أوّل الكلام آخره:
- رغم مرور سنة على انتفاضة الكابيتول التي اندلعت في 6 كانون الثاني (يناير) 2021، لم يُحاسب أي من السياسيين الذين حرضوا على تقويض الديمقراطية الأمريكية.
- لا يمكن المبالغة في الأهمية الرمزية ليوم 6 كانون الثاني (يناير)، فما حدث لا يليق بدولة تجعل من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون شعارا لها في الداخل والخارج.
- والخبر السار هو أن أعمال العنف التي توقعها العديد من المحللين في أعقاب يوم 6 كانون الثاني (يناير) لم تحدث، إذ لم تقع أي هجمات إرهابية كبيرة على الأراضي الأمريكية في عام 2021.
- أما النبأ السيئ فهو أن السادس من كانون الثاني (يناير) حفز ظهور أشكال جديدة من التطرف العنيف، وساهم في توسع بيئة اليمين المتطرف وعمم المشاعر المناهضة للدولة.
قبل عام مضى، حاول بعض المتطرفين اليمينيين وأصحاب نظريات المؤامرة القيام بانقلاب غذّته المعلومات المضللة وأثاره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وبينما تستذكر الولايات المتحدة انتفاضة الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير) 2021، تُترك البلاد مع أسئلة لا إجابة جاهزة عليها من بينها مثلا: لماذا لم يُحاسب سياسي واحد قدم الدعم الخطابي (أو حتى المشورة العملية) وشجع على تقويض الديمقراطية الأمريكية. لقد جرى اتهام أكثر من 700 شخص بارتكاب جرائم فيدرالية تتعلق باقتحام مبنى الكابيتول؛ ومع ذلك، فلم تجر مساءلة أي سياسي (بما في ذلك الرئيس السابق ترامب) ممن روجوا لأكاذيب خطيرة حول سرقة الانتخابات مما أدى إلى اندلاع أعمال الشغب، أو أولئك السياسيين الذين أعاقوا وصول لجنة حكومية من الحزبين إلى حقيقة ما جرى. لقد أدى التمرد نفسه إلى تلطيخ صورة الولايات المتحدة بشكل خطير في الداخل والخارج – وكانت هذه هي المرة الأولى منذ الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر التي فشلت فيها الولايات المتحدة في تحقيق انتقال سلمي للسلطة من إدارة إلى أخرى، مما أظهر أمام الجماهير في الداخل وفي الخارج هشاشة الديمقراطية والنفوذ الأمريكيين.
ومما يثير الدهشة أن أعدادا كبيرة من الجمهوريين (71 % وفقًا لاستطلاع جامعة ماساتشوستس أمهيرست) ما زالوا يؤمنون بـ «الكذبة الكبرى»، وهي أن الرئيس جوزيف بايدن والحزب الديمقراطي قد «زوروا» أو «سرقوا» الانتخابات. وعلى الرغم أنه ما من دليل يدعم هذا الادعاء، الذي ادعاه الرئيس السابق ترامب وضخمه بعض مؤيديه المتحمسين، إلا أنه كان الدافع الأساسي لأولئك الذين اقتحموا مبنى الكابيتول. على أن ما حدث أظهر العلاقة المتنامية بين المعلومات المضللة والإرهاب الداخلي. وقد علق وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس مؤخرًا قائلا: «أعتقد أنه من المهم جدًا أن أذكّر أن الكلمات مهمة، فالروايات الكاذبة حول انتخابات مسروقة لها تأثير على مشهد التهديد». وتابع الوزير مايوركاس حديثه واصفا التحديات التي تشكلها الجهات الفاعلة المنفردة وشبكات التطرف المرتبطة بشكل فضفاض. وفي حين أن ما لا يقل عن 12 % من المتهمين بارتكاب جرائم متعلقة بـ 6 كانون الثاني (يناير) هم أعضاء في منظمات معروفة مثل Proud Boys أو Oath Keepers، فإن ما يقرب من 88 % كانوا غير منتسبين، مما يشكل مجموعة هائلة من المتطرفين المستقلين. وقد أشار استطلاع للرأي أجرته واشنطن بوست وجامعة ماريلاند إلى أن واحدًا من كل ثلاثة أمريكيين يقول إن العنف ضد الدولة يمكن أحيانًا تسويغه.
لا يمكن المبالغة في القوة الرمزية لـ 6 كانون الثاني (يناير). لقد حاول مواطنون أمريكيون قلب نتائج انتخابات ديمقراطية بعنف عندما خسر المرشح الذي دعموه في غياب أي مؤشرات واقعية على حدوث تلاعب، وهذه أعمال لا تليق بدولة تجعل من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون شعارا لها في الداخل والخارج. وقد تأذت القوة الناعمة للولايات المتحدة كثيرا أمام العديد ممن اعتبروا الولايات المتحدة لفترة طويلة منارة للأمل ونموذجًا للاستقرار. وبالاقتران مع الأسئلة حول فعالية «القوة الصارمة» في تأمين انتصارات استراتيجية طويلة الأمد في أماكن مثل أفغانستان، ينبغي أن يكون هذا التراجع في القوة الناعمة مقلقًا لصانعي السياسات والمواطنين. فبعد كل ما جرى ماذا بقي عند واشنطن من مصداقية في انتقادها موسكو وبكين على توجهاتهما المعادية لليبرالية وقد أدار أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين وجهه لما وقع ما وقع؟ وفي هذا الأسبوع تحديدا أشاد الرئيس السابق ترامب برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي اشتهر بأنه بطل «الديمقراطية غير الليبرالية»، وأعلن تأييده لحملة إعادة انتخاب أوربان. وقد زار مضيف قناة فوكس نيوز وأيقونة حزب المحافظين تاكر كارلسون المجر وبث برنامجه من بودابست في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كل ذلك بينما كان يتغنى بأوربان، مشيدًا بوضوح بالميول الاستبدادية لمضيفه المجري.
الخبر السار هو أن أعمال العنف التي توقعها العديد من المحللين في أعقاب يوم 6 كانون الثاني (يناير) لم تحدث، إذ لم تقع أي هجمات إرهابية كبيرة على الأراضي الأمريكية في عام 2021، على الرغم من أن القبول الواضح للتهديدات الموجهة ضد المشرعين ولاستخدام العنف لأغراض سياسية لا يزال مقلقًا. وفي حين أن غياب الهجمات الإرهابية الجماعية قد يكون راجعًا جزئيًا إلى وباء كوفيد-19 المستمر، فإن إدارة بايدن تستحق الثناء أيضًا لأخذها تهديد الإرهاب المحلي على محمل الجد وصياغة استراتيجية شاملة، هي الأولى من نوعها، لتقييم المخاطر وتخصيص الموارد عند الحاجة. وقد تضمنت الاستراتيجية ركائز متعددة مصممة لمنع التطرف العنيف ومكافحته في الولايات المتحدة. وقد سعت مبادرة منفصلة إلى استئصال التطرف العنيف من وزارة الدفاع، بما في ذلك القوات المسلحة للجيش الأمريكي. وعلاوة على ذلك، فإن النهج الفعال لإنفاذ القانون المتبع في تحديد العصاة والمتمردين واعتقالهم جدير بالثناء.
أما النبأ السيئ فهو أن السادس من كانون الثاني (يناير) كان من بعض النواحي بمثابة حافز لظهور أشكال جديدة من التطرف العنيف، حيث اتسعت خيمة اليمين المتطرف لتشمل أصحاب نظريات المؤامرة من جميع المشارب وأولئك الذين يعارضون عمليات الإغلاق والتدابير الخاصة بكوفيد-19 (بما في ذلك اللقاحات). وتمامًا مثل التطرف اليميني، تحولت هذه الحركة إلى ظاهرة عالمية ذات أساس قوي مناهض للدول. وقد أظهر البحث الذي أجراه مركز صوفان أن تمرد 6 كانون الثاني (يناير) في مبنى الكابيتول الأمريكي عزز حركة اليمين المتطرف على الإنترنت وخارجها، بما في ذلك الروابط القائمة والناشئة العابرة للحدود، وذلك على المستويات الأيديولوجية والمادية والتشغيلية. وكثيرا ما كان يجري التقليل من مخاطر الجماعات اليمينية المتطرفة، لأنه لم يكن يُنظر إليها على أنها جزء من حركة منظمة أو على أنها تتمتع بصلات عابرة للحدود. لكن الانتشار المتواصل للجماعات ولإيديولوجية النازيين الجدد والعنصريين البيض العنيف بات اليوم ظاهرة عالمية، وستؤدي زيادة الروابط والصلات بين المتطرفين اليمينيين إلى تقوية الشبكات القائمة وإلى دعم تطور الحركة على نحو خطير.