أوّل الكلام آخره:
- اليمن من الدول الأكثر فقرا في العالم، وبعد سنوات عدة من الحرب ومن قصف القوات الجوية السعودية لمستشفيات اليمن وبناه التحتية أصبح البلد عاجزا بالكلّيّة عن مواجهة فيروس كورونا.
- يحتاج ثمانية من كلّ عشرة يمنيين إلى المعونات الإنسانية حاجة ماسة، على أنّ عجز وكالات الإغاثة الدولية عن العمل في البلد زاد من حدّة المأساة.
- يموت المئات في اليمن وعليهم أعراض مشابهة لأعراض المصابين بفيروس كورونا، ولكنّ أحدا لا يعلم حدود انتشار الوباء نتيجة افتقاد وسائل التشخيص والمسح.
- بناء على بعض النماذج الحسابية التي أعدّتها منظمة الصحة العالمية فقد يصاب بالفيروس نصف سكّان اليمن الذين يصل عددهم إلى ٣٠ مليونا، وقد يموت مئات الآلاف بسببه.
تحدّث الأسبوع الماضي في العاصمة صنعاء جان-نيكولا بوز ممثل وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن ليؤكد ما كان متوقّعا من أن البلد يواجه انتشارا سريعا لفيروس كورونا. واليمن من الدول الأكثر فقرا في العالم، وبعد سنوات عدة من الحرب ومن قصف القوات الجوية السعودية لمستشفيات اليمن وبناه التحتية أصبح البلد عاجزا بالكلّيّة عن مواجهة فيروس كورونا. وفضلا عن هذا الوباء، عانى اليمنيون من الكوليرا وحمّى الدنك والملاريا. وأدّت الحرب الّتي شنّتها القوات السعودية والإماراتية إلى نزوح ملايين الأشخاص داخليا وإلى لجوء مئات الآلاف الّذين لم تعد لهم منازل ليعودوا إليها، ولا يبدو أن القوى الإقليميّة والقبائل والميليشيات المتحاربة ستضع حدّا لهذا الصراع في القريب العاجل. وقد قُتل أكثر من مئة ألف يمني في الصراع الذي بدأ منذ حوالي خمس سنوات، ومعظمهم من المدنيين. وحتّى الآن لم تتوقّف الغارات الجوية بالرغم من إعلان التحالف السعودي في ٩ نيسان / أبريل وقفا لإطلاق النار من طرف واحد بسبب وباء كورونا لمدة أسبوعين، ومن تمديده بعد ذلك حتى نهاية شهر رمضان. والظاهر أن وقف إطلاق النار لم يكن أكثر من وقف اسميّ، وقد صدر تقريران على الأقلّ عن غارات جوية استهدفت مرافق للحجر الصحي يستخدمها المصابون بوباء كورونا.
وموارد الحكومات المتحاربة في اليمن شحيحة ولا يمكنها أن تكفي لإبقاء اليمنيين آمنين في ظل الجائحة. فثمانية من كلّ عشرة يمنيين (أي ما يعادل ٢٤ مليون شخص) هم بحاجة ماسة إلى المعونات الإنسانية وإلى تأمين الحماية لهم، وقد يصعب تأمين ذلك بسبب عجز وكالات الإغاثة الدولية عن العمل في البلد. وبسبب المخاطر المتعلقة بالصراع القائم من جهة والقيود الموضوعة على وكالات الإغاثة الدولية بسبب وباء كورونا من جهة أخرى، باتت الموارد المتاحة لليمنيين أقل من السابق. وأمسى عامل سوء التغذية، خاصة بين الأطفال، عامل خطورة إضافيا، فضلا عن أن شريحة واسعة من الشعب لم تحصل على اللقاحات المناسبة. وتضع كل هذه الظروف اليمنيين في خطر أكبر، بما في ذلك خطر الإصابة بوباء كورونا ونقله إلى الآخرين.
وفي حين لم تسجل في اليمن رسميّا إلا ٢٤٩ حالة إصابة و٥٠ حالة وفاة بالكورونا منذ أواخر شهر أيار / مايو بحسب منظمة الصحة العالمية، أعلن بعض الخبراء أن اليمنيين يموتون بالمئات وعليهم أعراض مشابهة للأعراض التي تعلو المصابين بوباء كورونا. وأفادت منظمة «أنقذوا الأطفال» عن وفاة ٤٠٠ شخص في عدن وحدها خلال أسبوع واحد. ونظرا إلى مستويات الفقر المدقع في البلد، فمن غير المتوقع أن يملك اليمن الموارد أو القدرات التي نسمح له بإجراء فحوصات كورونا بدقّة. وحذّرت منظمة أطباء بلا حدود من أن الحالة ستصل إلى نقطة اللاعودة، وإذا انتشر الوباء في البلاد، ستكون مواجهته شبه مستحيلة. وقد أدت الحرب والمجاعة والفقر، والآن الجائحة الفتاكة، إلى إحداث الفوضى في اليمن، الذي أمسى في أسفل الدرجات على سلّم أولويات المجتمع الدولي. وبالرغم من استمرار حملة السعودية الطائشة، فلا تزال الولايات المتحدة تبيع الأسلحة إلى المملكة من دون أي اعتبار لعواقب ذلك على المدنيين في اليمن. والمفارقة هي أن السعودية ستستضيف مؤتمرا للأمم المتحدة نهار الثلاثاء القادم خصّص لدعم اليمن.
وبناء على بعض النماذج الحسابية التي أعدّتها منظمة الصحة العالمية فقد يصاب بالفيروس نصف سكّان اليمن الذين يصل عددهم إلى ٣٠ مليونا، وقد يموت مئات الآلاف بسببه. ويعاني اليمن من نقص كامل في معدات الحماية الشخصية، على ما هو متوقع في بلد فقير يعاني من الحروب. ويبدو أن كابوس الوباء الذي كان يخشاه العديدون ممّن هم على تماسّ مع اليمن، وكانوا يرون فيه دمارا تامّا للبلاد، قد بات اليوم حقيقة قائمة. ورغم ذلك، لم تول وسائل الإعلام العالميّة كبير اهتمام بمعاناة اليمن، ويعود ذلك جزئيا إلى أن البلدان الغربية تركّز اليوم على معاناتها الخاصة، وربّما أيضا لأنّ المآسي التي تصيب بلدانا كاليمن باتت أمرا اعتياديّا لا يتوقّف عنده. فهل سيكون اليمن المنسيّ اليوم، وهو البلد الّذي يضمّ ٢٨,٥ مليون شخص، مجرّد ذكرى سالفة في قابل الأيّام؟