أوّل الكلام آخره:
- يعدّ انقلاب 23 كانون الثاني (يناير) في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، امتدادا لما شاهدناه مؤخرا في غرب إفريقيا من نزعات تمردية للجنود ضد قادتهم بسبب الضغائن السياسية المتفاقمة.
- توفر الإدانة الدولية للانقلاب فرصة لروسيا لكسب مزيد من النفوذ في بوركينا فاسو التي تسعى للحصول على دعم عسكري لمحاربة الجهاديين لكن من دون شروط مرتبطة بتعزيز احترام حقوق الإنسان.
- التعاون الروسي المحتمل مع القادة العسكريين الجدد في بوركينا فاسو سيشكل حلقة جديدة من حلقات تنامي النفوذ العسكري الروسي في دول غرب إفريقيا على نحو ما حصل ويحصل في مالي المجاورة وجمهورية إفريقيا الوسطى.
- على الرغم من الزعم أن الانقلاب يهدف إلى تعزيز قدرة بوركينا فاسو على محاربة الجهاديين، إلا أن الافتقار إلى استراتيجية قابلة للتطبيق لمكافحة التمرد يلقي بظلال من الشك على ما إذا كان الانقلاب سيحقق أيًا من أهدافه المزعومة.
في 23 كانون الثاني (يناير)، هز انقلاب آخر غرب إفريقيا عندما اعتقل جنود في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، الرئيس روش مارك كريستيان كابوري في قاعدة عسكرية وسيطروا على المناطق المحيطة بمقر إقامته، وعلى محطة الإذاعة الرئيسية، ومنشآت أخرى. وكان من بين أبرز العناوين التي رفعها الجنود المتمردون الوضع الأمني المتدهور في البلاد نتيجة للهجمات الجهادية التي تشنها جماعة أنصار الإسلام والمسلمين المتحالفة مع القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. وعلى نطاق أوسع، اتهم الجنود كابوري بسوء إدارة الشؤون الحكومية، وعدوا الفشل في كبح جماح الجهاديين مثالا صارخا على ذلك.
ويذكرنا الانقلاب الذي حدث في بوركينا فاسو بذلك الذي حدث قبل أكثر من عشر سنوات في مالي، عندما تمرد الجنود أيضًا على الرئيس المنتخب ديمقراطيًا بسبب مخاوف بشأن فشل الحكومة في تزويد الجنود بالتدريب والمعدات لمحاربة التمرد الجهادي بشكل فعال. ومع ذلك، وبعد أكثر من عقد من الزمان، لا زالت الأزمة العسكرية والسياسية في مالي من غير حل، بل إن البلاد شهدت انقلابًا عسكريًا آخر العام الماضي للإطاحة بحكومة منتخبة أخرى. وينسجم الانقلاب الذي حدث في مالي عام 2021 وفي بوركينا فاسو هذا العام مع نهج الانقلابات التي تزعزع استقرار المنطقة. فقد شهدت تشاد وغينيا أيضًا انقلابات في عام 2021، وواجهت الجابون محاولة انقلاب في عام 2019. ولعل نيجيريا، وهي الأقوى في المنطقة تقليديا، والتي كانت عرضة للانقلابات العسكرية قبل اعتماد الديمقراطية في عام 1999، تمثل الشذوذ الذي يؤكد القاعدة، فقد شهدت ست انتقالات للسلطة منذ عام 1999 دون انقلابات، على الرغم من تمرد بوكو حرام المتواصل منذ عام 2009.
وخلال الأسبوع الماضي في بوركينا فاسو، عُلّق عمل الحكومة والبرلمان والدستور. وإذا تطور الوضع بشكل مشابه لما حدث في مالي العام الماضي، فإن الجنود الذين وصلوا إلى السلطة من خلال الانقلاب قد يعمدون إلى إرجاء الانتخابات إلى أمد غير معلوم. وهذا يثير مخاوف على جبهتين أساسيتين: فمن ناحية سيتسبب ذلك في إضعاف الديمقراطية، ومن ناحية أخرى سيشير ذلك إلى أن الجيش نفسه لا يملك إلا القليل من الخطط والاستراتيجيات لمحاربة الجهاديين. وعلاوة على ذلك، فإن إدانة المجتمع الدولي للانقلاب، ولا سيما إدانة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، تعني أن الدعم العسكري والإنمائي المطلوب قد لا يأتي قريبًا.
على أن المعارضة الواسعة للانقلاب في الخارج قد تفتح سبلًا محتملة لروسيا لتوسيع نفوذها في بوركينا فاسو، تمامًا كما فعلت في دول أخرى في المنطقة عانت من مزيج من الانقلابات والصراعات الداخلية، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. ففي مالي، على سبيل المثال، تبدو روسيا مستعدة للعمل مع القادة العسكريين الذين نفذوا الانقلاب العام الماضي ولتدريب الجنود الماليين في القواعد التي تخلت عنها فرنسا التي تعيد اليوم حساباتها في منطقة الساحل. وفي بوركينا فاسو، يعلم الذين نفذوا الانقلاب أن روسيا لا تمتلك المعدات والمدربين العسكريين بما في ذلك مرتزقة مجموعة فاغنر الذين يمكن استخدامهم لمحاربة الجهاديين فحسب، بل يعلمون أيضا أن روسيا لن تسمح لقضية الديمقراطية أن تؤثر على علاقاتها مع بوركينا فاسو.
وفي غضون ذلك، أعربت الولايات المتحدة عن «قلقها العميق» بشأن الانقلاب، لكنها تجنبت اتخاذ موقف قوي ضد مدبريه. وتبحث وزارة الخارجية الأمريكية فيما إذا كانت ستستمر في تقديم المساعدة العسكرية وغيرها من أشكال المساعدة إلى بوركينا فاسو، بينما تطلب من مدبري الانقلاب وقف التصعيد، والعودة إلى القيادة المدنية، وعدم إلحاق الضرر بالرئيس المخلوع كابوري. وإذا اتخذت واشنطن موقفًا قويًا ضد مخططي الانقلاب، فقد يدفع ذلك أولئك الموجودين في السلطة إلى أحضان روسيا، في وقت لا تعزز فيه موسكو نفوذها في غرب إفريقيا فحسب، بل تتنافس أيضًا مع الولايات المتحدة وحلفائها في أوكرانيا وسوريا وأماكن أخرى. ولعل أحد عوامل الجذب الواضحة التي تشد مؤيدي الانقلاب لروسيا هو أنه يُنظر إليها على أنها أكثر فاعلية في مواجهة التمرد من فرنسا أو الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى. كما أن موسكو لا تضع قيودًا أو شروطا كثيرة على المساعدة، كمطالبة جيوش غرب إفريقيا بالالتزام بمعايير حقوق الإنسان أو إضفاء الطابع الديمقراطي على الأنظمة. وإذا عززت بوركينا فاسو وروسيا علاقاتهما، فمن غير المرجح أن تعود بوركينا فاسو إلى النظام الديمقراطي في أي وقت قريب. وهذا المسار، فضلا عن افتقار روسيا للخبرة في مكافحة التمرد في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا يبشر بالخير لبوركينا فاسو، ولا حتى للجنود المتمردين أنفسهم، ولا يحقق لهم أيا من الأهداف التي دعتهم للانقلاب في المقام الأول.