أوّل الكلام آخره:
- أعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرض حظر على واردات النفط الروسي ضمن ردودهما على غزو أوكرانيا.
- يحاول الاتحاد الأوروبي صياغة خطة لإنهاء اعتماده على إمدادات الطاقة الروسية خلال هذا العقد.
- لن تؤدي أي من مجموعة العقوبات التي تحظر واردات النفط الروسي إلى وقف الهجوم الروسي على أوكرانيا على الفور، لكن الاقتصاد الروسي سيضعف بشكل كبير على المدى المتوسط إلى البعيد.
- ستعمل العقوبات النفطية التي تفرضها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على إعادة تنظيم سوق النفط العالمي إلى ما بعد فترة الحرب في أوكرانيا.
في محاولة لإجبار روسيا على وقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة في 8 آذار (مارس)، حظر استيراد النفط من روسيا، وأعلنت المملكة المتحدة أيضا أنها ستتوقف عن استيراد النفط الروسي وسائر المنتجات النفطية الروسية بحلول نهاية عام 2022. وتستحوذ روسيا على حوالي 8٪ من إجمالي واردات البلدين من النفط. وفي حالة الولايات المتحدة، يبلغ حجم الواردات حوالي 500000 برميل من النفط يوميًا. وعلى الرغم من تقييم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بأن عقوبات الطاقة على روسيا يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مستويات التضخم المرتفعة بالفعل في كلا البلدين، فإن القيادتين الأمريكية والبريطانية قدّرتا أن الحاجة إلى التصدي لعدوان الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا يفوق التكاليف الاقتصادية لتدابيرهما.
وقد أدى إعلانا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على الفور إلى اضطراب أسواق النفط العالمية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط الخام بنسبة 20٪ تقريبًا – إلى حوالي 130 دولارًا للبرميل. وتصدر روسيا حوالي 5 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا – وهي كمية يكاد يكون من المستحيل على أي دولة وحدها تعويضها على الفور، بل قد لا تتمكن من ذلك عدة دول مجتمعة. ومع ذلك، فقد تراجعت الأسعار إلى حوالي 110 دولارات للبرميل بحلول 11 آذار (مارس) حيث بدأت أسواق الطاقة في توقع أن إعادة تنظيم أسواق النفط العالمية قد تخفف من الآثار الناجمة عن نقص الإمدادات. وقد أشارت الصين إلى أنها لن تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بل إنها عمدت إلى زيادة حجم وارداتها من النفط الروسي، بسعر أقل بكثير، على الأرجح، من السعر العالمي. وقد يؤدي حصول الصين على بعض احتياجاتها النفطية من روسيا إلى تحرير الإمدادات من كبار المصدرين مثل المملكة العربية السعودية لتذهب بدلًا من ذلك إلى مصافي التكرير في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى تسعى إلى تقليل اعتمادها على النفط الروسي.
أما دول الاتحاد الأوروبي فتهتم أولًا وقبل كل شيء بالغاز الطبيعي. وتستورد دول الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 45٪ من غازها من روسيا وفقًا لوكالة الطاقة الدولية. وقد أعرب بعض زعماء الاتحاد الأوروبي، ولا سيما المستشار الألماني أولاف شولتز، عن مخاوفهم من أن موسكو قد تقطع إمدادات الغاز الطبيعي تمامًا إذا أثارتها عقوبات الطاقة، مما يترك أوروبا مع القليل من البدائل المتاحة على الفور، ومما قد يعني نقصا حادا في موارد الطاقة. ولذلك فإن الاتحاد الأوروبي لم ينضم إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حظر واردات الطاقة من روسيا، لكنه أشار إلى عمله على تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية وتقويض نفوذ موسكو الاستراتيجي على الاتحاد الأوروبي بشكل عام.
وقبل قمة الاتحاد الأوروبي التي عقدت في 10-11 آذار (مارس) في فرساي بفرنسا، قدمت المفوضية الأوروبية (وهي الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي) مقترحات لخفض مشتريات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي بمقدار الثلثين قبل نهاية العام، ووقف شراء أي وقود أحفوري من روسيا بحلول عام 2027. وعلى الرغم من أن قادة الاتحاد الأوروبي في فرساي أجلوا مناقشة مسألة التاريخ المقترح (أي عام 2027) إلى مباحثاتهم المقبلة في شهر أيار (مايو)، فإن خطة الاتحاد الأوروبي تمثل خروجًا عن التردد الأولي في التحرك ضد قطاع الطاقة الروسي. وتعتمد خطة الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الجهود المبذولة لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة في المنازل. وقد أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن المقترحات تتماشى مع سياسة الطاقة الأوروبية الأوسع، قائلة: «نحن بحاجة إلى التحرك الآن للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة، وتنويع إمدادات الغاز لدينا للشتاء المقبل وتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة.» لكن نجاح الخطة سيتوقف بلا شك على إيجاد إمدادات بديلة من الدول المصدرة للغاز، بما في ذلك قطر وأستراليا والولايات المتحدة والنرويج وأذربيجان والجزائر وغيرها. وتلتزم العديد من هذه البلدان حاليًا بعقود طويلة الأمد مع المشترين في آسيا وأماكن أخرى، لكنها ستكون قادرة على تخصيص المزيد من إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا بمرور الوقت.
ومع اقتران العقوبات الغربية ضد النظام المالي الروسي مع إجراءات الطاقة الأمريكية والبريطانية والأوروبية، فإن الضرر الواقع على الاقتصاد الروسي سيكون شديدا جدا. ويوفر قطاع الطاقة في روسيا ما يقرب من نصف الإيرادات لميزانيتها الحكومية وفقًا لوزارة المالية الروسية. ومع ذلك، فإن العقوبات المتعددة الأطراف تتطلب وقتًا للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المستهدفة، ويظل السؤال مفتوحًا عما إذا كان أي من هذه العقوبات ستؤثر بشكل مباشر أو سريع على سعي روسيا لتحقيق أهدافها العسكرية والاستراتيجية في أوكرانيا. حتى الآن، بما في ذلك ما نشر عن المحادثات مع القادة الفرنسيين والألمان في 12 آذار (مارس)، لم يقدم الرئيس بوتين أي مؤشرات على أن العقوبات ستجعله يخفف من مطالبه أو أهدافه في أوكرانيا. ومع ذلك، فقد أشارت إجراءات الطاقة التي اتخذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أنه حتى لو أنهت روسيا عملياتها في أوكرانيا، فإن القادة الغربيين لن يعودوا إلى تعاملاتهم المعتادة مع الكرملين طالما ظل الرئيس بوتين في منصبه. ولم تعلن الولايات المتحدة ولا أي زعيم أوروبي أن الهدف المتوخى من العقوبات هو إزاحة بوتين من السلطة، ولكنها لم تعلن أيضا عن الظروف التي يمكن فيها رفع هذه العقوبات. وبغض النظر عن موعد انتهاء التدخل الروسي في أوكرانيا، فإن غزو موسكو قد أشعل شرارة إعادة تنظيم أسواق الطاقة العالمية بعيدًا عن إمدادات الطاقة الروسية – ويرى البعض أن هذا الأمر قد طال انتظاره.