أوّل الكلام آخره:
- حلقت قاذفتان أمريكيتان من طراز B-52 فوق الخليج في مهمة تهدف إلى ردع إيران.
- يعد أسلوب إظهار القوة بديلا عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، والتي يزعم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حث الرئيس ترامب على النظر في ضربها.
- من المستبعد أن ترد إيران ردا فوريا على أي إجراء أمريكي أو إسرائيلي قبل أن يتسلم بايدن الإدارة.
- قد يزيد التحليق الجوي الأمريكي من احتمال وقوع الأخطاء القاتلة كالرد المحتمل من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية S-300 الروسية الصنع.
في 10 كانون الأول / ديسمبر، وللمرة الثانية خلال شهرين، حلقت قاذفتان ثقيلتان أمريكيتان من طراز B-52ذهابا وإيابا من قواعدهما الأمريكية في الخليج، وحلقت معها طائرات تابعة لحلفاء أمريكيين في المنطقة بما في ذلك المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر. وجاءت هذه المهمة الثانية في ظل توترات عالية بين إيران وإدارة الرئيس ترامب التي شارفت ولايتها على الانتهاء، وبعد العملية الإسرائيلية في أواخر تشرين الثاني / نوفمبر التي أودت بحياة محسن فخري زاده، الذي يُزعم أنه رئيس برنامج إيران السري للأسلحة النووية. ويبدو أن التقارير التي تفيد بأن إيران كانت تحرض حلفاءها في العراق على مهاجمة القوات والأفراد الأمريكيين أدت إلى تنفيذ مهمة كانون الأول / ديسمبر، كما دفعت السفارة الأمريكية في بغداد، وهي هدف متكرر للميليشيات المدعومة من إيران، إلى تقليل موظفيها. كما وقعت عمليتا التحليق الجوي الأمريكي خلال فترة من الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق وأفغانستان. وكان الهدف منهما إرسال رسالة إلى طهران مفادها أنها ستدفع ثمنا باهظا إذا ما أرادت الانتقام من مقتل فخري زاده أو الاستفادة من عمليات الانسحاب العسكرية الأمريكية لشن أي هجمات كبيرة في العراق أو في أي دولة أخرى.
ومن المعلوم أن برنامج الأسلحة النووية الإيراني غير نشط تقريبا منذ ما يقارب عشرين عاما. ولكن إيران واصلت توسيع برنامجها النووي المدني للرد على إلغاء إدارة ترامب للاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف الذي عقد عام 2015. ودفع النشاط النووي الإيراني الموسع الرئيس ترامب إلى التفكير في شن ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، في ضوء إمكانية قيام إيران بعملية تخصيب اليورانيوم إلى حد 20 % من النقاء، وهي النسبة المناسبة لتصنيع الأسلحة النووية. ويزعم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حث ترامب على اتخاذ مثل هذه القرارات، نظرا لأنه حليف مقرب يشاركه في موقفه المتشدد ضد إيران. ويعارض كل من ترامب ونتنياهو العودة المزمعة لإدارة بايدن إلى المفاوضات النووية مع إيران وتخفيف ضغوط العقوبات الأمريكية. ويسود اعتقاد واسع بأن نتنياهو هو الذي أمر باغتيال فخري زاده، ولكن الرئيس ترامب فضّل الحل الوسط الذي يقضي بأن يأذن بالتحليق الجوي للقاذفتين من طراز B-52 دون دخولهما فعليا في المجال الجوي الإيراني وتعهد بالاحتفاظ بالعقوبات المفروضة على إيران حتى تتولى إدارة بايدن السلطة في 20 كانون الثاني / يناير 2021.
وينتظر القادة الإيرانيون بفارغ الصبر رحيل الرئيس ترامب، ويأملون أن ترحل برحيله استراتيجية «الضغط القصوى» التي ألحقت أضرارا هائلة بالاقتصاد الإيراني. ومن المتوقع أن تمضي إدارة بايدن القادمة قدما في خطتها لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ولذلك سيبذل القادة في طهران جهدهم لعدم الرد بشكل مباشر أو فوري لأي استفزازات أمريكية أو إسرائيلية في هذا الوقت. فذلك ليس لمصلحة أي طرف من الأطراف، لأنه لا يهدد بنشوب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة فحسب، بل يخلق أيضا ضغوطا سياسية إضافية على فريق الرئيس المنتخب بايدن للتخلي عن خطط الانخراط الدبلوماسي مع إيران.
ومع ذلك، فإن عمليات التحليق للقاذفتين الأمريكيتين تنطوي على شيء من سوء التقدير واحتمال وقوع الأخطاء القاتلة كالرد المحتمل من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية S-300 الروسية الصنع. فقد طورت إيران نظاما قويا للدفاع الجوي يتمحور حول نظام S-300 الذي سلمته روسيا عام 2016، بعد موافقة إيران على الاتفاق النووي المتعدد الأطراف. ويزعم أن نظام الدفاع الجوي هذا قد صمم بهدف حماية المنشآت النووية الإيرانية من أي ضربات، علما أنها ستكون الهدف الرئيس لأي ضربات جوية أمريكية أو إسرائيلية. وقد ارتكبت كل من الولايات المتحدة وإيران أخطاء في الماضي، مما تسبب في حدثين من الإصابات الجماعية. ففي كانون الثاني / يناير 2020، أسقطت وحدات الدفاع الجوي التابعة لإيران طائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ ظنا منها أنها طائرة عسكرية أمريكية تسعى للانتقام من الضربات الصاروخية الإيرانية على القوات الأمريكية في العراق. وقبل هذا الحدث، في تموز / يوليو 1988، أسقطت البحرية الأمريكية من دون قصد طائرة ركاب إيرانية من طراز إيرباص فوق الخليج، على أساس أنها طائرة مقاتلة إيرانية مهاجمة. وعلى الرغم من إيران وإدارة ترامب يتجنبان المواجهة المباشرة، إلا أن ما يحدث في الآونة الأخيرة يزيد من احتمالات نشوب الصراع مع الاقتراب من نهاية ولاية ترامب.