أوّل الكلام آخره:
- في خضم الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت في أعقاب مقتل جورج فلويد، زادت نسبة الاعتداءات بالسيارات، حيث استهدف العديد منها حشود المتظاهرين السلميين.
- من الصعب منع الاعتداءات بالسيارات، نظرا إلى أن هذه الطريقة من الهجمات لا تتطلب إلا الوصول إلى سيارة أو شاحنة، وهذا يسير وفي متناول الكثيرين.
- قبل أن يصبح الاعتداء بالسيارات التكتيك المفضل لدى جماعات اليمين المتطرف كان كذلك لدى تنظيم داعش بعد أن حث أبو محمد العدناني عناصر التنظيم على الانخراط في هجمات متكررة كلما سنحت الفرصة.
- مع اقتراب موعد الانتخابات في تشرين الثاني / نوفمبر 2020، وتفاقم التوترات المتوقع في الأشهر المقبلة، ستكون الاعتداءات بالسيارات أمرا حتميا، مما يشكل تحديا صعبا أمام الأجهزة الأمنية لتأمين الحشود الضخمة.
في خضم الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت في أعقاب مقتل جورج فلويد، تصاعدت نسبة الاعتداءات بالسيارات، حيث استهدف العديد منها حشود المتظاهرين السلميين. وقد استُهدفت احتجاجات حركة «حياة السود معتبرة» على وجه الخصوص. وقد وُجهت تهم ارتكاب جرائم الكراهية إلى بعض مرتكبي هذه الهجمات. إن الدافع وراء هذه الاعتداءات ليس واضحا دائما، على الأقل في البداية، ولكن بالنظر إلى أنها استهدفت حركة «حياة السود معتبرة» مرّات عدّة، فإن من المرجح أن تكون لبعضها على الأقل (إن لم يكن لأكثرها) أجندة سياسية أو أيديولوجية في العمل. وتبرز أيضا مسألة سبق الإصرار والترصد، فبعض الاعتداءات قد يكون وليد اللحظة. وقد تقرر أن بعض الحالات هي حوادث ناجمة عن الخطأ ولا دوافع لها. ومنذ أواخر أيار / مايو، وقعت عشرات الهجمات، ولكن العدد قد يتغيّر مع استمرار التحقيق في بعض الحوادث. وتذكرنا العديد من الحوادث بما حدث في شارلوتسفيل في فرجينيا في مسيرة «وحدوا اليمين» في آب / أغسطس 2017، عندما قاد القومي الأبيض جيمس فيلدز جونيور سيارته مخترقا حشدا من المتظاهرين المناهضين، مما أسفر عن مقتل هيذر هيير وإصابة عدد من المتظاهرين الآخرين.
وفي حين أن الاعتداء بالسيارات بات التكتيك المفضل لدى جماعات اليمين المتطرف، إلا أن استخدام السيارات سلاحا ليس بالأمر الجديد. وقد اعتمد المقاتلون الفلسطينيون الاعتداء بالسيارات لشن هجمات إرهابية منذ أواخر الثمانينات. وقام متبتّل (ممن يمتنعون عن مقاربة النساء طوعا) كما يصف نفسه باستخدام شاحنة صغيرة لدهس المارة في تورونتو في كندا عام 2014، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة ستة عشر آخرين. ومن الصعب منع ظاهرة الاعتداءات بالسيارات، نظرا إلى أن هذه الطريقة من الهجمات لا تتطلب إلا الوصول إلى سيارة أو شاحنة، وهذا في متناول الكثيرين. وقبل عدة سنوات، وفي أعقاب موجة من الهجمات التي وقعت بتحريض من تنظيم داعش في المدن الكبرى، بما في ذلك لندن ونيويورك وستوكهولم وبرلين، بدأت السلطات الأمنية إلى جانب مخططي المدن والمسؤولين الحكوميين، في التفكير في التدابير الدفاعية اللازمة في الساحات وأماكن التجمعات الكبيرة. وقد حتمت ظاهرة الاعتداء بالسيارات عليهم جميعا الاستعجال في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأهداف غير المحصنة وغيرها من المساحات المدنية المكتظة بالسكان.
وقد استغل تنظيم داعش هذا التكتيك وشجع أتباعه على الاستفادة من سهولة قتل المدنيين باعتماده، وهو على أي حال يتناسب ونهجهم في التعامل مع الهجمات، في أي مكان وزمان، باستخدام أي وسيلة متاحة، وفقا لتوجيهات قيادة التنظيم. وفي أيلول / سبتمبر 2014، حث أبو محمد العدناني، الرجل الثاني في تنظيم داعش آنذاك، أتباعه عند التعامل مع من سمّاه بـ«الكافر» على «سحق رأسه بصخرة أو ذبحه بسكين أو دهسه بالسيارة». وكان الاستعداد للانخراط في هجمات انتهازية منخفضة التكلفة أحد الاختلافات الصارخة بين تنظيم داعش والقاعدة من حيث طريقة العمل. فقد كان تنظيم داعش متلهّفا على نسبة اعتداء بسيط بواسطة مركبة بعدد قليل من الإصابات إلى نفسه، تلهّفه لنسبة لعمليات الخارجية الكبرى مثل هجمات باريس في تشرين الثاني / نوفمبر 2015 أو هجمات بروكسل في آذار / مارس 2016. وعلى العكس من ذلك، تميزت القاعدة بتفضيل الهجمات الكبرى المذهلة، ولم ترض بالهجمات الأقل خطورة التي أبقت داعش على عناوين الصحف شهرا بعد شهر لسنوات.
وقد ولدت الزيادة في الاعتداءات بالسيارات شعارا شعبيا جديدا بين جماعات اليمين المتطرف، وهو «All Lives Splatter»، في إشارة إلى دهس المتظاهرين بواسطة المركبات. وقد أثارت هذه الميمات ضجة كبرى بعد أن عممت على نطاق واسع وشارك في نشرها بعض مشرعي القانون والنواب وأبرزت على منصات القوميين البيض. كما انتشر ميمي آخرRun Them Over» » على نطاق واسع بعد هجوم شارلوتسفيل. وفي محاولة لمنع إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي، اتخذت منصة تويتر مؤخرا إجراءات لتعليق أكثر من 50 حسابا مرتبطا بالقوميين البيض، في حين أغلقت منصة فيسبوك مئات الحسابات المرتبطة بحركة «بوغالو». إن انتشار الدعاية والتحريض على الإنترنت، الذي غالبا ما يتضمن جملة من الانتقادات والكراهية التي تستهدف متظاهري حركة «حياة السود معتبرة»، بث جوا مسموما فيه عناصر من العالم الافتراضي والعالم الحقيقي على حد سواء. وفي حزيران / يونيو، دهس زعيم تنظيم «كو كلوكس كلان» الذي يتخذ من ريتشموند مقرا له بسيارته مجموعة من المتظاهرين، واحتفل به النازيون الجدد وجماعات العنصريين البيض على الإنترنت. ومع استمرار تصاعد التوترات في الفترة التي تسبق انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر 2020، لا بد من بروز المزيد من الاعتداءات بالسيارات. ويعد هذا تحديا كبيرا أمام أجهزة إنفاذ القانون، التي يتعين عليها الموازنة بين ضرورة السماح للمتظاهرين بالحق في التجمع والاحتجاج السلمي، ومنع المواجهات من الخروج عن نطاق السيطرة وتوفير الأمن للحشود الضخمة في الأماكن العامة.