أوّل الكلام آخره:
- أعلن الرئيس بايدن في اليوم الأول من رئاسته، انضمام الولايات المتحدة مرة أخرى إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.
- لم يدخل إعلان إدارة ترامب للانسحاب من الاتفاق عام 2017حيز التنفيذ إلا في 4 تشرين الثاني / نوفمبر 2020، ومع ذلك فقد شكل ضربة رمزية للقوة الناعمة الأمريكية.
- شهدت السنوات الأربع الماضية رفض القيادة السياسية الأمريكية مرارا الاعتراف بتغير المناخ، في سعيها للمضي قدما في زيادة إنتاج الفحم.
- يرتبط تغير المناخ بالأمن الوطني ارتباطا وثيقا، كما أنه يؤثر فعليا في الاقتصادات، فضلا عن المياه والطاقة والموارد الحيوية الأخرى.
بجرّة قلم من الرئيس الجديد، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية من جديد إلى اتفاقية باريس للمناخ. ومع ذلك، سوف يحتاج الأمر أكثر من مجرد تغيير في الإدارة لاستعادة زمام القيادة بشأن قضية تغير المناخ و«أمن المناخ» بالمعنى الأوسع. وكان عمل الحكومة الأمريكية والتزامها بمعالجة تغير المناخ، على مدى عقود، شديد التقلب. وقد قامت الإدارة السابقة بتسييس القضية بدرجة عالية، حتى على خلفية المشاركة الأمريكية غير المتكافئة، بما في ذلك رفض الانضمام إلى بروتوكول كيوتو عام 1998 وتعمّد بعض الساسة الأمريكيين للانتقاص من العلم ومعطياته حول تغير المناخ. وخلال السنوات الأربع الماضية، انسحبت واشنطن بالكامل من الجهود القائمة على العمل التوافقي المشترك لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ. وتفاقمت هذه النزعة الانعزالية حتى عندما بدأت بكين تضطلع بدور أكثر نشاطا في الهيئات المتعددة الأطراف، وقدمت الصين نفسها بصورة البلد المستعد للعمل مع الشركاء الدوليين في مجموعة من القضايا تتراوح من التنمية والصحة العامة إلى الأمن. وستكون إدارة بايدن وهاريس أكثر عزما في استعادة الدور القيادي التقليدي للولايات المتحدة بشأن التحديات العالمية مدركة في الوقت نفسه أهمية القوة الناعمة والوصول والتأثير.
ومن المفهوم أن تبقى بقية الدول متشككة في العزيمة الأمريكية، وخاصة أن الالتزامات التي تحدث بأمر تنفيذي يمكن التراجع عنها بأمر تنفيذي مضاد. وقد زاد هذا الشك بطريقة غير مسبوقة على مدى السنوات الأربع الماضية. ولكن طالما أن السياسة الأمريكية لا تزال تتسم بالقصور، فإن الأمر التنفيذي سيكون أحد الطرق القليلة التي يمكن للرئيس الأمريكي من خلالها التحرك نحو اتخاذ إجراءات ملموسة. ولذلك سيكون من المهم ضمان إمكانية تنفيذ الأوامر التنفيذية وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. على أن النهج الأكثر اتساقا وديمومة يتمثل في إنشاء حملة مستمرة لتوعية الناخبين الأمريكيين بشكل أفضل بشأن التكلفة المحلية والتأثير العالمي لتغير المناخ. وقد كان عام 2020 الثاني في أشد الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل البيانات، كما أنّ السنوات العشر الأشدّ حرارة شهدها العالم خلال العقدين الماضيين، ويبدو أن الحالة تزداد سوءا.
وتهدف اتفاقات باريس إلى حصر ارتفاع درجات الحرارة العالمية في حد لا يتجاوز درجتين مئويتين أي ما يعادل 3.6 درجة فهرنهايت. وقد وضع كل بلد أهدافه الخاصة به المتعلقة بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي هي المحرك الرئيس لتسريع تغير المناخ. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية اعتمدت الولايات المتحدة نهج الصفقات حتى في مقاربتها للاتفاقات الدولية القائمة على الإجماع وحتى في علاقاتها بحلفائها الرئيسين ولاسيما الأوروبيين، وهذا جعلها لا تتحرك على نحو كاف لتنظيم الجهود في مواجهة التحديات العالمية المعقدة مثل قضية تغير المناخ. وفي هذه الحالة على وجه الخصوص، تعد مكافحة التضليل الإعلامي أمرا بالغ الأهمية لأن الدعم الواسع النطاق للاستنتاجات التي استخلصها العلماء والخبراء ضروري لتطوير تغييرات مستدامة وتنفيذها.
وبالفعل، يمثل تسارع وتيرة تغير المناخ تحديا متعدد الأبعاد، فلا يمكن النظر إلى الأمن القومي والصحة العامة والاقتصاد بمعزل عن القضايا الاخرى. فعلى سبيل المثال، سلّط تطور الإرهاب العابر للحدود على مدى العقدين الماضيين الضوء على أهمية الصراعات والمظالم المحلية في دفع عجلة انهيار الأمن الإقليمي وحتى الدولي. وقد استفادت مجموعات مثل القاعدة وداعش من الإحباطات والمظالم والاحتياجات على المستويات المحلية وربطتها بسرديات عالمية. ونتيجة لذلك، تمكنت الفروع الإقليمية من الاستفادة من الصراعات والتوترات الموجودة مسبقا لحشد الدعم. ومما لا شك فيه أن ندرة المياه التي تؤدي إلى نقص الغذاء ستخلق صراعات جديدة وتفاقم الصراعات القائمة، إذ ستتغير أنماط هطول الأمطار وتصبح فترات الجفاف التي تتخللها الفيضانات المدمرة هي الحالة الطبيعية الجديدة. إن ما سبق ذكره، قد يؤدي إلى ظهور فئة جديدة من اللاجئين ويشجع على الهجرة غير النظامية. وعلى صعيد الولايات المتحدة، سيؤثر ارتفاع مستويات سطح البحر في السواحل الشرقية والخليجية للولايات المتحدة، مما يهدد المدن والقواعد البحرية والموائل الطبيعية. وسيستمر الجفاف الذي يصيب المناطق الغربية من الولايات المتحدة في التفاقم، كما هو الحال في أوروبا وآسيا. ويشعر علماء المناخ بالقلق من أن الكثير من التغيير القادم متوقّع بالفعل، مما يعني أن الحاجة ملحة إلى اتخاذ إجراء فوري لتجنب بعض التنبؤات الأكثر سوءا. ويعاني سكان الولايات المتحدة اليوم من التأثير الاجتماعي والاقتصادي للوباء، فضلا عن المظالم والإحباطات التي عبر عنها أولئك المستعدون لارتكاب العنف ضد الدولة. ومع التزام الولايات المتحدة اليوم بدور قيادي، ومع تعيين خبراء وصانعي سياسات ملتزمين، اتخذت إدارة بايدن وهاريس الخطوة الأساسية للبدء في التخفيف من بعض أسوأ السيناريوهات. وسيحتاج مبعوث المناخ جون كيري إلى التحرك بسرعة للعمل مع القادة والمنظمات الدولية وترجمة هذا الفعل إلى خطوات مستقبلية ذات مغزى والسماح للشركاء الأساسيين بالنظر في قضايا السلام والأمن الدوليين من خلال عدسة «الأمن المناخي» عند الاقتضاء.