أوّل الكلام آخره:
- يدل حجب إدارة بايدن لمواقع إعلامية إيرانية على عزمها على مواجهة جميع جوانب سلوك إيران الذي تعارضه، حتى في ظل المفاوضات حول القضايا النووية.
- لن يكون لإغلاق المواقع الإلكترونية تأثير كبير في جهود إيران لتعزيز مواقفها وتحقير الولايات المتحدة وحلفائها.
- جرى تفسير حجب الولايات المتحدة لبعض المواقع الإعلامية الإيرانية على أنه تطبيق للعقوبات الأمريكية المعمول بها ضد إيران.
- تسعى إيران إلى استغلال إغلاق المواقع للبرهنة على النفاق الأمريكي الذي يدعي حرية التعبير، وعلى التحيز المناهض للإسلام والمعادي لإيران.
في 22 حزيران / يونيو، أعلنت وزارة العدل الأمريكية أنه عملا بأوامر من المحكمة، صادرت السلطات الأمنية الأمريكية ثلاثة وثلاثين موقعا إلكترونيا مرتبطا بوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ووسائل إعلام أخرى تابعة لها وتديرها فصائل مسلحة إقليمية مرتبطة بفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. ويدعي مسؤولون أمريكيون أن المواقع قد أغلقت لارتباطها بأنشطة تضليل إرهابية أو منظمات عنيفة تنتهك العقوبات الأمريكية. وكانت المواقع الإلكترونية الإيرانية التي أغلقت تحت إشراف اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني، بما في ذلك شبكة الأخبار الإيرانية البارزة Press TV، وقناة «العالم» باللغة العربية، وكلاهما يحظى بشعبية لدى الشيعة العرب في جميع أنحاء المنطقة. ومن بين المواقع المصادرة ثلاثة مواقع تديرها كتائب حزب الله، وهي ميليشيا شيعية عراقية قتل زعيمها السابق، أبو مهدي المهندس، مع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أمريكية في كانون الثاني / يناير 2020. وقد صنف البيان الأمريكي الصادر عن الولايات المتحدة بشأن عمليات الإغلاق كتائب حزب الله منظمة إرهابية ترتكب أعمال عنف ضد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وضد قوات الأمن العراقية. وذكر البيان دعم الحرس الثوري الهائل لكتائب حزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية العراقية التي تستهدف قوات التحالف والأمن العراقية وتقتلها. وأفادت تقارير عن حجب موقع «المسيرة»، الذي تديره حركة الحوثيين في اليمن، وهي حليف آخر لإيران، فضلا عن موقع تلفزيون «اللؤلؤة»، الذي يديره المنشقون الشيعة البحرينيون المدعومون من إيران.
وقد أكد إعلان الحجب الأمريكي أن عناصر من الحكومة الإيرانية، بما في ذلك اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني وغيره، «متلبسين بلبوس اعلامي يستهدفون الولايات المتحدة بحملات تضليل وعمليات تأثير خبيثة». وعلى الرغم من أن كثيرا من الخبراء ربما لا يوافقون بالضرورة على التوصيف المذكور في بيان وزارة العدل لوسائل الإعلام التي تقودها إيران، إلا أنهم يجمعون على أن إيران ووسائل الإعلام المتحالفة معها تبث مواد تصف الولايات المتحدة بأنها تسعى للهيمنة تؤيد قمع الشيعة والجماعات الإسلامية في المنطقة. وقد أثار توقيت الحجب تساؤلات الخبراء، نظرا إلى أن محتوى وسائل الإعلام التي تقودها إيران كان ثابتا نسبيا ولم يتغير مؤخرا. ويمكن القول إن إدارة بايدن تسعى إلى إظهار استعدادها للعمل ضد سلوك إيران المرفوض والرد بذلك على منتقدي دخول الإدارة الأمريكية في مفاوضات مع إيران بشأن العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015 والذي ألغاه الرئيس ترامب. إن العقوبات لا تنطبق إلا على المواقع التي تستضيفها الشركات الأمريكية، ويمكن لوسائل الإعلام الإيرانية والحليفة استخدام مواقع مستضافة خارج الولايات المتحدة لمواصلة البث الخاص بها. لذلك، فإن التأثير العملي لحجب هذه الوسائل الاعلامية والدعائية الإيرانية يعد محدودا.
وعلى الرغم من أن الإجراء الأمريكي كان يهدف إلى إظهار العزم ضد الإجراءات الإيرانية المناهضة للولايات المتحدة، فقد صيغ الحجب على أنه تنفيذ لعقوبات أمريكية ضد الحرس الثوري الإيراني وحلفائه الإقليميين. وقد صنفت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني، وكتائب حزب الله، واتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني كيانات تدعم أعمال الإرهاب الدولي، فضلا عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية في الأسابيع الأخيرة من عهد إدارة ترامب، وهو تصنيف سرعان ما ألغته إدارة بايدن عند تسلمها الحكم، على الرغم من أن العديد من قادة الحوثيين الرئيسيين لا يزالون مصنفين على لائحة المؤيدين للإرهاب. وفي تشرين الأول / أكتوبر 2020، صنف اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي الإيراني منظمة إرهابية أجنبية على أساس أنه تابع للحرس الثوري الإيراني وخاضع لسيطرته. والجدير بالذكر أن كل الكيانات الخاضعة للعقوبات بموجب مختلف القوانين والأوامر التنفيذية للولايات المتحدة هي عرضة لحجب مواقعها في الولايات المتحدة إذا حصلت على خدمات، بما في ذلك خدمات الموقع الإلكتروني، في الولايات المتحدة دون ترخيص محدد من وزارة الخزانة. ولم يكن لدى المؤسسات الإعلامية المذكورة تراخيص من وزارة الخزانة، كما أن مواقعها مستضافة من الولايات المتحدة ويمكن حجبها بناء على ذلك.
وعلى الرغم من أن عمليات حجب المواقع الإلكترونية تستند إلى أسس قانونية أمريكية، إلا أن إيران تستغل الإجراءات لتعزيز رسالتها بأن الولايات المتحدة تطبق معايير مزدوجة عند صياغة سياساتها في المنطقة. وقد انتقدت وسائل الإعلام الإيرانية عملية الاستيلاء بوصفها مؤشرا على نفاق الولايات المتحدة في ادعائها الحرص على حرية التعبير محليا وعالميا، مؤكدة أن أجهزتها الإعلامية تعبر عن آرائها وتعزز المناقشات الصادقة حول السياسة الأمريكية في المنطقة. كما صورت إيران هذه الخطوة دليلا على عداء الولايات المتحدة لإيران وحلفائها الإقليميين والحركات الإسلامية الإقليمية بسبب انتقاداتهم الصريحة لسياستها وسياسات حلفائها، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية. ومن المرجح أن يكون حجب المواقع الإلكترونية غير فعال في الحد من نفوذ وسائل الإعلام التي تقودها إيران، بل قد يزوّد إيران أيضا بذخيرة إضافية، وربما ببعض الأتباع الجدد، لدعم حججها ضد السياسة الأمريكية في المنطقة. ومن أجل موازنة هذه الخطوة مع المزيد من الخيارات التطبيقية المصممة لردع إيران، فقد تشن إدارة بايدن المزيد من الضربات المماثلة لتلك التي شنتها في وقت سابق من هذا الأسبوع والتي استهدفت الميليشيات المدعومة من إيران العاملة في العراق وسوريا.