أوّل الكلام آخره:
- خففت رحلة الرئيس بايدن في يوليو إلى المملكة العربية السعودية بشكل طفيف التوترات الأخيرة في العلاقات الأمريكية مع المملكة والإمارات العربية المتحدة شريكيها الرئيسيين.
- ما زالت الولايات المتحدة وفية بالتزامها بمساعدة المملكة والإمارات في الدفاع عن أراضيهما ضد ترسانة الصواريخ الإيرانية ذات القدرات المتزايدة.
- ضخّت دول الخليج كميات إضافية متواضعة من النفط الخام إلى أسواق الطاقة العالمية التي اهتزت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
- على أن انتهاكات حقوق الإنسان في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لا تزال مصدرا للانتقادات الأمريكية وتؤثر على العلاقات مع الولايات المتحدة.
في يوليو، بعد اجتماعات في إسرائيل، زار الرئيس بايدن المملكة العربية السعودية، حيث التقى بالقادة السعوديين، بما في ذلك الزعيم الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكذلك رئيس الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان وغيرهما من القادة الخليجيين والعرب. كانت الزيارة تهدف إلى تعزيز ثقة قادة الخليج – ولا سيما محمد بن سلمان ومحمد بن زايد – في أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بردع التهديد الإيراني والدفاع عنهم. وقد سعى الرئيس بايدن إلى إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج من خلال التعهد باستئناف مبيعات الأنظمة العسكرية الأمريكية المتقدمة لدول الخليج، وخاصة معدات الدفاع الصاروخي. وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت في عام 2021 مبيعاتها الجديدة من الذخائر الموجهة بدقة للمملكة والإمارات العربية المتحدة ردًا على الانتقادات الأمريكية بأن العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن كانت تتسبب في حدوث خسائر مدنية كبيرة على مستوى الضحايا المدنيين والبنى التحتية، وقد تبنى هذه الانتقادات عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي. ولكن الدعم السعودي والإماراتي لوقف إطلاق النار في الصراع اليمني (الذي بدأ في أوائل أبريل ومُدّد عدة مرات منذ ذلك الحين) ساهم في قرار الرئيس بايدن المضي قدمًا في رحلة يوليو. وكان العديد من المنتقدين قد حثوا الرئيس بايدن على عزل المملكة، التي كان بايدن قد وصفها في وقت سابق بأنها «منبوذة»، ردًا على انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول.
وفي الأسابيع التي أعقبت رحلة بايدن، سعى المسؤولون الأمريكيون إلى تنفيذ تعهداتهم بالإعلان عن بيع أسلحة أمريكية كبيرة جديدة لدولتي الخليج. ففي 2 أغسطس، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع المملكة صواريخ إضافية لنظام باتريوت المضاد للصواريخ بقيمة تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار. في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الدفاع عن بيع صواريخ ومعدات ذات صلة لأنظمة الدفاع الصاروخي الدفاعية العالية الارتفاع (ثاد) التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، بتكلفة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار. وكان المسوّغ المعلن للمبيعات هو مساعدة المملكة والإمارات في التصدي للهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون، الذين استخدموا صواريخ باليستية قصيرة المدى وطائرات مسيرة مسلحة لمهاجمة المملكة والإمارات. كما أن منظومتي باتريوت وثاد مفيدتان أيضًا في مواجهة الصواريخ التي قد تطلقها إيران نفسها. وسعى المسؤولون الأمريكيون إلى استباق الانتقادات الموجهة للمبيعات من خلال التأكيد على أن صواريخ باتريوت وثاد هي لأغراض دفاعية بحتة ولا يمكن استخدامها لضرب أهداف مدنية أو أي أهداف أخرى في اليمن.
وفي نفس الأسبوع الذي أعلن فيه عن مبيعات الأسلحة الأمريكية، استجابت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل متواضع للجهود الأمريكية الرامية إلى ضخ المزيد من النفط الخام في الأسواق العالمية لتخفيف حدة الأزمة التي سبّبها الغزو الروسي لأوكرانيا. وكانت الدولتان الخليجيتان قد قدمتا خلال الاجتماعات في المملكة العربية السعودية تعهدات غامضة للرئيس بايدن بأنهما ستزيدان إمدادات النفط. وفي أوائل أغسطس، أعلن منتدى «أوبك +» لمصدري النفط من أوبك وخارجها، بما في ذلك روسيا، أنه سيزيد إنتاج النفط الخام بمقدار 100 ألف برميل فقط يوميًا اعتبارًا من سبتمبر. وستأتي معظم هذه الزيادة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلا عن كميات صغيرة أخرى من منتجين آخرين مثل الكويت. وفي أعقاب الانتقادات التي مفادها أن هذه الزيادة الضئيلة في الإنتاج أشبه ما تكون بـ«الرفض» للرئيس بايدن، أشار محمد بن سلمان إلى أن المملكة تحتفظ بالكثير من طاقتها الاحتياطية للمساعدة في تخفيف النقص المحتمل في الإمدادات في وقت لاحق من عام 2022، إذا ما تفاقمت آثار الجهود الأوروبية والأمريكية لشل مبيعات النفط الروسي. ومن ناحية أخرى، يبدو أن الزيادة المتواضعة في الإنتاج قد دعمت التحليل الذي قدمه العديد من خبراء الطاقة العالميين والذي مفاده أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ربما لا يكون لديهما سوى جزء بسيط من المليون برميل يوميًا من الطاقة الاحتياطية التي يدعيها مسؤولو الطاقة لديهما.
وعلى الرغم من سعي الولايات المتحدة ودولتي الخليج لإعادة العلاقات من خلال احترام بعض تعهداتهما على الأقل، فقد عادت إلى الظهور انتهاكات حقوق الإنسان التي دفعت المنتقدين إلى معارضة الرحلة. وقد أعرب مسؤولون أمريكيون عن استيائهم من محمد بن سلمان، وذلك رغم تأكيدات الرئيس بايدن بأنه أثار مقتل خاشقجي في اجتماعاته مع محمد بن سلمان وقادة سعوديين آخرين. وفي غضون يومين من عودة الرئيس بايدن، اعتقلت الإمارات المحامي عاصم غفور وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة غسل الأموال والتهرب الضريبي. وغفور هذا مواطن أمريكي كان يمثل خاشقجي وخطيبته سابقًا. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين نفوا أن الادعاء عليه يمثل دعما إماراتيا لمحمد بن سلمان، إلا أن المنتقدين في الولايات المتحدة والمنطقة ربطوا بين الأمرين. ولطالما دعمت الإمارات زعم محمد بن سلمان بأنه لم يكن له أي دور في مقتل خاشقجي، على الرغم من بعض الأدلة التي أعلنتها الولايات المتحدة والتي تفيد بموافقته على هذه الجريمة. وقد ألغت المحاكم الإماراتية الحكم بسجن غفور بعد بضعة أسابيع، مما خفف جزئيًا من أي ضرر دائم يصيب العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات. وفي منتصف أغسطس، صعدت جماعات حقوق الإنسان انتقاداتها لإعادة تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعد أن رفعت محكمة سعودية عقوبة السجن بحق الناشطة في مجال حقوق المرأة سلمى الشهاب من 6 سنوات إلى 34 عامًا. وكانت الشهاب قد أُدينت في أواخر عام 2021 بـ «نشر إشاعات كاذبة ومغرضة [حول الحكومة والمسؤولين السعوديين] على تويتر». وشهاب حليفة لمعارضة سعودية أخرى، وهي لجين الهذلول التي سُجنت بين عامي 2018 و2021 لقيادتها حملة لإضفاء الشرعية على قيادة النساء للسيارات في المملكة العربية السعودية. وقد أظهرت الأسابيع التي تلت الرحلة الرئاسية إلى المملكة العربية السعودية أن التوترات مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات ما زالت قائمة، لكن حتمية الحفاظ على أمن الخليج ومواجهة إيران المتزايدة القوة تبقي الركائز الأساسية للشراكة الأمريكية الخليجية في مكانها.