجتمع بأسره.
اشتعلت الحرائق في مساحات كبيرة من كاليفورنيا ومن المرجح أن يتفاقم الوضع سوءا، ولا سيما بالنظر إلى تحفظ الحكومة الفدرالية الأمريكية عن الاعتراف بقساوة تغير المناخ وبأن الوضع لا يحتمل أي مماطلة. وتشهد كاليفورنيا موسم حرائق غير مسبوق مع أضرار هائلة. ومن المعروف أن أكثر من ثلثي الفواكه والخضروات التي تزرع في الولايات المتحدة مصدرها ولاية كاليفورنيا حيث تتسارع وتيرة تغير المناخ، من زيادة للحرارة وانخفاض في هطول الأمطار العادية، مما يخلق تكاليف وعواقب طويلة الأجل لا يمكن تحملها. وعلى الرغم من أن محور الاهتمام الحالي يصب في كاليفورنيا، إلا أنها ليست وحدها في مواجهة التهديدات المناخية الرهيبة. وفي الآونة الأخيرة، تعرضت كل من ولاية أوريغون وولاية واشنطن لدمار هائل. وعند الضغط على الرئيس ترامب للسيطرة على حرائق الغابات خلال المناظرة الرئاسية الأولى، قلّل من أهمية قضية تغير المناخ، وأجاب إجابة مربكة فتعلّل بسوء إدارة الغابات، والأوروبيين الذين يعيشون في «مدن الغابات» و«تمشيط أراضي الغابات».
وقد أدى استمرار رفض الحكومة الفدرالية الأمريكية الاعتراف بالتهديدات التي يفرضها تغير المناخ إلى تهميش الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وفقدانها فرصة القيادة وبناء التوافقات. ومن خلال الانسحاب من اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، فقد بددت إدارة ترامب القوة الناعمة للولايات المتحدة، وتنازلت عن المبادرة لقوى عالمية أخرى، أي الصين، لمناصرة القضية وتصوير الولايات المتحدة على أنها غير مسؤولة وانعزالية. ويجمع علماء المناخ على أن تغير المناخ يتسارع في المقام الأول بسبب التأثيرات البشرية في البيئة، بما في ذلك انبعاث الغازات الدفيئة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون. ويعتقد الكثير من المحللين أن أسوأ الافتراضات السابقة أثبتت قصورها وأن التداعيات المتتالية قد تطغى قريبا على أجزاء كبيرة من العالم. ولقد أصبح من الواضح أن العديد من الآثار السلبية المحتملة من ارتفاع مستويات سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة في الغلاف الجوي والمحيطات بشكل غير طبيعي، وشدة الجفاف والظواهر الجوية الكبرى مثل الأعاصير، قد باتت من ثوابت أي نموذج تنبئي يمكن اقتراحه. وهذا يترك المجتمع الدولي أمام فترة زمنية ضيقة لتفادي كارثة وشيكة الحدوث.
وكما هو الحال مع معظم القضايا في الولايات المتحدة، وقعت قضية تغير المناخ ضحية للضغائن الحزبية. وعلى نحو غير مفهوم، أصبح العلم نفسه محل جدل، بدلا من تسخيره في حل القضايا الأكثر إلحاحا التي تواجه البلاد والعالم. وقد لا تعتمد نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية على سياسات المناخ، ولكن تعامل الولايات المتحدة مع تحدي تغير المناخ يعتمد على نتائج الانتخابات. ومن شأن أربع سنوات أخرى من العداء المتعمد تجاه أن تقود الحكومة الفدرالية أي حملة للانتقال بسرعة أكبر إلى اقتصاد مستدام في ظل مناخ متغير أن تضمن مزيدا من حرائق الغابات والفيضانات التي تدمر البلاد. إن طلب المزيد من الفحم، وعدم تطبيق المعايير البيئية للسيارات، وغياب القوانين البيئية الوطنية التي تحمي الهواء والماء، هي كلها سياسات قصيرة النظر ستضر بالولايات المتحدة بلا شك. وفي مناظرة جرت الأسبوع الماضي، رفض نائب الرئيس مايك بنس وصف تغير المناخ بأنه تهديد وجودي واستهزأ بـ«مثيري قضية المناخ» في رده على سؤال حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع التحدي.
وأثبتت جائحة كورونا أن أحداثا يتدنى احتمال وقوعها قد تفضي إلى تأثيرات هائلة تثقل كاهل المجتمع بأسره. على أن تداعيات تغير المناخ تتطلب استجابة أكثر تعقيدا من مجرد الالتزام بالمبادئ التوجيهية للصحة العامة إلى حين تطوير لقاح للوباء. وينطبق ذلك بصفة خاصة على البلدان ذات الإمكانيات المحدودة. وقد تشمل تداعيات الدرجة الثانية والثالثة لتغير المناخ تغيير أنماط الهجرة، وندرة الغذاء والمياه، فضلا عن الصراع داخل الدول وفيما بينها من أجل التنافس على الموارد المتضائلة. وباختصار، سيكون العالم في خضم أزمة تغير المناخ مكانا أكثر اضطرابا وخطورة. وفي ظل تجاهل العلامات التحذيرية، تفشل الولايات المتحدة في تبوّء موقع القيادة على نطاق عالمي، على نحو يعرّض سكانها المحليين لمستقبل من الكوارث الطبيعية والطوارئ المتعلقة بالطقس. وتتفاقم هذه التحديات بسبب العجز المتزايد والبنية التحتية المتداعية. إن الولايات المتحدة عالقة في دوامة من الإنكار تحمل نتائج عكسية، وهي في حاجة ماسة إلى قيادة كفؤة لمعالجة سلسلة التحديات المتنامية التي تواجه قدرة واشنطن على القيادة داخل البلاد وخارجها.