أوّل الكلام آخره:
- لم تمنع الآثار المدمرة لوباء كورونا على إيران والولايات المتحدة من إعادة تصاعد التوترات بين البلدين.
- يشير استعداد إيران إلى استفزاز خصومها إلى أن حملة «الضغط القصوى» الأمريكية لم تخفف من حدة التهديد الإيراني.
- يقدّر القادة الإيرانيون أن إدارة ترامب كانت وستبقى منهكة بسبب وباء كورونا فلا يمكنها المخاطرة بأي انتقام ضد إيران.
- يوفر وباء كورونا لإيران الفرصة لتوسيع الخلاف بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى حول أسلوب التعامل معها، ويشهد على ذلك تجاهل أوروبا إلى حد ما استفزازات إيران الأخيرة.
حتى منتصف نيسان / أبريل، بدا أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران كانت محصورة في العراق، حيث واصلت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران مهاجمة مواقع القوات الأمريكية بشكل دوري. وتمثل الهجمات جهدا تدعمه إيران لإجبار القوات الأمريكية على مغادرة العراق والحد من النفوذ الأمريكي في العراق بشكل عام والانتقام من الضربة الأمريكية في 3 كانون الثاني / يناير 2020 التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني. وقد عمدت إيران إلى تخفيف وتيرة استفزازاتها في الخليج الفارسي لعدة أشهر، بعد أن كانت زوارقعسكرية للحرس الثوري الإيراني قد اعترضت سفينة تجارية في منتصف عام 2019، فضلا عن زرع المتفجرات وتحويل مسار بعض السفن قسرا، مفضلة تركيز جهودها في الأشهر الماضية على الساحة العراقية. وعزا مسؤولون أمريكيون غياب هجمات الحرس الثوري الإيراني البحرية إلى استقدام سفن حربية أمريكية وحليفة جديدة إلى الخليج وإنشاء البعثة الأمنية البحرية الأمريكية الجديدة «قوة الأمن البحرية الدولية» في آب / أغسطس 2019 ومقرها البحرين. كما أشارت إدارة ترامب إلى استسلام إيران في الخليج بسبب حملة «الضغط القصوى» التي تشنها لفرض المزيد من العقوبات على مجموعة واسعة من الصناعات الإيرانية وعلى الهيئات العالمية التي تتعامل مع إيران.
غير أنّه مع انتصاف نيسان/أبريل، بدا أنّ تقديرات الولايات المتحدة بأن القوات البحرية التابعة للحرس الثوري قد تُردع إلى أجل غير مسمى لم تكن في محلّها. وكما ورد في 14 نيسان / أبريل، في بيان حقائق لوزارة الخارجية الأمريكية بعنوان «إيران: تاريخ من الاستفزازات البحرية»، استولت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني على ناقلة نفط ترفع علم هونغ كونغ. وفي اليوم التالي، قام أحد عشر قاربا صغيرا من القوارب الصغيرة التابعة لقوات الحرس الثوري الإيراني البحرية بعرقلة خمس سفن بحرية أمريكية قبالة الكويت تقوم بعملياتها الروتينية بسرعات عالية والاقتراب منها والتحرش بها. وفي 22 نيسان / أبريل، صرَّح الرئيس دونالد ترامب في تغريدته على تويتر قائلا «أصدرت التعليمات للبحرية الأمريكية بإطلاق النار على جميع الزوارق الحربية الإيرانية وتدميرها إذا تحرشَّت بسفننا في البحر». وفسر مسؤولون يعملون في القوات البحرية الأمريكية تغريدة الرئيس ترامب بأنها تحذير لإيران لردعها عن مواصلة الأعمال الاستفزازية في الخليج، وبأنها في الوقت نفسه تمنح القادة العسكريين الأمريكيين سلطات تقديرية استنسابية تمكنهم من الرد على أي إجراءات أخرى تهددهم. وفي 22 نيسان / أبريل، زادت إيران من حدة التوترات بعد إطلاقها أول قمر صناعي عسكري، سرعان ما أدانه وزير الخارجية مايك بومبيو عادّا إيّاه دليلا على أن برنامج إيران الفضائي لم يكن لأغراض تجارية بحتة فقط كما تدعي إيران.
وتبرز العديد من التفسيرات المحتملة لعودة إيران إلى قيامها بأعمال استفزازية وعدوانية في الخليج. ولعلّ القادة الإيرانيين اليوم يدركون أن إدارة ترامب المستنزفة في محاربة وباء كورونا غير مستعدّة لتحمل المخاطر السياسية المتمثلة في تجدد الأعمال العدائية مع إيران. ومن المرجح أيضا، أن إيران ترى أنها في ضوء كفاحها لمحاربة تفشي الوباء في ظلّ خضوعها للعقوبات الأمريكية الشاملة ستتلقى الدعم الدولي اللازم لتحدي السياسة الأمريكية الموجهة ضدها. وقد تجاهلت دول الاتحاد الأوروبي والقوى الأخرى الإجراءات الاستفزازية الإيرانية الأخيرة، مما يشير إلى اتساع الفجوة بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التي ظهرت عندما ألغت إدارة ترامب الاتفاق النووي الإيراني المتعدد الأطراف لعام 2015.
وتتضح عزلة الولايات المتحدة في سياستها ضدّ إيران من خلال النقاش الذي دار حول طلب إيران الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار لاستيراد معدات طبية لمحاربة وباء كورونا، فقد عارضت إدارة ترامب منح القرض على أساس أن لدى إيران أموال وافرة لاستيراد معدات طبية، ومن المرجح أن تحول عائدات القرض إلى أنشطتها الإقليمية الخبيثة، ولكن رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل صرّح في 22 نيسان / أبريل بأن الاتحاد الأوروبي يأسف لمعارضة الولايات المتحدة منح القرض، نظرا لاحتياجات إيران الإنسانية الواضحة والإصرار الأمريكي على أن عقوباته لا تمسّ البنود الإنسانية. ورغم أنّ الولايات المتحدة تملك الصوت الأقوى نسبيّا في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، فإن معارضتها لن تكفي لعرقلة القرض. وإذا وافق صندوق النقد الدولي على منح القرض، فإنّ عزلة إدارة ترامب ستكون بادية للعيان، مما قد يشجع إيران على القيام باستفزازات جديدة في الخليج.