أوّل الكلام آخره:
- في حين أن بلدانا مثل نيوزيلندا وألمانيا وكوريا الجنوبية قد سلكت مسالك ناجعة للتخفيف من تداعيات وباء كورونا، أدى ضعف كفاءة القيادة في الولايات المتحدة إلى ارتفاع حاد في الحالات المصابة وشل الاقتصاد.
- دأبت إدارة ترامب على التقليل من حدة أزمة الصحة العامة الناجمة عن وباء كورونا وتعثّرت في تنسيق الجهود لمواجهة الوباء.
- لا يزال المسؤولون الأمريكيون عاجزين عن قيادة العالم خلال فترة الوباء، وهو ليس بالأمر المستغرب في ضوء الأحداث المحلية.
- إن السعي إلى تعمد تشتيت الرأي العام الأمريكي لتحقيق مكاسب سياسية، وذلك من خلال نشر الريبة وازدراء السياسات القائمة على العلم والتدابير الصحية المجتمعية، سيضمن فشل الولايات المتحدة في حربها مع وباء كورونا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الملايين من الأمريكيين.
في حال تلقي الدول شهادات تقوّم الجهود المبذولة من كل منها لتحدي وباء كورونا على نحو الشهادات المدرسية، فإن نيوزيلندا ستنال درجة الامتياز، إذ أعلنت رئيسة الوزراء جاسيندا أردرن مؤخرا أن بلادها لم تبلغ عن أي إصابات جديدة لأسبوعين متتاليين، وذلك مع رفع جميع القيود تقريبا. وكذلك الحال مع ألمانيا التي يبلغ تعداد سكانها نحو 83 مليون نسمة، والتي نجحت في مواجهة الوباء وفي رفع كثير من القيود تدريجيا. وعلى النقيض من ذلك، وحتى مع مقياس درجات سخي، ستنال الولايات المتحدة درجة الرسوب مع تسجيل 15.300 حالة في يوم واحد في ولاية فلوريدا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 21,5 مليون نسمة في حين سجلت كوريا الجنوبية ما مجموعه الكلي 13.000 حالة ويبلغ عدد سكانها حوالى 52 مليون نسمة. فما هو السر الذي سمح لبلدان مثل نيوزيلندا وألمانيا وكوريا الجنوبية بالنجاح في التعامل مع الوباء، في حين تتخبط واحدة من أغنى بلدان العالم وأكثرها تقدما من الناحية التكنولوجية، ويموت مواطنوها (ما يعادل 140,000 حالة) ويعاني اقتصادها من الشلل؟ باختصار، يبدو السر في ضعف كفاءة القيادة. ومع استمرار ارتفاع عدد إصابات وباء كورونا في الولايات المتحدة، حيث وصل إلى مستويات قياسية يومية في العديد من الولايات، تتردد إدارة ترامب في معالجة المخاوف التي يفرضها انتشار الوباء. ويبدو أن الرئيس يشعر بالإحباط إزاء ارتفاع عدد الحالات، ولكنه فشل في تهدئة شعبه وتهدئة المخاوف المتزايدة من خلال وضع استراتيجية متماسكة بشأن كيفية التخفيف من تداعيات وباء كورونا التي تسهم في زعزعة الاستقرار.
إن سوء التعامل الفيدرالي مع الوباء المستمر يشكل نموذجا للقيادة الفاشلة. وقد قللت الإدارة باستمرار من شأن خطورة أزمة الصحة العامة وتعثّرت في تنسيق الجهود للمواجهة. فمنذ البداية، تخلى الرئيس عن مسؤولياته وقام بتسليم مهمة اتخاذ القرار لرؤساء الولايات والحكام، حتى إنه أجبر بعض الولايات على رفع القيود قبل الأوان المطلوب. وفي كثير من الأحيان، شارك بشكل مباشر في نشر بعض نظريات المؤامرة حول وباء كورونا، مما أثر سلبا على مصداقية الحكومة الأمريكية، فضلا عن تتضاربها مع آراء العلماء والمهنيين الصحيين المهمة خلال وباء عالمي. ولم ينفك الرئيس ترامب والعديد من كبار المسؤولين في الإدارة عن الاستهانة بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية، وإلقاء اللوم على الصين بزعم أنها السبب في انتشار الوباء. ولا يزال المسؤولون البارزون في إدارة ترامب يصرون على وصف فيروس كورونا بـ «فيروس ووهان» أو «فيروس الصين» أو «انفلونزا الصين»، رغم أن ذلك كان يتسبب في ارتفاع كبير في جرائم الكراهية ضد الآسيويين والأمريكيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة.
وقد ساهمت الإدارة في تسييس ارتداء الكمامات، وتهميش خبراء مثل الدكتور أنتوني فاوتسي، فضلا عن أنها تحدثت بجدية عن إمكانية حقن المطهرات بوصفه علاجا محتملا للوباء، لتعود وتتراجع عن هذا على أنه قيل على سبيل «السخرية» بعد حالة الازدراء العالمي لهذا الاقتراح. وفي 12 تموز / يوليو، أعاد الرئيس ترامب نشر تغريدة أحد المؤيدين مفادها أن «الجميع يكذب، من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ووسائل الإعلام، إلى الديمقراطيين والأطباء، ليس جميعهم ولكن الأغلبية من الذين طلب منا أن نثق بهم». استهلك تحدي وباء كورونا إدارة ترامب خلال فترة التحضير لانتخابات تشرين الثاني / نوفمبر 2020، ولذلك فمن غير المرجح أن تتمكن الحكومة الفدرالية الأمريكية من تنظيم جهد منسق لمعالجة هذه الأزمة الوطنية. ولا يزال المسؤولون الأمريكيون عاجزين عن قيادة العالم خلال فترة الوباء، وهو ليس بالأمر المستغرب في ضوء الأحداث المحلية. كما ويحظر على المواطنين الأمريكيين حاليا السفر إلى العديد من الدول الأخرى بما فيها العديد من الدول الأوروبية خوفا من أن ينتقل المرض من السياح الأمريكيين. وقد أثبتت العديد من البلدان الأوروبية قدرتها على السيطرة على انتشار المرض، ومنها إيطاليا وهي واحدة من أكثر البلدان تضررا من الوباء في بداية الأزمة.
في الولايات المتحدة، حطم معدل البطالة أرقاما قياسية، حتى مع تباهي الرئيس بنتائج سوق الأوراق المالية. ومن المقرر أن تتوقف المساعدات المالية الفيدرالية لملايين الأمريكيين العاطلين عن العمل في غضون أسبوعين. ويتراجع الاقتصاد مرة أخرى مع فرض إغلاق جزئي على المدن والولايات لأن الكثير من المواطنين فيها يرفضون ارتداء الأقنعة والحد من التجمعات لمساعدة مجتمعاتهم المحلية. ومن المحتمل أن تتوقف العديد من المؤسسات هذا الصيف بعد ان عانت على امتداد الربيع. ويجري الضغط على نظم الرعاية الصحية في مختلف الولايات على نحو كان الخبراء قد توقعوه قبل أشهر، دون بذل جهد وطني للحد من انتشار الوباء. وسوف يستمر عدد الوفيات الذي يعد مؤشرا متأخرا على ارتفاع معدلات الاصابات في الارتفاع بشكل كبير. وستشهد الولايات المتحدة في الشهور القادمة المرحلة الأصعب، وسوف يزداد الوضع سوءا اذا استمر البيت الأبيض في التقليل من حدة التحدي أو إدخال صحة المواطنين باللعبة السياسية. إن السعي إلى تعمد تشتيت الرأي العام الأمريكي لتحقيق مكاسب سياسية، وذلك من خلال نشر الريبة وازدراء السياسات القائمة على العلم والتدابير الصحية المجتمعية، سيضمن فشل الولايات المتحدة في حربها مع وباء كورونا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الملايين من الأمريكيين.