أوّل الكلام آخره:
- تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز حضورها وتوسيعه في محافظتي دير الزور والحسكة الشرقيتين، ولكنّ إعادة التموضع هذه لن تكون من دون تحديات.
- في محاولة للعودة إلى دير الزور، سعت القوات الأمريكية إلى التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، ولكن بعد الانسحاب المفاجئ في تشرين الأول / أكتوبر الماضي وتجاهلها لقوات سوريا الديمقراطية، تدنت مصداقية واشنطن في المنطقة إلى مستوى الهاوية.
- يوفر نهج الكرملين في الحرب الهجينة مجموعة من الخيارات لروسيا في ظلّ ترسيخ قواتها في سوريا، والانتقال إلى موقع الحضور الدائم عسكريا وسياسيا.
- كلما طال أمد الحرب في سوريا، زاد خطر تفاقم الصراع بين مختلف الفصائل، وخاصة روسيا وتركيا.
في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس السوري بشار الأسد سعيه للسيطرة على الأراضي التي يحتلها المتمردون والتحرك نحو تحقيق النصر في الحرب الأهلية السورية، تتطلع الولايات المتحدة إلى تعزيز حضورها وتوسيعه في محافظتي دير الزور والحسكة الشرقيتين. وبقي الحضور الأمريكي الرئيسي في شمال شرق سوريا ظاهريا لمنع تنظيم داعش والجماعات الإرهابية والجماعات المتمردة الأخرى من السيطرة على حقول النفط في المنطقة. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ إعادة التموضع هذه لن تكون من دون تحديات. وتعود الوضعية الحالية إلى حد كبير إلى قرار الرئيس ترامب المتهور وغير المناسب بسحب القوات الأمريكية من سوريا في تشرين الأول / أكتوبر ٢٠١٩. وفي ظلّ التموضع الراهن، تفتقر الولايات المتحدة إلى العديد اللازم لتحقيق أهدافها في سوريا، بعد أن تضاءل نفوذها بشكل كبير على مدى الأشهر الستة الماضية.
تقاتل قوات سوريا الديمقراطية ضد الأتراك وضد من بقي من تنظيم داعش. وفي حين تواصل قوات سوريا الديمقراطية تعاونها مع القوات الأمريكية، فقد أُجبرت على مجاملة نظام الأسد والتعاون معه، والسبب في ذلك يعود إلى قرار الولايات المتحدة بسحب قواتها بصورة مستعجلة، وهي خطوة اعتبرها العديد من الخبراء خيانة لقوات سوريا الديمقراطية. كما أن النفوذ الروسي بات اليوم مظلّة لعلاقة الأكراد السوريين والأسد، ويُنظر إلى تواصل موسكو مع قوات سوريا الديمقراطية على أنه إهانة لتركيا. وفضلا عن اضطرار قوات سوريا الديمقراطية إلى الدفاع عن نفسها في وجه التعدي التركي على شمال سوريا، تعمل هذه القوات على الحفاظ على سيطرتها على معسكرات الاعتقال التي تحتجز سجناء تنظيم داعش وعوائلهم. ويتفاقم هذا التحدي بسبب انتشار وباء كورونا، الذي سيكون مدمرا إذا انتشر في المخيمات التي يصعب العيش فيها أصلا. وفي محاولة للعودة إلى دير الزور، سعت القوات الأمريكية إلى التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، ولكن بعد الانسحاب المفاجئ في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، هوت مصداقية واشنطن إلى الحضيض في المنطقة.
وفي سوريا، تتعدد الفصائل المتنافسة وتكثر خلافاتها. ففي شمال غرب سوريا، رُسم الخط الفاصل بين تركيا وروسيا. وتواصل أنقرة تقديم الدعم لمجموعة من الجماعات المتمردة، بما في ذلك بعض الجماعات المرتبطة بالمنظمات الجهادية، في حين تدعم موسكو نظام الأسد من خلال القوات التقليدية وغير التقليدية، بما في ذلك الوكلاء والمقاولون العسكريين من القطاع الخاص. يوفر نهج الكرملين في الحرب الهجينة مجموعة من الخيارات لروسيا في ظلّ ترسيخ قواتها في سوريا، والانتقال إلى موقع الحضور الدائم عسكريا وسياسيا. ويسعى الروس إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة شرق نهر الفرات في محاولة لبسط نفوذهم الاستراتيجي داخل سوريا وبسط سلطتهم في جميع أنحاء المنطقة.
وفي الوقت نفسه، لم يختف خطر اندلاع الصراع بين روسيا وتركيا. ففي أوائل شباط / فبراير ٢٠٢٠، أسفر قصف مدفعي للنظام السوري عن مقتل خمسة جنود أتراك في إدلب، وأسفر هجوم بالقرب من سراقب، جنوب تفتناز، عن مقتل ثمانية جنود آخرين. وتصاعدت حدة التوتر بعد عدة أسابيع في أعقاب اشتباكات أسفرت عن مقتل عشرات الجنود الأتراك نتيجة غارة جوية، ألقت تركيا باللوم فيها على الأسد. كما أن الضربات الجوية العشوائية التي شنتها روسيا مسؤولة عن ارتفاع عدد النازحين داخليا في شمال غرب سوريا، حيث نزح أكثر من مليون شخص على مدى الأشهر القليلة الماضية ووصلت المعاناة في محافظة إدلب إلى مستويات غير مسبوقة. وفي أماكن أخرى من سوريا، شنت إسرائيل مؤخرا غارات جوية ضد القوات المدعومة من إيران التي تعمل بالقرب من تدمر. وعليه، كلما طال الحرب في سوريا، زاد خطر تفاقم الصراع بين مختلف الفصائل، بما في ذلك القوى الإقليمية الكبرى.